كيف قلبت مُقابلة السيّد حسن نصر الله مع “الميادين” كُل المُعادلات؟
وقد تُعَجِّل بحل أزمة حقل “كاريش”؟ينعي جِنرالات إسرائيليّون سلاحيّ الجو والدبّابات في جيشهم هذه الأيّام ويترحّمون على الأيّام الخوالي.. أين يكمن الخلل؟ وما هي قصّة الصّواريخ “الغبيّة” التي تحوّلت إلى “ذكيّة”؟
عبدالباري عطوان*
لا نحتاج إلى الجِنرال الإسرائيلي المُتقاعد يتسحاق بريك لكيّ يتحدّث لنا عن حالةِ القلق المُتصاعِد التي تعيشها دولة الاحتِلال هذه الأيّام وينعي في مقالٍ له في صحيفة “هآرتس” سِلاح الطّيران الإسرائيلي الذي لم يعد مُؤَهَّلًا لحسم المعارك، وبات هدفًا استراتيجيًّا لصواريخ “حزب الله” في الجبهة الشماليّة وحركات المُقاومة الفِلسطينيّة في الجنوب (قِطاع غزّة)، فالكِتابة على الحائط واضحة، وأحرفها بارزة، وكلّها تُؤكّد أنّ “زمن الأوّل حوّل”، والقادم قد يكون مُرعِبًا.
نعترف أن الجيش الإسرائيلي ما زال قويًّا، وكذلك سِلاح طيرانه الذي يضم أحدث الطّائرات الأمريكيّة المُقاتلة، ابتداءً من الشّبح “إف 35″ وانتهاءً بـ”إف 16” ولكن ما تغيّر، وبشَكلٍ جذريّ، هو الصّواريخ الدّقيقة والذكيّة التي باتت في حوزة فصائل المُقاومة وخاصَّةً “حزب الله” وحركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في قِطاع غزّة، و”أنصار الله” في اليمن، علاوةً على “التّرسانات” العسكريّة المُتقدّمة المُزدحمة بالمُفاجآت والخُبرات القتاليّة العالية للجُيوش في كُل من سورية والعِراق وإيران أبرز القواعد الرسميّة لمحور المُقاومة.
***
السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” كشف في مُقابلته المُطوّلة مع قناة “الميادين” بمُناسبة مُرور أربعين عامًا على انطِلاق الحزب “أنه لا يُوجد هدف إسرائيلي في البرّ والبحر لا يُمكن قصفه بصواريخ المُقاومة”، وأضاف “لدينا قُدرات بحريّة هائلة كافية لتحقيق الرّدع المطلوب”، وأكّد “أن هُناك 150 ألف صاروخ جاهزة للمعركة الحاسمة حيث جرى تطوير “الغبي” منها إلى “الذّكي” و”الدّقيق” والمُقاومة جاهزة على إطلاق ثلاثة آلاف صاروخ يوميًّا”.
ما ذكَره السيّد نصر الله عن ترسانة الحزب دقيقٌ، ولم يأتِ ذِكره من قبيل الحرب النفسيّة، فهذه الأرقام أكّدتها العديد من القِيادات العسكريّة الإسرائيليّة، والمجلّات الغربيّة المُتخصّصة، ولعلّ الجِنرال بريك، عندما نعى سلاح الجوّ الإسرائيلي كان يستند إلى هذه الحقائق المُؤكّدة.
ما يتردّد عن سِلاح الجو يُقال أيضًا على سلاح البَر، فاللّافت أن هذا السّلاح باتَ ثانويًّا، غير مُؤثِّر في الحُروب، فالدبّابات الإسرائيليّة مهما كانت مُتطوّرة لا تستطيع التقدّم مِتْرًا واحِدًا سواءً في قِطاع غزّة أو جنوب لبنان، بعد المجزرة المُهينة التي تعرّضت لها “الميركافا” فخْر الصّناعة العسكريّة الإسرائيليّة في حرب تمّوز (يوليو) عام 2006، وكان لافتًا أنّه مُنذ ذلك التّاريخ لم يتم استِخدامها في جميع حُروبها، وخاصَّةً حرب “سيف القدس” في أيّار (مايو) العام الماضي، ولهذا غابت التّهديدات باجتِياح القِطاع، والفضْل في ذلك يعود لصواريخ “كورنت” السوريّة المُضادّة للدبّابات التي باتت في حوزة المُقاومة سواءً في الجنوب اللبناني أو الجنوب الفِلسطيني.
أحدث الدراسات العلميّة التي تناولت التّسليح الإسرائيلي، أكّدت أن القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة أحالت مِئات الدبّابات الإسرائيليّة إلى التّقاعد، وجرى تخفيض أعداد الكتائب المُدَرَّعة بأعدادٍ كبيرة، ليس بسبب نقص فاعليّتها، وإنّما أيضًا لأنّ المُجنّدين الإسرائيليين من الشّباب لا يُفَضِّلون الانخِراط فيها لخُطورتها، وارتفاع احتِمالات استهدافها من قِبَل حركات المُقاومة وإعطابها، وقتل من فيها.
المُحلّلون العسكريّون الإسرائيليّون أصبحوا على قناعةٍ تامّة بأنّ الحرب على الجبهة الشماليّة (الإسرائيليّة) باتت شِبْه مُؤكّدة، وعلى أرضيّة تصاعد التوتّر بسبب المُحاولات الإسرائيليّة لسَرِقَة الغاز اللبناني في حقل “كاريش” ومنْع الولايات المتحدة شركات التّنقيب الأوروبيّة والروسيّة التي تعاقدت معها السّلطات اللبنانيّة مِثل “توتال” الفرنسيّة، و”ايني” الإيطاليّة من التّنقيب عن الغاز في المِياه اللبنانيّة غير المُتنازِع عليها.
تجويع الشعب اللبناني، وتفاقم أزماته في قِطاعات الطّاقة والكهرباء، والصحّة، من أجل تركيعه، وتفجير الحرب الأهليّة اللبنانيّة، باتت سياسة فاشلة تُعطي نتائج عكسيّة، ولهذا ينتظر الإسرائيليّون، وعلى رأسهم يائير لابيد رئيس الوزراء عودة المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين إلى لبنان، ويَحُثّونه على التّسريع بالتوصّل إلى اتّفاقٍ حول أزمة حقل “كاريش” قبل انتِهاء المُهلة التي حدّدها السيّد حسن نصر الله مع نهاية الشّهر المُقبل.
عندما تتبخّر الغطرسة الإسرائيليّة، وتتلبّد غُيوم الهزيمة واليأس أجواء تل أبيب وغُرف قِيادتها العسكريّة تحت الأرض وفوقها، وتُحجِم هذه القيادة، وللمرّة الأولى في تاريخها عن الرّد على المُسيّرات الثّلاث التّابعة لحزب الله التي حلّقت فوق منصّات استِخراج الغاز في حقل “كاريش”، وأنجزت مَهمّتها الاستطلاعيّة في تصويرها، وإرسال المعلومات والصّور إلى مقرّ قِيادتها، فهذا يعني أن هذا العدوّ فقد مُعظم أنيابه ومخالبه، وإن وجدت فإنّها “مُسوّسة” و”مُتهالكة” وغير قادرة على الرّدع مثلما كان عليه الحال طِوال الـ74 عامًا من عُمُر دولة الاحتِلال.
***
شهر آب (أغسطس) القادم قد يكون حاسمًا في تاريخ المِنطقة، والمُعادلة المُتوقّعة تقول “إمّا نهاية الجُوع اللبناني، واستِخراج الغاز والنّفط من حُقوله، وتحقيق مطالبه المشروعة كاملة بِما في ذلك “كاريش”، وتدفّق 600 مِليار دولار على الخزينة اللبنانيّة من هذه الحُقول، وإلا فالصّواريخ الذكيّة والدّقيقة، والطّائرات المُسيّرة المُسلّحة قادمة، ليس فقط على المنصّات في المِياه الإقليميّة، وإنّما على طُول السّاحل الفِلسطيني المُحتَل من النّاقورة في الشّمال وحتّى رفح في أقصى جنوب قِطاع غزّة.
المُقاومة على العهد، ولا تخشى الحرب، وباتت جاهزة لها، باعتبارها الخِيار الأخير، ونهاية كُل الآلام، والظّروف الدوليّة والمُتغيّرات العربيّة تُرَجِّحها أكثر من أيّ وَقتٍ مضى، ونحنُ في انتِظار الصّاروخ الأوّل، أو المُسيّرة الأولى.. والأيّام بيننا.
* المصدر :رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع