السياسية – متابعات :

بقلم: زهير لانا*(موقع “” huffpostmaghrebالأمريكي الناطقة بالفرنسية, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

ان محاولة فهم ما يحدث في اليمن، وعلى وجه الخصوص كيف وصل هذا البلد إلى هذا الوضع المزري سواء أكان على الصعيد السياسي أو الإنساني, يعتبر مسألة بالغة الحساسية.

ومن أجل تبسيط هذه المسالة يعيش اليمن من جهة في خضم تمرد جاء من المناطق الشمالية الغربية للبلد، حيث لطالما راود أبناء تلك المناطق الشعور بالتهميش والإهمال وبالتالي نتج عن هذا التمرد الاستيلاء على السلطة المركزية في العاصمة صنعاء.

ففي البدء تمكن هذا الفصيل من الاستفادة من الاضطرابات التي أعقبت موجة احتجاجات” ثورات الربيع العربي” التي جابت المنطقة والتي كان لليمن نصيب منها, حيث تمكنوا من الاستيلاء على العاصمة صنعاء والمدن الرئيسية في البلد باستثناء مدينة عدن الجنوبية.

ومن جهة أخرى، فبعد أن خسرت الحكومة العاصمة, عملت الحكومة على نقل السلطة المركزية إلى مدينة عدن, وبدأت حرب لاستعادة شرعيتها, إذ تلقت الدعم اللوجستي العسكري والجوي من قبل دول التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أواخر مارس من العام 2015.

وجد التحالف العربي نفسه مع حلول العام 2019 غارق في مستنقع الحرب اليمنية, والتي كان فيها المدنيون الخاسر الرئيسي, في حين نال الاطفال نصيب الاسد منها.

أثار الوضع الحاصل في اليمن حفيظة المجتمع الدولي ضد المملكة العربية السعودية وولي عهدها الامير محمد بن سلمان.

قضيت ما يقرب من الشهر في اليمن, إذ تبادلت اطراف الحديث مع عدد من السكان من أجل أثراء جعبتي عن هذا البلد, وفي الاخير كانت النتيجة الوحيدة التي توصلن اليها هي أن الوضع العام في هذا الجزء من العالم معقد أكثر مما كنا نعتقد.

أصبح من المستحيل فصل السر الحاصل في اليمن بين الجيد والضعيف والسيئ, وذلك نظر لما تلعبه القوى الاقليمية من لعبة النفوذ الملتوية والتي يشوبها الغموض.

اضطررت للعمل في المنطقة الشمالية الشرقية من اليمن والواقعة على بعد بضعة كيلومترات من الخطوط الأمامية لجبهات القتال بين ما يسمى بالجيش النظامي والمقاتلين الحوثيين أو أولئك الذين تعهدوا بالولاء لهم.

قابلت العديد من الأطباء وغيرهم من المثقفين والتجار الذين فروا من مدنهم وقراهم الواقعة تحت سيطرة الحوثيين, وبالأخص من مدينتي  صنعاء وتعز القابعة بين فكي كماشة الحاصر والقصف.

عملُت على تطبيب العديد من النساء اللواتي نزحًن مع أسرهن صوب مدينة مأرب، فهذه المدينة لطالما كانت خارج نطاق خطط الدولة التنموية, والآن فقد وجدت نفسها في خضم عمليات البناء والازدهار.

كل شيء يعطي انطباعاً ايجابي وليس انتكاسة في انتظار التوصل إلى اتفاق سياسي بين السلطة التي لا تزال معترف بها دوليا وبين المتمردين الحوثيين، وخلق بيئة مواتية للسلام على المدى الطويل.

تحت قيادة حزب الإصلاح فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن, غير المرغوب فيهم من قبل الجميع, وعلى وجه التحديد، أوضح لي أحد سكان اليمن بصورة مبطنة، أنه من المحتمل أن يكون حزب الإصلاح هو المسؤول عن المصائب الأخيرة التي يعيشها البلد.

فهذا هو التفسير غير القابل للتصديق ولكنه واضح في عالم المصالح المليء بالتغييرات التحالفات وفقا للوضع الحاصل.

يبدو أن السعوديين والإماراتيون هم الذين شجعوا الحوثيين- وذلك بفضل ملايين الدولارات والمواد العسكرية- على التقدم إلى العاصمة صنعاء, حيث كانوا يهدفوا من وراء ذلك إلى كبح جماح عناصر حزب الإصلاح الذي بدء أكثر تنظيماً, والذي ظهر بمظهر المنتصر الديمقراطي عقب رحيل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في أعقاب ثورات “الربيع العربي”.

وفي محاولة منه لاستعادة السيطرة على البلد, عمل الرئيس السابق صالح على ابرام تحالف مع اعدائه بالأمس, حيث تمكنت مليشيات الحوثي من فرض سيطرتها على العاصمة صنعاء، وذلك بفضل المعارك التي خاضها الجيش النظامي الذي كان جميع قادته بشكل تقريبي ينتمون لقبيلة صالح.

ومن جانبه, فقد خاض حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يقال أنه حزب مسلح، القليل من المعارك في بداية الهجوم الذي شنه المتمردون الحوثيون على العاصمة صنعاء, وفي نهاية المطاف, فقد هجر عدد كبير من عناصر الجيش النظامي مواقعهم أو غادروا المخيمات العسكرية تماماً, تاركين زيهم العسكري خلفهم, في حين احتفظوا بالأسلحة, ففي هذا البلد يعتبر حمل السلاح موروث تقليدي.

* جراح وطبيب توليد عمل في المجال الإنساني باليمن