“مشروع الدفاع الجوي الاوسطي” يتصدّر جولة بايدن.. فتش عن مسيرات حزب الله
د. علي دربج *
بعيدا عن سردية تصدر قضية الطاقة سلم اهتمامات جولة سيد البيت الابيض في المنطقة -وان كانت في صلب برنامجه- كالعادة فإن “اسرائيل” كانت الرابح الاكبر حتى الان من هذه الزيارة، نتيجة المكاسب الاستراتيجية الكبيرة التي حصّلتها، وأولها استجابة السعودية المخزية للاملاءات الامريكية، واصدارها قرارا بفتح اجوائها امام طائرات العدو الاسرائيلي ( وهنا لا فرق بين مدنية وعسكرية).
ويتمثل ثانيها، بـ “إعلان القدس” للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الذي وقعه بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، الذي يضمن التزام الولايات المتحدة بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة ايران وحلفائها من حركات المقاومة كـ”حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين.
فيما العنوان الجوهري الذي يأتي في قائمة برنامج بايدن، وتعول تل أبيب على ترجمته الى واقع قائم، هو مبادرة “مشروع الدفاع الجوي للشرق الأوسط” التي أعلنتها “اسرائيل” الشهر الفائت، وذلك عبر دفع دول المنطقة للانضمام اليها وفي مقدمتها الرياض، وان كان بشكل غير رسمي، في مرحلة اولية.
كيف نشأت فكرة الدفاع الجوي للشرق الاوسط؟
خلال العقود الماضية حققت طهران قفزات نوعية لافتة، في صناعة وانتاج طائرات “الدرونز”، بحيث حلت في المراتب الاولى عالميا في هذا المجال. وبناء على ذلك أصبحت واشنطن وتل ابيب (ويشاركهما في ذلك جيرانها في دول الخليج) يرون في ترسانة ايران “المسيرة” تهديدا شديد الخطورة عليها، خصوصا وان حجم هذه الطائرات الصغير وسرعتها البطيئة، تجعل من الصعب اكتشافها واعتراضها والاهم بسبب أضرارها الكبيرة على اي هدف في “اسرائيل”.
وتبعا لذلك، اقترحت “إسرائيل” هذا المشروع الجديد في محاولة لتعزيز دفاعات المنطقة بشكل اساسي، لمواجهة مسيرات ايران والمقاومة. اما لبّ الفكرة فيقوم على السماح للمشاركين بتنبيه بعضهم البعض على الفور بشأن هجمات الطائرات بدون طيار، من خلال التنسيق مع القيادة المركزية الأمريكية. وفي هذا السياق قال مسؤول دفاعي إسرائيلي كبير إن “إسرائيل” حذرت بالفعل بعض الدول العربية من هجوم وشيك بطائرة مسيرة.
وانطلاقا من هذه النقطة، تأمل “اسرائيل” في المستقبل، أن يتم شبك المشاركين بالمشروع بنفس نظام الرادار، مما يلغي الحاجة إلى إرسال تحذيرات لبعضهم البعض. وبالتالي عندها سوف يصبح متاحا للجميع، رؤية نفس الهدف على شاشتهم”، وفقا للعميد “ران كوخاف”، كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، والقائد السابق لما يسمى “الدفاع الجوي الإسرائيلي”.
ما يجدر معرفته، ان التنسيق الامني والعسكري بين “اسرائيل” وبعض الدول العربية والخليجية، يجري على قدم وساق هذه الأيام.
ففي 15 اذار/ مارس 2021، تعرض الكيان المؤقت لخرق امني كبير (جرى التكتم عليه) قضّ مضاجع قادتها، بعدما اخترقت طائرتان مسيرتان ــ كانتا آتيتين من إيران بحسب الرواية الصهيونية ــ سماء شرق فلسطين المحتلة، قبل ان تسقطهما طائرتان مقاتلتان إسرائيليتان في موقعين فوق الأراضي العربية، ويومها حصل الصهاينة على اذن دولة عربية ودخلت الطائرات الحربية مجالها الجوي للتصدي لتلك المسيرات.
ومع أن المسؤولون الصهاينة رفضوا تحديد هوية تلك الدولة، من أجل تجنب التسبب في إحراجها، لكن خبراء امنيين كشفوا انه من المرجح أن يكون الأردن، كونه الدولة الصديقة الوحيدة للكيان على الحدود الشرقية لفلسطين.
كانت هذه الحادثة السرّية ــ التي تنظر اليها تل ابيب من ابرز واهم التجارب والأمثلة الناجحة على العلاقة العسكرية الوليدة بين “إسرائيل” وبعض الشركاء العرب والولايات المتحدة ــ بمثابة اللبنة الاساسية لاطلاق هذا المشروع، والذي يحاول بايدن ترسيخه، واظهاره الى العلن (او بقاءه سرا تجاوبا مع الظروف) من خلال تحالف رسمي موجه ضد ايران وحلفائها وفي مقدمتهم حزب الله.
ماذا عن مشاركة العرب في المشروع؟
في الواقع، يسلط هذا التعاون السري العربي الاسرائيلي الضوء على أن الجهود المبذولة لإنشاء شبكة دفاع جوي رادارية ترقى الى المستوى الرسمي، لا تزال في مرحلة التكوين (بانتظار ما سيفعله بايدن)، غير انها في النهاية ــ وفقا للتوقعات الصهيونية ــ ستتحول الى حقيقة قائمة وفي فترة قريبة، بدافع الكره والعداء لايران كما حصل تماما في قضية التطبيع، الذي بدأ سريا، ثم تدرج صاروخيا في زمن قياسي.
يعود هذا الاطمئنان الاسرائيلي، الى العلاقة العسكرية المتنامية بين الشركاء الجدد، والتي ظهرت في التنسيق العسكري الثنائي القائم حاليا بين إسرائيل والبحرين والإمارات والذي قد تنضم اليه قريبا السعودية ، التي لا تربطها حاليًا علاقات رسمية مع إسرائيل.
ما هي المخاوف التي دعت “اسرائيل” لطرح هذا المشروع؟
عمليا، يعتبر مسؤولون ومحللون صهاينة ان المشروع المضاد للطائرات بدون طيار هو الأكثر واقعية حتى الآن، وهو مدفوع برغبة حقيقية في الشروع بتنسيق أفضل بين “اسرائيل” ودول المنطقة.
علاوة على ذلك، وفي حين أن شركاء إسرائيل العرب الجدد، لا يرون أن برنامج إيران النووي يمثل تهديدًا خطيرًا مثلما تنظر اليه “إسرائيل”، فإنهم جميعًا قلقون من الطائرات بدون طيار، استنادا لكلام الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الميجور جنرال عاموس يادلين.
يفنّد يادلن الاهداف من هذا المشروع بالاشارة الى أن وجود حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط لا معنى له، ويقول “لا نعتقد أن الإسرائيليين سيذهبون ويقاتلون مع السعوديين في اليمن، او أن الإماراتيين سيأتون ويقاتلون مع إسرائيل في غزة”.
من هنا، يخلص يادلين الى التأكيد أن نظام الدفاع المشترك بطائرات بدون طيار، محدود النطاق ويمثل الاحتياجات والمتطلبات الإقليمية لجميع الأطراف.
بدوره يركز ألون أونغر ــ مشغل طائرات بدون طيار سابق في سلاح الجو الإسرائيلي ويدير مؤتمرا سنويا للطائرات بدون طيار في إسرائيل ــ على الاخطار المستقبلية للطائرات بدون طيار (سواء الايرانية منها او التابعة لحزب الله) على اسرائيل، انطلاقا من قدرتها على حمل شحنات أسلحة صغيرة، مثل البنادق والمتفجرات، وايصالها الى حلفاء طهران البعيدين جغرافيا عنها، من اجل الحاق الاذى بالكيان، او عبر استخدامها للمراقبة.
ويستشهد الصهاينة بما حصل في عام 2019، عندما تم إسقاط طائرة إيرانية بدون طيار أطلقت من سوريا، ووصلت الى شمال الضفة الغربية المحتلة مباشرة. وفي وقت لاحق اكتشف المحققون، أنها كانت تحمل شحنة من المتفجرات خلص مسؤولون إسرائيليون إلى أنها كانت مخصصة للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.
اما التهديد الاشدّ رعبا وتأثيرا ــ والذي نزل كالصاعقة على قادة الكيان ــ فقد جاء من حزب الله، في اعقاب اطلاقه ثلاث طائرات مسيرة باتجاه منصات الغاز الإسرائيلية في كاريش هذا الشهر، حيث قرأ الاسرائيلي فحوى هذه الرسالة، الا وهو قدرة الحزب على الوصول إلى نقطة تعتبر استراتيجية وحساسة لدى قادة الكيان، هذا عدا عن مضامينها الاخرى التي كشف عنها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مطولا.
هل تملك “اسرائيل” سلاحا فعالا لمواجهة مسيرات ايران وحزب الله؟
في الحقيقية تمثل الطائرات بدون طيار لمحور المقاومة، تحديًا تكنولوجيًا جديدًا امام الكيان المؤقت، ومع ان مؤسسة “الدفاع” الإسرائيلية، تمتلك آليات دفاع جوي متطورة قادرة على اعتراض الصواريخ التي تطلق من غزة ولبنان وسوريا، لكن هذه الدفاعات اثبتت عدم فعاليتها ضد الطائرات بدون طيار والشواهد كثيرة آخرها ما حصل في كاريش.
ولهذه الغاية، اعترف أونغر ان الطائرات بدون طيار، تتميز ببطئها وبكونها صعبة الالتقاط على شاشة الرادار، وهذا يجعل من الصعب تحديد إطلاقها أو مسارها، أو إسقاطها باستخدام طائرات حربية سريعة، تم بناؤها للتعامل مع المعارك الجوية والاهداف الارضية.
اما السبب الرئيسي، للجهود الأمريكية والإسرائيلية لإنشاء برنامج تعاون إقليمي لمكافحة الطائرات بدون طيار، فكان الهجوم بطائرات بدون طيار على منشأة أرامكو النفطية السعودية، في ايلول/ سبامبر 2019 والذي ساهم بارتفاع منسوب القلق والخوف ــ بشأن التهديد المتزايد للطائرات بدون طيار – ليس فقط في إسرائيل، ولكن في الولايات المتحدة، وغالبية دول الخليج.
في المحصلة، الاتصال والتعاون موجودان بالفعل بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية، لكن المسؤولين الصهاينة يتطلعون لنجاح المشروع بحماسة قل نظيرها كونه يحقق لها دمجا فعليا وعمليا مع العرب لمواجهة ايران وحلفائها الذين حتما لن يقفوا مكتوفي الأيدي امام هذا الزحف الصهيوني نحوهم، ومسيرات كاريش البداية.
* المصدر :موقع العهد الإخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع