بقلم: فيليب جيرالدي

(مجلة “كونترا مجازين” الألمانية، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-

يستحق خطاب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي ألقاه في الجامعة الأميركية بالقاهرة في العاشر من يناير2019 اهتماماً أكبر مما حصل عليه من وسائل الإعلام الأميركية. ففيه كشف بومبيو عن رؤيته الخاصة لما يحدث في الشرق الأوسط، بما في ذلك أثر إيمانه الشخصي واعتقاده بأن دور واشنطن السليم في المنطقة هو بمثابة “قوة من أجل الخير”. تم نشر خطابه بالتفصيل على موقع وزارة الخارجية بصورة مُحي معها الحيز الكبير الذي أخذه الحديث عن نفسه، وكأن بومبيو هو ممثل سياسة البيت الأبيض.

وضع بومبيو الافتراضات على الفور لكل ما سيحدث وقال في الفقرات القليلة الأولى ما يلي: “هذه الرحلة لها أهمية خاصة بالنسبة لي والمسيحيين الإنجيليين … أنا أضع على مكتبي الكتاب المقدس وهو مفتوح لكي يذكرني بالله و كلمته والحقيقة. إنها الحقيقة التي أريد أن أتحدث عنها هنا اليوم. وهي الحقيقة التي نادراً ما يجري الحديث عنها في هذا الجزء من العالم، ولكن لأنني جندي منذ فترة الدراسة، فسأكون صريحا وواضحا جدا اليوم وأقول أن “أمريكا هي قوة للخير في الشرق الأوسط”.

من المحتمل أن يكون بومبيو ونائب الرئيس مايك بنس هما أبرز المسيحيين الإنجيليين في إدارة دونالد ترامب. بالإضافة إلى كونهما من المسيحيين الصهاينة، وهو ما يعني عودة اليهود إلى الشرق الأوسط هي الشرط الأساسي لمعتقدهم وفق خطوات معينة يجب اتخاذها لإحداث المجيء الثاني للمسيح. بعض المسيحيين الصهاينة يعتقدون أن المجيء الثاني وشيكا، ولكن لا نعلم إذا كان هذا ينطبق على بنس وبومبيو أم لا، فهما لا يزالان يعتقدان بأن دولة إسرائيل يجب أن تكون محمية مهما كلف ذلك من ثمن. تلك الرؤية المبنية على توصيات سياسية لا شك أن لها تأثير على الشرق الأوسط، كما أن هذه الرؤية تؤثر على أيضا على الدول المجاورة لإسرائيل، لا سيما جمهورية إيران الإسلامية، التي تراها إسرائيل العدو والشر المحض الذي له “تأثير سرطاني”، الذي ينبغي لعنه  تدميره في معركة هرمجدون الكبيرة، التي ستقود إلى المجيء الثاني للمسيح وسيؤدي إلى حلول الفرح في قلوب جميع المسيحيين الطيبين.

وبالإضافة إلى ذلك حاول بومبيو في خطابه تشويه سمعة سياسة الشرق الأوسط لسلف دونالد ترامب، باراك أوباما، وأن يوضح أن بعد حكمه توصلوا في حياتهم إلى تحقيق أمر جديد ومثير. وقال إن الولايات المتحدة “غارقة في التفكير” لمساعدة الأصدقاء في الشرق الأوسط. “لماذا؟ لأن قادتنا أساءوا فهم عمق ماضيكم ولحظتكم التاريخية.

وقد أثر سوء التفاهم الأساسي الذي حدث في العام 2009 على حياة مئات الملايين من الناس في مصر والمنطقة برمتها. وتذكر، هنا في هذه المدينة ، وقف أميركي أخر أمامكم. وحدثكم عن الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي لا يستند إلى أيديولوجية.

قال لكم أن أحداث الحادي عشر من  سبتمبر 2001 دفع بلدي للتخلي عن مثلها العليا، خاصة في الشرق الأوسط. قال لك أن الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي بحاجة إلى بداية جديدة”. ولكن كانت عواقب تلك التقديرات الخاطئية مدمرة “.

وطوال تلك الخطبة أخذ بومبيو يحكي أنصاف الحقائق ويحبك الأكاذيب وقال إن “القلق” الأميركي من صعود تنظيم الدولة الإسلامية المحتمل من شأنه أن يكسر شوكة الحكومة الإيرانية و”ثورتها الخضراء” والحيلولة دون تدخل طهران في جميع أنحاء المنطقة. طهران التي سمحت لحزب الله أن يجمع ترسانة هائلة لتهديد دولة إسرائيل، وسمحت لبشار الأسد أن يقتل شعبه بالاسلحة الكيماوية. والأسوأ من ذلك كله، كانت هناك رغبة كاذبة في السلام أدت إلى صفقة (نووية) مع إيران، عدونا المشترك.

واستثنى بومبيو من القائمة الكوارث، حيث قال: “إذن، ما الذي تعلمناه من كل هذا اليوم؟ لقد تعلمنا أنه عندما تنسحب أمريكا، غالباً ما تأتي الفوضى. إن إهمال أصدقائنا من شأنه أن يُحدث الاضطراب. وإذا ما تعاونا مع الأعداء، فسيُضاف لنا أعداء جدد… والخبر السار هو ما يلي: لقد ولى عصر تحميل الذات مسؤولية العار في أميركا، وتماما مثلما نتجت الكثير من المعاناة غير الضرورية ستأتي الآن البداية الجديدة الفعلية. ففي غضون 24 شهراً فقط ، أي أقل من عامين ، أكدت الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب دورها التقليدي كقوة للخير في هذه المنطقة “.

بصرف النظر عن الضجة المُفتعلة، يجب أن ينقل الخطاب بوضوح رسالة سياسية بسيطة للجمهور وخاصة إلى الحكومتين المصرية والخليجية. من خلال المطالبة بولاية “قوة الخير” ، أخبر بومبيو في الواقع جميع الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط أنها تستطيع أن تفعل ما تشاء طالما أنها تكره إيران.

من المؤكد أن خطاب بومبيو احتوى على عدد من الخطوط التي يمكن اعتبارها، في ضوء سخافة بعض الادعاءات ، محاولات للفكاهة. وقال: “بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق إزاء استخدام القوة الأمريكية ، عليهم أن يتذكروا أن أمريكا كانت وستكون دائما قوة تحرر، وليس قوة احتلال. لم نحلم قط بالسيطرة في الشرق الأوسط. فهل يمكن أن نقول نفس الشيء عن إيران؟ “في الواقع ، هذا ما يمكن أن تقوله عن إيران، التي لم تحتل أحداً منذ القرن السابع عشر. على عكس الولايات المتحدة التي تملك قوة برية وبحرية وجوية في جميع أنحاء المنطقة، وفي نفس الوقت تشن حروبا في أفغانستان والعراق وسورية. ودولة إسرائيل، التي تحتل فلسطين، هي أفضل صديق وحليف للولايات المتحدة.

وفي الأخير وصل إلى ما يريد قوله: “في اليمن، سنواصل العمل نحو سلام دائم. وأعتقد أن هذا واضح، لكن من المهم أن نكرر ذلك: الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد تماماً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد المغامرة العدوانية للنظام الإيراني. سنواصل ضمان امتلاك إسرائيل القدرة العسكرية على القيام بذلك بعزم “.

فهل بقصف اليمن بالقنابل الأمريكية، التي يتم تسليمها للسعوديين يتحقق السلام. وهل “بالتحالف” مع دولة إسرائيل، الأكثر استمرارا في الهجوم بالشرق الأوسط وثاني أكبر دولة هجومية بعد واشنطن يتحقق السلام؟ إنه لأمر مثير للسخرية الاعتقاد بأن أمريكا هي بأي شكل من الأشكال “قوة من أجل الخير “. قل ذلك للليبيين الذين غرقت دولتهم المزدهرة في حالة من الفوضى بسبب القصف الأمريكي ودعم الجماعات الإرهابية. وقم بزيارة إلى الفلوجة أو الرقة أو ما تبقى منها. لقد قتلت القوات الأمريكية والعقوبات 1,7 مليون مدني عراقي، بينهم 500 ألف طفل. ووفقا للتقديرات، منذ العام 1990 قتل ما يصل إلى 4 ملايين مسلم كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للحروب الأمريكية في آسيا. في غضون ذلك، تقصف السعودية حليفة الولايات المتحدة المدارس والحافلات والمستشفيات اليمنية وتجوع الأطفال كجزء من كارثة إنسانية كبرى، بينما تهاجم إسرائيل سورية بصورة يومية تقريباً.

إنه لمن دواعي الخوف معرفة أن مايك بومبيو يفتح الكتاب المقدس على طاولته، خصوصاً وأنه يبدو عليه عدم الرغبة في قراء جزء العهد الجديد وما يتضمنه من رسالة للمحبة والتسامح.

الآن ، يبدو أن البيت الأبيض يدخل أمريكا جديدة كقوة “قوة من أجل الخير” قائمة على أساس العدوان المجرد والعقاب الجماعي لأولئك الذين لا يريدون الخضوع. وكما قال بومبيو: “الله في صفنا”.