السياسية:

أكد عضو مجلس السيادة السوداني السابق محمد الفكي أن “انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان كان مكشوفاً بوضع العراقيل أمام السلطة المدنية التنفيذية، بخاصة إغلاق الشرق لشل حركة البلد”، موضحاً أن “حسابات هذا الانقلاب سواء داخلية أو خارجية كانت خاطئة”، وقال إن “الانقلابيين ومعهم الإخوان المسلمون وأحزاب أخرى، رفض تسميتها، وضعوا خطة دقيقة لضرب قوى الحرية والتغيير”.

وأشار في حوار مع “اندبندنت عربية” إلى أن السيناريو الأقرب للمشهد السوداني يكمن في تفكيك مؤسسات 25 أكتوبر وعودة الجيش إلى الثكنات، وتوافق القوى المدنية الفاعلة في الشارع، إلى جانب حركات الكفاح المسلح على حكومة مدنية من كفاءات وطنية غير حزبية على أن تشمل التنوع السوداني وتمثيل حقيقي لكل الأقاليم وليس مجرد ترميز”.

ولفت الفكي إلى أنه “علم بلقاء البرهان ونتانياهو الذي تم في فبراير (شباط) 2020 بـأوغندا مصادفة”، وأكد أنهم “توصلوا إلى أن هناك حاجة لإنهاء حالة العداء التاريخي مع إسرائيل واتقاء شرها خوفاً من عرقلتها التحول الديمقراطي في البلاد”.

تجارب الانتقال

ورداً على سؤال حول اختلاف تجارب الفترات الانتقالية الثلاث التي شهدها السودان، قال “بالتأكيد هناك اختلاف بصورة أساسية بين تجربة الفترة الانتقالية الحالية التي أعقبت سقوط نظام البشير في أبريل (نيسان) 2019، وتجربتَي (1964 و1985)، وكان هذا ناتجاً من تقييم التجربتين الانتقاليتين السابقتين، فقد كانت فترتهما الزمنية قصيرة، إلى جانب ارتباطهما الوثيق بمسألة تغيير نظام الحكم. ففي انقلابَي إبراهيم عبود (1958- 1964) وجعفر نميري (1969- 1985)، كان قد تم الاستيلاء على السلطتين السياسية والعسكرية، لكن بقيت مؤسسات الدولة من جيش وجهاز أمن وخدمة مدنية كما هي من دون المساس بها، بالتالي كان المسرح السياسي جاهزاً عقب سقوط النظامين مباشرة، لكن الواقع في هذه الفترة الانتقالية مختلف من ناحية أن الثورة ذاتها ضد البشير استغرقت أشهراً عدة قبل سقوطه، وهي عملية طويلة في مواجهة نظام ظل مسيطراً على السلطة 30 عاماً، فأحدث خللاً في كل أجهزة الدولة بما فيها خريطة البلاد، حيث أصبح السودان دولتين بعد انفصال جنوب السودان 2011، كما امتدت الحرب على طول الخط في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن عسكرة العملية السياسية. بالتالي، كانت القضايا كبيرة جداً هذه المرة، بحيث ضاعفت عملية تجهيز المسرح للانتخابات من المسؤوليات، التي من أهمها عملية السلام ونزع السلاح من الحركات المسلحة وتحويلها إلى مجموعات سياسية، وهي مرتبطة بإجراءات طويلة منها إعادة توطين النازحين ودمجهم في المجتمع وغيرها، إلى جانب تفكيك بنية دولة التمكين، إذ إن الدولة السودانية تحوّلت في عهد البشير إلى دولة الحزب الواحد. فكل هذه التحديات جعلت من الضروري أن تكون الفترة الانتقالية القائمة الآن أطول بحسب رؤيتنا، لكن التجربة أثبتت أيضاً أن طول الفترة الانتقالية فيه مخاطر جمة، إضافة إلى ما حدث من تغيير في التحالفات، ما أدى إلى إضعاف قوى الثورة، وهو السبب الرئيس الذي أغرى العسكر بالانقلاب عليها”.

جدل الوثيقة

وحول الجدل الذي صاحب الوثيقة الدستورية منذ التوقيع عليها، أوضح، “هذه الوثيقة حدث لها أمران، الأول القول إنها تعرضت لتغيير في نصوصها، وهو حديث غير صحيح، لكن بالفعل كان هناك خلاف حول نقطة جوهرية تتعلق ببند تعيين النائب العام ورئيس القضاء، وظل التداول في شأنها قائماً حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي من التوقيع على الوثيقة نفسها. فالوضع الطبيعي أن تنتخب المؤسسات المستقلة قياداتها من داخل أجهزتها، ومع ذلك كان لقوى الثورة رأي أن هذه الأجهزة تعرّضت لخراب ممنهج ويصعب أن تقدم قيادات تتسم بالإنصاف والعدالة، وأن تقود الإصلاح في هاتين المنظومتين العدليتين، بالتالي لا بد من التعيين لهذين المنصبين، وهو وضع غير طبيعي واستثنائي، وقد تم بعد ذلك التوافق حولها. في المقابل، كان رأي القانونيين مخالفاً لذلك، بألا يتم التعيين لهذين المنصبين من قبل السلطة التنفيذية، وهي رؤية صائبة. والأمر الأخير أن الوثيقة تضمنت نصوصاً غير محكمة يجب أن نقر بذلك، وقد وضعت في أجواء شحن عالٍ بين المكونين المدني والعسكري، وكان كل طرف يريد الحصول على أكبر قدر من المكاسب. وهناك بعض البنود لم يتم التوصل فيها إلى اتفاق قاطع، بل تُركت منها على سبيل المثال تبعية ’جهاز الأمن والمخابرات‘، والعلاقة ما بين مجلس السيادة ورئيس الوزراء على الرغم من أن الأخير يتمتع بصلاحيات كبيرة، لكن هناك أشياء غير محكمة في هذه العلاقة، فنصوص هذه الوثيقة لم تكُن واضحة”.

وفي ما يتعلق بشكل العلاقة بين المكون المدني في مجلسَي السيادة والوزراء، أفاد الفكي، “ما أود أن أؤكده أن التعاون ما بين التنفيذيين والمدنيين في مجلس السيادة لم يكُن كبيراً، وكان هذا ناتجاً من أجواء الشحن العالي في الشارع الذي يرى أن تكون لمجلس الوزراء الصلاحيات كافة، على أن يكون وضع العسكريين في المجلس السيادي تشريفياً فقط، فكان يجب أن يكون هناك تنسيق بين المدنيين في مجلس السيادة والوزراء التنفيذيين في القضايا الوطنية كافة، وهو ما لم يحدث على الرغم مما بذلناه من جهود لتيسير هذا الأمر، فكان هناك إصرار شديد على أن ليست هناك علاقة تجمعهما. وبالفعل، لم تفصل الوثيقة الدستورية هذه العلاقة بالشكل المطلوب، بالتالي أثر هذا التباعد في أداء المكون المدني وحسمه لملفات مهمة عدة”.

العلاقة مع كيان إسرائيل

وعن ملف العلاقات مع إسرائيل والتخطيط لها، أجاب، “هذا الملف لم يُطرح إطلاقاً على طاولة اجتماعات مجلس السيادة، وتمت المبادرة الخاصة بخلق علاقات مع الكيان الصهيوني بصورة شخصية من قبل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. وعلمت بلقاء البرهان ونتانياهو الذي تم في فبراير (شباط) 2020 بأوغندا مصادفة، حينما طلب مني صحافي غربي التعليق على هذا الموضوع، وأوضحت له عدم علمي به. وبعدها قمت بالتحرك وسط العسكريين لمعرفة حقيقة الموضوع، هل هو محصور بين العسكريين فقط داخل مجلس السيادة من دون علم المدنيين فيه؟، لكن الشاهد أنني تأكدت أن العسكريين الأربعة في المجلس السيادي بمن فيهم نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي) غير ملمّين بهذا اللقاء الذي جمع البرهان ونتانياهو، وأخيراً علمت أن هذا الموضوع محصور فقط بين البرهان وبين رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، فالأخير قد يكون غير مخطَر بالتفاصيل، لكنه ملمّ بصورة أو بأخرى بالموضوع، أو على الأقل تم إبلاغه بهذه الخطوة. وهذا الأمر أحدث أيضاً حالة رفض من قبل العسكريين والمدنيين داخل المجلس السيادي، انطلاقاً من أن خطوة كبيرة كهذه لم يكونوا على علم بها. ولاحقاً، أخضعنا هذا الأمر للنقاش وضغطنا في اتجاه إعادة هذا الملف إلى السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء باعتباره يتعلق بالسياسة الخارجية، فجلسنا وعقدنا اجتماعات عدة ضمن مجموعة صغيرة أوكلت إليها دراسة الملف، وبالفعل توصلنا إلى أن يسلّم هذا الملف إلى رئيس الوزراء الذي أوفد عدداً من الوزراء إلى دول عدة في محيطنا العربي وغيره لمناقشته. وبالفعل، كان رأينا صائباً بأن هذا الملف فيه تقاطعات مع الأمن القومي ويجب أن يدرس من قبل العسكريين في مجلس الأمن والدفاع، وكذلك من جانب المدنيين أيضاً”.

تابع، “أما مستقبل هذه العلاقة، ففي نظري غير واضح تماماً، لكن يجب أن يولى هذا الملف عناية تامة بأن يدرس بواسطة خبراء، ولا يجب أن يتعامل معه بهذه البساطة كونه ملفاً شديد التعقيد من ناحية ارتباطه بعلاقات الجوار وانعكاساته الداخلية سواء اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً”.

واصل، “من خلال دراستنا ومناقشتنا لهذا الملف، وجدنا أننا بحاجة لإنهاء حالة العداء التاريخي مع إسرائيل بوصفنا لسنا من دول المواجهة، فليس لدينا توجه صداقة. لكن في الوقت ذاته، لا نريد أن نتصدى لمواجهة دولة ذات تأثير عالمي ونفتعل خصومة ليست بمقدورنا. وقد زارني السفير الفلسطيني في الخرطوم، مستفسراً عن تطورات العلاقة الجديدة مع الجانب الإسرائيلي، وذكرت له أننا تربينا على القضية الفلسطينية وعلى أحلامها وطموحاتها وانكساراتها وخسائرها، لكننا نريد أن نتقي شر الاسرائيليين وليست لدينا مقدرة لعداء مع دولة بهذه الإمكانات، فمصلحتنا أن نتقي شرهم”.

العزلة الخارجية

وعن مدى ارتباط ملف العلاقة مع تل أبيب بفك عزلة الخرطوم خارجياً، ذكر الفكي، “صحيح هناك ارتباط وثيق جداً بين هذا الملف وفك العزلة الخارجية، وقالها لنا الأميركيون بشكل واضح عندما زارنا آنذاك وزير خارجيتهم، لكننا تحدثنا أنه إلى أي مدى سنذهب في هذا الملف، فمن ناحية الحديث الأولي مع الصهيانة وغيرهم ليست هناك مشكلة، لكن الدخول في اتفاقيات وارتباطات وغيرها، هذه أمور لا نستطيع أن نقرر فيها خلال هذه الفترة الانتقالية، لأنها أكبر من ذلك. أما في ما يتعلق بالمصالح الآنية المرتبطة باتقاء الشر وما يمكن أن يصيبنا من مخاطر وغيرنا، فهي أمور مرتبطة باستقرار البلد وباستكمال عملية التحول المدني الديمقراطي، فهذه أمور ممكنة. لذلك، يجب أن نفصل هاتين المسألتين عن بعضهما البعض، فنحن صوتنا مع مشروع إلغاء قانون مقاطعة كيان إسرائيل، ولنكُن أكثر صراحة أنه من الوارد أن تعيق الكيان عملية التحول الديمقراطي في البلاد، وهذا ممكن أن تراه بصورة واضحة لأن لدينا مصلحة في الاستقرار، وألا يكون هناك دعم لفرض نظام شمولي أو غيره”.

حسابات خاطئة

وعن تطورات المشهد قبل انقلاب 25 أكتوبر، أوضح، “كان هناك توجه واضح نحو الانقلاب، بل كان عملاً مكشوفاً، وأبرز دليل هو عملية إغلاق الشرق. فقد حاولنا بكل الوسائل معالجة هذا الأمر لانعكاساته الخطيرة على الأمن القومي واستقرار البلد وغيره، لكن لم نفلح في ذلك، خصوصاً أن مجلس السيادة وقتها عجز عن اتخاذ قرارات، وأصبح في حالة شلل تام، فضلاً عن عدم توصلنا خلال ستة اجتماعات متواصلة لمجلس السيادة إلى توافق حول تعيين رئيس قضاء، نتيجة لعملية تخندق الطرفين (العسكريون والمدنيون). بالتالي، لم يكن لدينا خيار غير الاتجاه إلى الشارع ومصارحته بأن هناك عملية ترتيب وتحضير لانقلاب. وبالفعل، دخل الشارع في مواجهات مفتوحة مع العسكر نتيجة للتعبئة التي حدثت له. وفي تقديري أن الشارع أفلح في إفشال عملية الانقلاب”.

تابع، “هذا الانقلاب بُني على حسابات خاطئة سواء كانت أطراف داخلية أو خارجية، وإن لم تكُن لدينا تفاصيل عن أي دعم خارجي، لكن عموماً فات على الانقلابيين أن أي انقلاب لن يجد القبول بعد هذا الوعي، وكانوا يعتقدون أن الشارع سئم من الحرية والتغيير، بالتالي فإنه سيقف إلى جانبهم إذا نفذوا انقلاباً، وهذا ما بنوا عليه رؤيتهم وحساباتهم لتنفيذ الانقلاب وهو تفكير خاطئ. ولا أعتقد أن جميع العسكريين في المجلس السيادي كانوا يؤيدون هذه الخطوة، وإن كنتُ لا أريد أن أدخل في التفاصيل الآن”.

وفي شأن الانقلابات التي سبقت هذا الانقلاب ومدى مصداقيتها، قال الفكي “في الحقيقة أن المعلومات حول تلك الانقلابات كانت متقاطعة، فمثلاً في المحاولة الانقلابية التي قادتها مجموعة اللواء عبد الباقي بكراوي في سبتمبر (أيلول)، كانت تستهدف صيغة الشراكة مع المدنيين بإبعاد قوى الحرية والتغيير عن الحكم، ولم يكُن الانقلاب مستهدفاً العسكريين، بمعنى لم يكُن الانقلاب موجهاً ضد الجيش أو المؤسسات، لذلك لم تكُن هناك حالة خوف أو اضطراب وسط العسكريين، لأنهم كانوا على علم بأنهم غير مستهدفين”.

شد وجذب

وحول أسباب عدم إكمال بقية أجهزة الحكم، أشار إلى أن “عدم الإسراع في تكملة مؤسسات الدولة، بخاصة تشكيل المجلس التشريعي كانت له أسباب عدة منها عملية الشد والجذب بين المدنيين والعسكريين في تحقيق أكبر قدر من المكاسب في هذا الميدان، والسبب الثاني كان ناتجاً من اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والحركات المسلحة في جوبا خلال أكتوبر 2020، فأي طرف يريد أن يستقطب مجموعة السلام في أن تفرض أجندتها في تأخير تشكيل المجلس التشريعي أو تعيين مدنيين في بقية أجهزة الحكم، لذلك كنا نسمع من الطرف الآخر قوله: ’إذا فعلتم كذا، لن نتفق معكم‘. أضف إلى ذلك حتى لا نعفي أنفسنا أن القوى المدنية كانت تشهد تباينات كبيرة”.

إزالة التمكين

وفي ما يختص بملف لجنة إزالة التمكين، ذكر الفكي، “هذه اللجنة تستهدف بصورة أساسية تنظيم الإسلاميين بتجريدهم من الأموال التي نهبوها، والوظائف التي حصلوا عليها عن طريق التمكين، وفي سبيل هذا الأمر يستخدم أي شخص سواء في الأجهزة العدلية أو الأجهزة الأمنية، وغيرها من الأجهزة، بخاصة أن المشروع الإخواني هدفه أن يدافع عن سيطرته على كل أجهزة الدولة. ونعتقد أن دعمنا الحكومة المقبلة يرتبط بجدّيتها في تفكيك هذا النظام لأننا نرى أنه لن نصل إلى استقرار، ولا إلى تحول ديمقراطي ما لم نحرر أجهزة الدولة من قبضة هذا الحزب. وإذا جرت أي انتخابات في ظل هذا الوضع من دون تفكيك نظام البشير ستكون انتخابات صورية لأنه ما زال يسيطر على أجهزة الدولة، فضلاً عن وضع يده على أموال هذه الدولة، وقد كان لدينا تصور لتطوير عمل هذه اللجنة بما يضمن إنجاز مهماتها بشكل مثالي، لكن وقوع الانقلاب قطع الطريق أمام هذا المشروع المهم والضروري. لكن على كل حال، يمكن للجنة أن تعود بقانونها ويكون هناك أشخاص آخرون تختارهم الحكومة المقبلة، ولدينا عدد من الوثائق التي سنقوم بتمليكها لها، بخاصة أننا من بادرنا إلى تشكيل هذه اللجنة من لا شيء، لأنه لم يكُن هناك جهاز حكومي بهذا المسمى”.

شيطنة وتخوين

ورداً على سؤال شيطنة وتخوين بعض الجهات في الشارع لقوى الحرية والتغيير، أكد، “بالطبع محاولة ضرب قوى الحرية والتغيير وُضعت لها خطة دقيقة يقودها الانقلابيون وأحزاب الإخوان المسلمين وأحزاب أخرى لا نريد أن نسمّيها، لكنها ظلت المنصة التي تستهدفها كل هذه المجموعات التي على الرغم من تباعدها وتناحرها، لكنها متفقة على إبعاد الحرية والتغيير من مشهد الحكم. حتى بعد انقلاب 25 أكتوبر، سعت هذه المجموعات إلى إظهار الحرية والتغيير كعدو للشارع بدلاً من الانقلابيين. ولقد انكشف هذا المخطط والآن الحرية والتغيير تشارك بكل قياداتها وقواعدها في الحراك الثوري، وأصبح دورها أكبر وانفتاحها كبير على الفاعلين في الشارع وإن كان هناك عدم تطابق في وجهات النظر بكثير من القضايا”.

قضايا الدم

وفي شأن إحقاق العدالة بالنسبة إلى قتل المتظاهرين، أوضح الفكي، “العدالة لا بد منها لأنها المدخل لاستقرار السودان، ونحن لن ننشد شيئاً غير استقرار هذا البلد، وهذا لن يحدث ما لم ينَل كل شخص حقوقه، بخاصة في ما يتعلق بقضايا الدم، وهي أعلى المطالب للإنسان، فالمال والأرض يأتيان في المرتبة الثانية، لكن قضايا العدالة فيها مسؤوليات متعددة، فنحن كسياسيين لنا دور سياسي نلعبه بضرورة إصلاح الأجهزة التي تقوم بهذه المهمات، وهناك دور آخر يلعبه أولياء الدم وهذا يتطلب أن ينخرطوا معنا في حوار حول رؤيتهم لتحقيق العدالة لأن هناك جانباً في المشهد العام يتطلب من أصحاب الدم أن يكونوا أكثر اطمئناناً لما تقوم به الأجهزة المعنية في تحقيق العدالة، حتى إننا نريد أن نذهب إلى المرحلة الثانية من العدالة التي تشهد كثيراً من القضايا التي حدثت قبل وأثناء ثورة ديسمبر (كانون الأول)”.

وحول رؤيتهم للمشهد السياسي، أجاب، “الرؤية التي قدمتها قوى الحرية والتغيير تتمثل في ضرورة تنازل جميع الأطراف، لأن هذا المشهد تعقد بمعطيات شارك فيها الجميع، فالهتافات البسيطة التي ترددت في الشارع (العسكر للثكنات، والأحزاب للانتخابات) تمت ترجمتها في خطة فحواها أن يعود العسكريون إلى ثكناتهم وممارسة مهماتهم المنصوص عليها في قانون القوات المسلحة، وكذلك ألا يشارك السياسيون في الحكومة المقبلة، لأن الوضع الحالي حصلت فيه متغيرات كثيرة. فقوى الحرية والتغيير الآن لم تعُد كما كانت في 2019، كما أن القوى المدنية الفاعلة غير متوافقة ولا بد من أن تتوافق جميعها وأن تسمّي حكومة من غير منسوبيها لإدارة ما تبقّى من عمر الفترة الانتقالية”.

تنازل العسكريين

ورداً على سؤال حول احتمال رفض العسكريين التنازل عن السلطة للمدنيين، قال الفكي “العسكريون نفذوا انقلاباً، فهم متمسكون بالسلطة ويريدون أن يأتوا بمدنيين كواجهة، واتضح لهم أن تحالف قوى الحرية والتغيير ليس واجهة، لذلك نفذوا ضدها انقلاب. الآن، الحرية والتغيير لديها رؤية وموجودة في الشارع، فلا يمكن استخدامها في أن تصبح واجهة. على أية حال، قوى الثورة لها مطالب واضحة هي عودة العسكر إلى الثكنات، وإذا لم تتحقق هذه العودة، فسيستمر حراك الشارع حتى ينجلي الأمر”.

انتخابات مبكرة

وعن موقفهم إذا ما أُعلن عن انتخابات مبكرة، أجاب، “طبعاً لكل حدث حديث، لكن السودان الآن ليس فيه جو ملائم لإجراء انتخابات سواء من ناحية الاحتقان السياسي، بخاصة أن هناك تجارب ماثلة بأنه إذا قامت انتخابات في ظل احتقان سياسي ستؤدي إلى انفجارات لا يمكن تجنبها، كما لم يحدث تقدم في تفكيك النظام السابق، وكذلك مسألة عودة النازحين إلى مناطقهم وهم ملايين قادرون على تغيير خريطة الانتخابات. فهذا الملف لم يحدث فيه شيء، فكل هذه الأمور مرتبطة بالانتخابات، بالتالي لا بد من تهيئة الوضع قبل الإعلان عنها”.

تمثيل حقيقي

وحول توقعاته لإنهاء هذه الأزمة، أوضح، “السيناريو الأقرب بالنسبة لي أن العملية السياسية تؤدي إلى تفكيك مؤسسات 25 أكتوبر وعودة الجيش إلى الثكنات وأن تتوافق المجموعات المدنية على حكومة مدنية من كفاءات وطنية غير حزبية على أن تشمل التنوع السوداني وتمثيلاً حقيقياً لكل أقاليم السودان وليس مجرد ترميز، وأن تكون حكومة محدودة البرامج بحيث تعمل على تحقيق الاستقرار وفك الاحتقان وإعادة البلاد إلى المجتمع الدولي، وتنشيط الاقتصاد والشروع في الإعداد للانتخابات”.

وأضاف، “يجب أن تُحسب كل السيناريوهات بدقة، ومؤكد أن الجميع سيعمل على ألا يحدث سيناريو خطير يؤدي إلى المواجهة لأنه مكلف للغاية، خصوصاً أن السودان بلد شديد الهشاشة من ناحية انتشار السلاح وحدّة التنافر القبلي وغيرهما. كما أن الناس مستعدون لتقديم أي تنازلات حتى لا تحدث مواجهات، لأن وقوعها سيكون مجرد نزهة بالمقارنة مع ما حصل من مواجهات في بلدان شبيهة لنا. نحن نعرف مرارة هذا الأمر، لذلك من باب مسؤوليتنا التاريخية نذكّر الناس دائماً بأن الثمن سيكون غالياً لأي انحراف دموي يحدث”.

اتهامات بالانحياز

وفي شأن موقف الاتحاد الأفريقي، قال الفكي، “هذا الاتحاد أصبح منحازاً لطرف، ومع ذلك لم نتخذ موقفاً ضده ولم نقُل إننا لن نتعامل معه، بل طالبناه بألا يكون منحازاً. وفي اعتقادي أن الآلية الثلاثية الدولية لديها دور تقوم به لإنهاء الأزمة التي تواجه البلاد، وأن الاجتماعات الثنائية بين الحرية والتغيير والعسكريين برعاية سعودية أميركية جاءت في إطار رفضنا لإغراق منبر الحوار الذي أعلنت عنه الآلية في 8 يونيو (حزيران)، بمجموعات لا علاقة لها بالمشهد السياسي، كونهم من عناصر النظام السابق. فالاتحاد الأفريقي يحاول أن يلعب دوراً أكبر من التفويض الممنوح له، ومعلوم أنه سبق أن شكّل المشهد السوداني في 2019، لكن الوضع الحالي يختلف بأن التفويض ممنوح لبعثة الأمم المتحدة في الخرطوم (يونيتامس) وهو صادر عن مجلس الأمن كأعلى هيئة أممية، لكن قد يكون الاتحاد الأفريقي لديه رأي أو ملاحظات على الدور الذي قامت به الرياض وواشنطن بتسريع الحوار الأخير بين الحرية والتغيير والعسكريين. نحن نعتقد أن دخول الولايات المتحدة كدولة فاعلة في السياسة الدولية والسعودية الأكثر حضوراً إقليمياً، ولديها مصالح مشتركة وكبيرة مع السودان تتمثل في أمن البحر الأحمر ومحاربة الإرهاب ومخاطر عدم تفكيك دولة الإخوان، فضلاً عن المشاريع الاستثمارية والاقتصادية التي ننتظر تنفيذها في بلادنا، في العملية السياسية لم يكُن اعتباطاً، فتدخلهما في هذه المرحلة هدفه إنهاء الانقلاب لأنهما يعلمان أن هذا الانقلاب عزل الحرية والتغيير، فيجب أن يتنادى الجميع لتشكيل هياكل الحكم المختلفة، وأن لدى الحرية والتغيير وعداً قاطعاً بأنها لن تشكل هذه الأجهزة لوحدها ولن تستطيع أن تقود المرحلة المقبلة منفردة”.

حوار : إسماعيل محمد علي ـ صحافي سوداني
المادة الصحفية نقلت من موقع اندبندنت عربية ولا تعبر عن راي الموقع