“هزً ذيل الكلب” فيلم يفضح سياسة التزيف والتضليل الاعلامي لدى الادارة الأمريكية
السياسية : علي مسعود*
المقدمة:
“هز ذيل الكلب” إستعارة وتعني صرف الانتباه عن فضيحة سياسية وتهدف إلى إظهار قوة وسائل الإعلام . ويُستخدم هذا المصطلح (هزّ الكلب) في اللغة الإنجليزية للإشارة إلى تحويل الانتباه عن حدث معين إلى حدث آخر ، وأيضا لقلب الحقائق والمعلومات . باتت عبارة( هزً ذيل الكلب) تُستخدَم منذ ذلك الوقت في كل تحليل إعلامي أمريكي للحرب . تشير نظرية “الذيل الذي يهزّ الكلب” الى القادة السياسيين الذين يخترعون حروباً في الخارج لتحويل أنظار شعوبهم عن مشكلة داخلية ما . في عام 1993 أصدر الكاتب (لاري بينهارت ) رواية “البطل الأمريكي” يتكهّن فيها بخطة الرئيس جورج بوش شنّ حرب الخليج ضد العراق عام 1991 لإلهاء الأمريكيين عن الركود ألاقتصادي . الرواية كانت تتكهن في بداية نشرها بأن عملية عاصفة الصحراء قد تمت كتابتها وتصميمها على أنها حيلة لإعادة إنتخاب جورج بوش الأب لولاية ثانية (مع الإشارات الى حرب مارغريت تاتشر المماثلة في جزر فوكلاند ) . وقد ظل الكتاب مغموراً إلى أن أطلق فيلم “هزّ ذيل الكلب” ، بعد إجراء المقارنة أيضًا مما حدث في كانون الأول من عام 1998 عندما بدأت الإدارة الأمريكية حملة قصف للعراق لتحويل ألانتباه عن محاكمة الرئيس ألامريكي بيل كلينتون بشأن فضيحة كلينتون الجنسية مع المتدربة لوينسكي . شكل الكتاب مصدر إلهام وأساس للمخرج باري ليفنسون وتحويله الى فيلم بعنوان( هز ذيل الكلب ) الذي صدر في عام 1998، االفيلم حمل العديد من الإشارات التي تؤكد أن المقصود هو الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون)، على الرغم من أن الرواية المأخوذ عنها العمل تحدد أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب هو المشار إليه ، والحرب المعنية هي عاصفة الصحراء .
قصة الفيلم :
يبدأ الفيلم الأمريكي بحوار ينطلق من السؤال التالي: (لماذا يهز الكلب ذيله؟) ويأتي الجواب: (لأن الكلب أذكى من الذيل.. فلو كان الذيل أذكى لكان هو الذي هز الكلب) . لن نفهم مغزى هذه العبارة إلا عند نهاية الفيلم .
يمكن تلخيص حبكة الفيلم على النحو التالي، قبل 11 يومًا من الانتخابات الرئاسية الأمريكية اتُهم الرئيس بالتحرش الجنسي بفتاة ، وتضاءلت فرصة إعادة انتخابه ، ومن أجل إدارة كارثة أو أزمة تستدعي مساعدة الرئيس وينفريد (آن هيشي ) خبيرا في الاعلام والدعاية وهو كونراد (روبرت دي نيرو) ، الذي يقترح صنع أزمة خارجية طارئة من أجل صرف انتباه الجمهور عن الفضيحة الجنسية ونصحهم كونراد قائلا : الحل سهل.. وهو أن نشعل حربا!” ، و حين سأله نائب الرئيس ” لماذا الحرب ومع من؟ ، يرد عليه كونراد ” ليس مهما مع أي طرف لأنها لن تكون حقيقية ، يكفي أن يخرج الرئيس ويتحدث عن السلام والاستقرار ويؤكد أنه لن يقوم بأي حرب ضد ألبانيا ، وبعدها يتلقف الإعلام الطعم، فيشعل الحديث عن تكهنات بحرب مزمعة ضد ألبانيا، وهكذا تتحول الحرب إلى حقيقة”. إستعان مستشاري الرئيس بمخرج سينمائي شهير لتنفيذ عملية الخداع المتقنة، وبدأ إهتمام الشعب كله ينصرف عن (فضيحة الرئيس)، ويتابع تفاصيل الحرب الوهمية مع ألبانيا ، وهي دولة بعيدة وغير معروفة نسبيًا والتي من المفترض أنها تهدد بقصف الولايات المتحدة وتدمير أسلوب الحياة الأمريكي .
من أجل بناء هذه الحرب المزيفة يسعى المخرج للحصول على منتج منفذ في هوليوود لوضع سيناريو لتلك الحرب المختلقة من أجل صرف نظر الجماهير عن التركيز لفضائح المرشح الرئاسي . يعمل الفريق لساعات طويلة لإنشاء عناصر الحبكة الرئيسية لهذه القصة الإخبارية المزيفة وابتكار الشعارات والموضوع والموسيقي وقبل كل شيء المواد المرئية التي ستكون بمثابة دليل على وجود هذا الصراع . سرعان ما تم تصوير مشهد مفتعل لفتاة ألبانية لاجئة تمشي في منطقة تعرضت للقصف في استوديو من أجل الحصول على الدليل المرئي الضروري لوسائل الإعلام .
في الواقع ، كانت اللقطات مؤلمة للغاية من الناحية العاطفية لدرجة أن جميع البرامج الإخبارية في اليومين المقبلين سيطرت عليها أهوال الحرب ضد ألبانيا والغريب أن رد وكالة المخابرات المركزية والمنافس السياسي للرئيس ، السناتور نيل لم ينكروا اندلاع الحرب بل تعاطفوا وكذالك سعوا في إعلان نهايتها الحاسمة. وبعد أعلان السيناتور نيل على الملأ انتهاء الأعمال الحربية ، انتقل كل من المخرج براين والمنتج موتس الى قصة جندي يُدعى شومان (وودي هارلسون) الذي يُفترض أنه ترك في الجبهة الألبانية . بينما ينتظر الجمهور الأمريكي عودة “بطل” الحرب وهو حقيقة ألامر مجرم ( محكوم عليه سابقًا) ، ولكن الجندي شومان يُقتل بالخطأ . يتم التعامل مع هذه الانتكاسة الجديدة مرة أخرى بشكل أكثر إبداعًا من قبل ، حيث ينتقلون من تنظيم وصول البطل المنتصر إلى تنظيم جنازة درامية للبطل الامريكي . وانصرف الشعب كله عن (فضيحة الرئيس) ، وأصبح يتابع تفاصيل قصة الحرب الوهمية التي رسم تفاصيلها المنتج والمخرج السينمائي . تمكن للرئيس بعدها أن يضع نهاية بطولية لتلك الحرب الوهمية، وهكذا تزداد شعبيته قبل الانتخابات بأيام وحين يأتي يوم الانتخابات يتم إعادة انتخاب الرئيس بنجاح وبفضل خطة ( موتس) ومن خلال إختلاق الأزمة الألبانية . أصبح المنتج (موتس) مغمورًا بحجم النجاح ويحاول أن ينسب الفضل إلى خياله الإبداعي ، وهذا يشكل تهديد في الكشف عن سيناريو تلفيق الحرب ، لذا يتخذ فريق أدارة ألازمة ومستشاري الرئيس قرار بقتل (موتس)” خوفاُ من الفضيحة .
يرسم المخرج الأمريكي الكبير “باري ليفنسون” في هذا الفيلم كوميديا سياسية من طراز رفيع . ويُعد الفيلم مرجعًا لكثير من الرؤى التي ترى في الحرب نوعًا من الإلهاء المتعمَّد للشعوب والرأي العام. لكن المشكلة أن كثيرين صاروا يرون في أي نزاع أو حرب نوعًا من اللعبة أو المؤامرة ، ومرجعيتهم هي دراما (باري ليفنسون ). وهكذا فسرعنوان فيلمه ، الذي أشار إلى أولئك الذين يقلبون الحقائق ويفكرون في الوسائل التي تجعل الذيل هو الذي يهز الكلب، وليس العكس . الفيلم يعكس آليات التلاعب بالشعوب وصناعة الوهم ، ويرصد توغل الميديا وسطوة الصورة على الخيال الجمعي .
وسائل الاعلام الغربي وأشكالية الواقع :
صناعة الإعلام في الولايات المتحدة هي واحدة من أكبر الخدع والاكاذيب. وتتشكل بوسائل مختلفة مثل مواقع ألانترنيت والتلفزيون والصحف والإذاعة والمجلات والسينما وكذلك الموسيقى ، تشكل وسائل الإعلام نظرة الناس للعالم. وتدار صناعة الإعلام من قبل شركات يكون دافعها تجاري وأساسه هو جني الأرباح قصة الفيلم مكرسة لموضوع نوقش على نطاق واسع ، ألا وهو حالة عالم مشبع بوسائل تضليل الإعلام وإشكالية الواقع . وكما هو معروف ، انتشار وسائل الإعلام وانعكاسات التقدم التكنولوجي على الطريقة التي ينظر بها الناس إلى العالم الحقيقي أدى إلى شغل الخطاب العام بشكل متزايد على مدى العقود القليلة الماضية ، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالسياسات الانتخابية . أصبحت عبارات مثل “تشكيل” و”تصنيع” الواقع عنصرًا أساسيًا في الحديث اليومي حول كيفية تدخل وسائل الإعلام والسياسيين على حدٍ سواء لتحديد الواقع الاجتماعي وفقًا لمصالحهم الخاصة . إحدى اللحظات المهمة في فيلم ( هزة ذيل الكلب ) هي تصوير لقطات الحرب التي تشير إلى بداية الأزمة الألبانية . حين قرر موتس وفريقه تسريب فيديو إخباري لوسائل الإعلام من أجل إثبات اندلاع الحرب بصريًا . بعد العمل لساعات طويلة على الإنتاج المسبق لهذا الفيديو ، يصل الأبطال الرئيسيون إلى استوديو هوليوود ويتأكدون من تنفيذ كل تفاصيل دقيقة للتصوير بالطريقة الأكثر كفاءة وسرية . في تسلسل مدته ست دقائق ، يلتقط المخرج باري ليفنسون العملية المعقدة لتصنيع الصور ويسلط الضوء على التفاعلات المعقدة بين الخيال والواقع مقابل التكنولوجيا الرقمية. إن إلقاء نظرة فاحصة على هذا المشهد سيكون أكثر وضوحًا . تم الانتقال من قصر موتس إلى الاستوديو من خلال لقطة لسيارة ليموزين تسير في شوارع لوس أنجلوس مصحوبة بتقرير إخباري إذاعي . تليها لقطة خارجية لليفنسون وطاقمه كمثال لكيفية كسر السرد في الفيلم وتشكيل العلاقة بين المستوى الخيالي والواقعي للقصة .
في لقطة طويلة ، تتبعه الكاميرا بسلاسة وهو يمشي أمام شاشة زرقاء يتحدث إلى مساعديه ويعطي التعليمات للفتاة التي ستلعب دور اللاجئة في مشهد الحرب ، الممثلة الشابة التي لعبت دورها “كيرستن دانست” والتي تم اختيارها بعناية لمظهرها “الألباني” وظهرت مرتدية زيًا تقليديًا ، وتنتقل إلى التعامل مع ما يبدو أنه أصبح مشكلة رئيسية ؛ اختيار الحيوان الأليف الذي ستحمله الفتاة بين ذراعيها وهي تهرب من قرية ألبانية تعرضت للقصف . أحضر المساعدون في الإنتاج عدة سلالات من الكلاب والقطط الصغيرة ، وعندما يجدون صعوبة في الاختيار يقرر كل من المخرج (براين) والمنتج (موتس) إدخال الحيوان رقميًا أثناء مرحلة ما بعد الإنتاج وتسليم الممثلة كيسًا من رقائق البطاطس للتأكد من موضع ذراعها . يأخذنا الفيلم بعد ذلك إلى حجرة التحكم حيث نرى موتس جالسًا بجانب المخرج أمام العديد من الشاشات التي تظهر الفتاة ونراها تتقدم نحو الكاميرا . تصبح هذه الحركة البسيطة وغير الملحوظة فجأة ذات مغزى حيث يلصق المخرج في الخلفية صورة قرية محترقة . توفر مكتبة الصور التسجيلات الصوتية للفريق الإبداعي مجموعة واسعة من الخيارات لجعل الفيديو واقعيًا قدر الإمكان . يطلب موتس من المخرج إضافة ألسنة لهب وجسر مشتعل ، وأصوات صراخ وصفارات إنذار . وفجأة أدرك أن القطة التي تصورها لهذا المشهد هي قطة كاليكو (قط ذو فراء متعدد الألون) . يجد المخرج على الفور واحدة من بين الصور المخزنة ، لكن “أميس” وبعد إجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس ، تعترض على هذا الاختيار وتصر على أن الرئيس يريد قطة بيضاء وأنه غير مستعد للتفاوض بشأنها . يستسلم موتس لأوامره ويطلب من المخرج استخدام قطة بيضاء .
لقطة مقربة على أصابع الأخير وهو يضغط على أزرار وحدة التحكم متبوعة برؤية قريبة للشاشة تظهر الرقائق وهي تتحول إلى قطة بيضاء ، الآن أصبحت جميع المكونات الرئيسية للفيديو جاهزة وسيتمكن الفريق من تسريبها للصحافة خلال الساعات القليلة القادمة . إن تركيز هذا المشهد بأكمله على القطة التي ستأخذها الفتاة الألبانية لإنقاذها ، بدءًا من تردد موتس الأولي وانتهاءً بالنزاع المطول في غرفة التحكم ، وهذا يخدم منطقتين سرديتين. أولاً ، يساهم في الصورة الساخرة للسلطة الرئاسية التي يبنيها الفيلم بأكمله ، ثانيًا ، يكشف فيلم “هز الكلب” التمييز بين الحقيقة والخيال على مستويات متعددة ، ويصبح السرد السينمائي بمثابة التناقض السردي لما هو حقيقي وما هو غير حقيقي تأخذ ممارسة التلفيق أشكالًا عديدة في القصة ، من تأليف موضوع وموسيقي ونشيد وطني إلى اختراع بطل وإقامة جنازته ، لكن أكثر ما تم تصويره بشكل قاطع هو تصوير مقطع تناولته القنوات التلفزيونية في نشراتها الأخبارية لتلك الأزمة . أراد المخرج (باري ليفنسون) في هذا المشهد الكشف عن عملية المحاكاة كعملية تكنولوجية قادرة على إنتاج شيء لم يكن موجودًا من قبل بعد عرض الإمكانات الإبداعية الهائلة للتكنولوجيا الرقمية ظاهريًا ، حيث نشاهد الشخصيات تتجادل حول الصور التي يجب اختيارها ، وأي الأصوات يجب مزجها من أجل جعل اللقطات معقولة وعاطفية. يصور فيلم ( هزة ذيل الكلب ) بدقة الأعراف والعادات التي يستخدمها مراسلوا الأخبار في عملهم من أجل تقديم رؤية موثوقة ومتسقة للمشاهدين عن هذا العالم . لا شك أن الاسلوب الساخر والمبالغة في الكوميديا يضعان عدسة مكبرة على عمليات بناء الصورة ، لكن فكرة الواقعية التي ينقلها صانعوا الصور دقيقة إلى حد ما. أنشأ موتس وفريقه الفيديو بناءً على اصطلاحات ما يسمى “الحقيقة الثقافية” من أجل التأكد من أن الجمهور لا يشك في صحة تقرير الحرب. يستلزم مفهوم التحقق الثقافي جميع قرارات الفريق فيما يتعلق بما بعادات وتقاليد العدو “ألباني” ، مثل الزي التقليدي ومظهر الممثلة طراز بناء البيوت وغيرها. من ناحية أخرى ، تتضمن صيغة المصداقية العامة شكل التقرير الإخباري (مشاهد موجزة عن الموقع) وشكل القصة الكلاسيكي (السببية ، الاستمرارية الزمانية المكانية) التي أصبح الجمهور مألوفًا بها من خلال أفلام هوليود . تمتزج مساحة القصة (القرية ، والأنقاض ، والجسر المحترق ، وما إلى ذلك) والشخصية (الفتاة الألبانية) في بيئة سلسة لا تترك أي أثر لمصدرها الخيالي . وتمتثل الأدوات الرقمية تمامًا لمنطق الفورية ، مع التأكد من أن عمليات الإدخال الرقمية (قطة ، قرية ، لهب) تحترم الوحدة الزمانية المكانية بالإضافة إلى مبادئ الإطار الواقعي الكلاسيكي ، أي مركزية الشخصية .
شاشة التلفزيون :
في حالة فيلم(هزة ذيل الكلب) مشكلة التقرير الإخباري عن الحرب الألبانية ليست موجودة فقط في الصورة المجمعة رقمياً بل تستحوذ شاشة التلفزيون على الإطار العام للعرض مما يخلق إحساسًا بعدم الارتياح بسبب الدقة المنخفضة للصورة ، وهناك مشاهد يكون فيها جهاز التلفزيون جزءًا من الإعداد ويتفاعل مع الشخصيات ، وهناك استخدام النشرات الإخبارية أو البرامج التلفزيونية في الموسيقى التصويرية التي توفر معلومات حول تطور القصة . بالاضافة الى حالات يظهر فيها جهاز التلفزيون في الخلفية وهو يؤدي وظيفة “حركية ،”دعونا نلقي نظرة على بعض المشاهد الرئيسية حيث يكون دور التليفزيون مفيدًا لتقدم الحبكة ويزرع الإحساس بالفورية التي تأتي مع التغطية الإخبارية الحية على مدار 24 ساعة. عندما ينتظر كل من بريان وأميس في المطار عند الاستعداد لرحلتهم إلى لوس أنجلوس في طريقهم لمقابلة منتج هوليوود ، تبث شاشة التلفزيون في صالة المطار الأخبار العاجلة للادعاءات الجنسية للفتاة ضد الرئيس ، يسجل بريان ردود أفعال الناس ويدرك كيف أن الوقت يضغط عليهم لتغيير الموضوع في الأخبار . مستشارة الرئيس (أميس )، من ناحية أخرى ، تعطي بالفعل تعليمات على هاتفها المحمول للأشخاص في المكتب الصحفي للرئيس لإنكار الشائعات ، يتقاطع ليفنسون بين مسار البطلين ومسار القصة العاجلة في وسائل الإعلام ؛ بحلول الوقت الذي وصل فيه براين وأميس إلى قصر هوليوود ، أظهر لنا الفيلم مقتطفات من بيان الخصم السياسي للرئيس ، السناتور نيل ، ومقطع من برنامج إخباري يعلق على التأثير المحتمل للفضيحة على استطلاعات الرأي الانتخابية . إن نقل المعلومات الفوري من التلفزيون والوصول إلى الجمهور هو ما يحدد إيقاع الشخصيات ويمارس ضغطًا هائلاً على مخططهم . خلال المشهد الإعلامي لبناء الحرب ، تم استخدام فتاة مراهقة صغيرة ، للعمل كفتاة ألبانية ، في الواقع هي ممثلة يتم منحها مثل هذا الدور للركض عبر استوديو فارغ. ومع ذلك ، كانت الفتاة الصغيرة تحمل حقيبة تحتوي على رقائق بدلا من قطة بيضاء حيث لم يتمكن موتس من العثور على القط الصغير الذي يحتاجه. في ترتيب اليدين ، تم تحرير القط الأبيض باستخدام التكنولوجيا بدلا من كيس الرقائق الذي كانت تحمله ، وهذا لإظهار كيف يمكن بسهولة استخدام الوسائط للعب مع الصور ، باستخدام التكنولوجيا الحديثة التي لن يكون لدى المشاهدين فكرة عما إذا كانت ترقى إلى الواقع أم لا. وعلاوة على ذلك، جعلتنا وسائط الإعلام نفهم أن الحقيقة ليست كل ما نراه أو نسمعه. القط الأبيض الذي تم تحريره الذي يدل على النقاء والسلام ، يزيد من حجم إهتمامهم بالفتاة المفقودة في الحرب وليس فضيحة الرئيس الجنسية. يتم بث هذه المعلومات من خلال نشرات الأخبار المسائية وهي تمس الكثير من قلوب الشعب الأمريكي. لقد وثقوا دون علم بما يرونه لأنه موجود في الأخبار. في هذه المرحلة يمكننا أن نرى كيف تم استخدام وسائل الإعلام لتغيير عقول الناس بسرعة ، وهو أمر مشابه لما يحدث في مجتمعنا المعاصر حيث ننغمس في بعض الإعلانات أو القصص والاخبار في السوشيال ميديا وتأثيرهافي توجيه الرأي العام أزاء الاحداث والقضايا. إنها حقيقة ما يجري بالفعل في عصر المعلومات . على الرغم من أن الجماهير لا تزال تعتمد على الصحف والتلفزيون ، إلا أنها تنجذب إلى مجموعة رائعة من المصادر الإلكترونية الأسرع للمعلومات والترفيه .
تاثير الفيلم على الراي العام وأنعكاسه على سلوك الرئيس :
كما أشرت سابقًا ، اندلعت فضيحة لوينسكي في وسائل الإعلام بعد أيام فقط من الإصدارلـفيلم (هزة ذيل الكلب ) ، مما تسبب في مقارنات حتمية بين الواقع والخيال . ومع ذلك ، كانت تلك فقط البداية. في أغسطس 1998 وصلت الفضيحة الجنسية إلى ذروتها ، حيث أثبتت أدلة جديدة أن كلينتون كذب على الشعب الأمريكي بشأن علاقته مع المتدربة السابقة في البيت الأبيض . في 20 أغسطس عندما كانت لوينسكي تقدم شهادتها الأخيرة بتفاصيل جديدة حول علاقتها بالرئيس ، أمرالرئيس الامريكي (بيل كلينتون) ب(هزّ ذيل الكلب) وقام بقصف مصنع للأدوية في السودان ومعسكر تدريب شبه عسكري في أفغانستان وأثار تنسيق وتوقيت هذين الحدثين ، شكوكاً بشأن الدافع وراء الهجمات العسكرية ، وعاد نفس الشك إلى الظهور مرة أخرى في كانون الأول (ديسمبر) عندما أمر كلينتون بقصف العراق في نفس اليوم الذي كان فيه الكونجرس في طريقه إلى التصويت لعزله عن الفضيحة الجنسية . التشابه الغريب لسيناريو الفيلم مع الأحداث الحقيقية المذكورة أعلاه زاد بشكل كبير من تأثير الفيلم على الرأي العام الأمريكي والعالمي وحدد موقف الصحفيين تجاه تصرفات كلينتون . في الفترة من يناير 1998 إلى أبريل 1999 ، نشرت الصحيفتان الأمريكيتان الرئيسيتان ، نيويورك تايمز و واشنطون بوست مقالاً رئيسياً على التوالي ، معلقتين على التوازي بين الفيلم والتطورات السياسية في الولايات المتحدة ألامريكية . كان أطلاق الفيلم على نطاق واسع في 9 يناير 1998 يبدو هادئًا إلى حد ما ، وبعد بضعة أيام ، في 21 يناير تعلن صحيفة واشنطن بوست رسميًا عن اندلاع فضيحة لوينسكي . أثارت المصادفة المخيفة لسرد الفيلم مع التحول في مسيرة كلينتون الرئاسية نقاشًا محتدمًا حول العلاقة بين الفن والحياة ، وارتفع بعد بضعة أشهر عندما شنت الولايات المتحدة سلسلة من الهجمات في السودان وأفغانستان . كشف مقال سيمور هيرش في صحيفة نيويوركر في 12 أكتوبر 1998 بأن مصنع الشفاء للأدوية في السودان الذي تعرض للهجوم بزعم إنتاج أسلحة كيماوية كان في الواقع معملاً لإنتاج و وتسويق المضادات الحيوية والعقاقير المفيدة الأخرى و كما أكدته الحكومة السودانية بعد القصف . وبالمثل ، ثبت أن “معسكرات تدريب الإرهابيين” المستهدفة في أفغانستان كانت معسكرات يستخدمها ضباط المخابرات الباكستانية لتجهيز المقاتلين لكشمير . وبالتالي ، فإن تدمير تلك المواقع لم يقضي على أي تهديدات إرهابية فحسب ، بل أدى أيضًا إلى توتر علاقات الولايات المتحدة مع السودان وباكستان على التوالي . بإلاضافة الى ذالك ، فإن عام فيلم (هزة ذيل الكلب ) لم ينته بعد ، في ديسمبر 1998 أمر كلينتون بقصف العراق لمدة ثلاثة أيام عندما كان الكونجرس على وشك اتخاذ قرار بشأن مقاضاته في فضيحة لوينسكي . عند هذه النقطة ، وصل التمييز بين الحقيقة والخيال ، أو بالأحرى الواقعي والسريالي ، وفقًا لمجلة ألإيكونوميست ، كان صانعوا فيلم “هزة ذيل الكلب” مسؤولين عن “واحدة من أكثرالقصص ذات التوقيت المناسب التوقيت تاريخ الشاشة” مما جعل الفيلم جزءًا من الدلالات الثقافية . وسيكون عنوان الفيلم مرادفاً كصفة بجانب الكلمات “سيناريو” أو “متلازمة” أو “ظاهرة” ، للدلالة على نموذج معين لتلفيق الأخبار .
الرسالة السياسية لـفيلم ( هزة ذيل الكلب ) :
مع مرور الوقت ، نما تأثير الفيلم في الخطاب العام ، وبدلاً من تلاشي هذا التاثير كما كان يتوقع العديد ، أصبح الفيلم “حدثًا إعلاميًا” ونقطة مرجعية مهمة لمختلف مجالات البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية . دخل سرد الفيلم والسياق السياسي المحيط به في انتقال غير مسبوق في النصوص السينمائية ، وبالنتيجة أدى إلى زعزعة بعض القيم الأساسية للسياسة العالمية المعاصرة بشكل عام والسياسة ألامريكية بشكل خاص وعرض التناقضات والتوتر بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي . وأصبح الفيلم حدثًا إعلاميًا ومثلًا لعصر جديد للعلاقة بين السينما والواقع . أصبحت المخاوف بشأن الرسالة السياسية لـ هزة ذيل الكلب أكثر جدية حيث بدت الأحداث الحقيقية المحيطة برئاسة كلينتون وكأنها تحاكي إلى درجة مثيرة للقلق تلك التي حدثت في نطاق تغطية الفيلم . منذ اللحظة الأولى التي اندلعت فيها فضيحة المتدربة لوينسكي سارعت الصحف في الولايات المتحدة وأوروبا للتأكيد على التشابه المخيف لتلك القصة مع المقدمة الرئيسية للفيلم وساهم الارتباط بين “القصتين” اللذين رحب بهما الصحفيون على الفور في زيادة الاهتمام بالفيلم . مخرج الفيلم (ليفينسون) كتب مقالاً في صحيفة “نيوزويك “ذكر ذلك وتحدث قائلاً: “عندما كنا نصنع الفيلم ، أذهلنا اللاعبون (الإعلام والسياسيون) بثقافة تتلاشى فيها الخطوط الفاصلة بين هوليوود وواشنطن والأخبار والترفيه بسرعة. وبطريقة ما ، قد يصبح الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال ضبابيًا أيضًا”.
في الختام : كانت الدعاية والتلاعب الإعلامي وتزيف الواقع جزءًا لا يتجزأ من السياسة الامريكية في حروبها الحديثة ولكن التلفيق الكامل للحرب هو شيء جديد . الفيلم كان بمثابة بيان سياسي وأصبح بشكل مخيف علامة على العصر. تم بناء هذا الفيلم لتحدي وجهات النظر التي يحملها الجمهور بأن أمريكا مجتمع ديمقراطي. قضية السلطة هي قضية أخرى أثيرت في هذا الفيلم. لقد تربى الأمريكيون على اعتبار الرئيس المصدر الرئيسي للسلطة في أمريكا وأن رئاسته تتمسك بمبادئ وقيم مثل الحرية والشرف والحقيقة والنزاهة. في فيلم هزّ الكلب ، يتم إعطاء المشاهدين فرصة في كشف للواقع لأنه يشجعهم على التفكير في أن الرئاسة تدور حول رعاية مصالح وشخصية الرئيس وأن وسائل الإعلام ومجموعات السلطة الأخرى مثل وكالة المخابرات المركزية تدير أقوى حكومة ديمقراطية في العالم ، بدلا من الرئيس نفسه . وينظر إلى مكتب الرئيس على أنه قابل للفساد وأن مساعدي الرئيس مستعدون للذهاب إلى أبعد الحدود الشريرة وغير القانونية لإنقاذ سمعة الرئيس .
* نقلا عن :رأي اليوم