“أزمة جوع” تواجه العالم، فهل هذا ما يسعى بايدن لمواجهته؟ كلا، الرئيس الأمريكي يسعى لـ”احتواء” الصين
السياسية:
“لا صوت يعلو فوق صوت مواجهة الصين”، هذه هي الحقيقة المجردة لجو بايدن، فماذا يعني ذلك لحرب روسيا في أوكرانيا، وأزمة الغذاء والتضخم وتغير المناخ؟
إذ على الرغم من أن الرئيس الأمريكي توجه إلى ألمانيا لحضور قمة مجموعة السبع، في اجتماعات تستمر ثلاثة أيام، تطغى عليها الحرب في أوكرانيا وعواقبها بعيدة المدى من نقص الطاقة إلى أزمة الغذاء، فإن الواضح أن ساكن البيت الأبيض يضع “احتواء الصين” نصب عينيه.
وتعقد القمة وسط أجواء أكثر قتامة من العام الماضي، عندما التقى زعماء بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة، لأول مرة، منذ الفترة السابقة على جائحة كوفيد-19، وتعهدوا بإعادة البناء بشكل أفضل.
وأثرت أسعار الطاقة والغذاء العالمية المتصاعدة على النمو الاقتصادي في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، وحذرت الأمم المتحدة الجمعة، 24 يونيو/حزيران، من “أزمة جوع عالمية غير مسبوقة”. ومن المقرر أن يناقش الزعماء أيضاً تغير المناخ وتزايُد قوة الصين، بحسب رويترز.
ونشرت مجلة The National Interest الأمريكية تحليلاً عنوانه “احتواء الصين وسط الأزمة الأوكرانية”، رصد أبرز تحديات السياسة الخارجية لإدارة بايدن، من وجهة النظر الأمريكية بطبيعة الحال.
لماذا الصين أبرز التحديات لأمريكا؟
من بين تحديات السياسة الخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً، يشكل اثنان منها أكبر خطر محتمل على أمنها ومستقبل النظام العالمي، أحدهما هو التحدي الذي تفرضه الصين بصفتها قوة صاعدة تسعى لتجاوز الولايات المتحدة لتكون القوة الأبرز في العالم. أما التحدي الآخر فهو روسيا، التي تشن حرباً شاملة ضد أوكرانيا، تصفها موسكو بأنها “عملية عسكرية خاصة”، بينما يصفها الغرب بأنها محاولة لاستعادة إمبراطوريتها.
وفي حين أنَّ التحدي المتمثل في الحرب الروسية في أوكرانيا أمر ملح من منظور الأمن القومي الأمريكي، لكن الصين، بالطبع، تمثل تهديداً أخطر وأكثر شمولية، بأبعاد اقتصادية وسياسية وتكنولوجية وعسكرية، بحسب تحليل المجلة الأمريكية.
تتحرك الصين على جبهات عديدة في سعيها لتصبح القوة الأبرز في العالم. فيما يتعلق بالتكنولوجيا، قد تكون الآن متقدمة على الولايات المتحدة في بعض المجالات. وقوتها العسكرية آخذة في النمو، كما حقق الصينيون تقدماً اقتصادياً هائلا، وفي سبيل ذلك حقّقت الصين مكاسب مهمة بتواطؤ أمريكي، ومن خلال استغلالها الحاذق للفرص التي يوفرها القطاع الخاص الأمريكي.
فقد أَغرَت الشركات الأمريكية بالعمالة الرخيصة، ومنشآت الإنتاج السريعة والرخيصة، والوعد بسوق استهلاكي ضخم، ما دفعها إلى نقل جزء كبير من التصنيع إلى الصين، وخلال هذه العملية غالباً ما تخلَّت أيضاً عن الملكية الفكرية القيمة، ومن جانبها لم تمنع إدارة الولايات المتحدة حدوث ذلك، بل وحتى وقت قريب كانت تشجعه.
ونتيجة لتلك العوامل مجتمعة، بالإضافة إلى عوامل أخرى بطبيعة الحال، ازدادت الصين ازدهاراً وقوة، بينما أصبحت الولايات المتحدة تعتمد اعتماداً أساسياً عليها لتوريد المنتجات الأساسية في المجالات الرئيسة، بل ومنحتها وصولاً غير مسبوق إلى رأسمالها الفكري ومواردها العلمية. وقد بدأت واشنطن لتوها في الاستيقاظ على هذا الواقع غير المرغوب فيه.
يستخدم الحزب الشيوعي الصيني القوة الاقتصادية لنشر مخالب النفوذ الصيني حول العالم، فقد صارت العديد من الدول مثقلة بالديون لبكين، ويستفيد الصينيون من روابطهم الاقتصادية، وما يسمى بمبادرة الحزام والطريق لتحقيق أفضلية جيوسياسية. وقد اتبعوا استراتيجية للسيطرة على معادن الأرض النادرة في إفريقيا، ويهيمنون على عمليات معالجة بعضها. الهدف هو جعل الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة، معتمدين عليهم اعتماداً كارثياً، كما أنهم يضعون أنفسهم في جميع أنحاء العالم لتهديد الممرات البحرية المهمة للتجارة العالمية.
ماذا يعني هذا بالنسبة لأوكرانيا؟
الآن، في خضم هذا الوضع، تأتي أوكرانيا. ويعتمد الأمر على الولايات المتحدة فيما إذا كانت الأزمة ستنتهي لصالح الصين أم لغرب متجدد، تنطوي حرب بوتين على مخاطر جدية، لكنها تحمل أيضاً فرصاً مهمة. ويبدو أنَّ حلفاء واشنطن الأوروبيين يدركون، أخيراً، أنهم يواجهون مخاطر أمنية حقيقية جداً ويجب أخذها على محمل الجد، وهو ما يمكن فعله عن طريق وضع ميزانية للدفاع الواقعي وتقليل اعتمادهم على إمدادات الطاقة الروسية.
وبحسب تحليل المجلة الأمريكية، يجب أن تضمن واشنطن استمرار الاستجابة الأولية الإيجابية من أوروبا، وأن تدفع الحلفاء هناك إلى التعامل مع المزيد من الأعباء الثقيلة داخل منطقتهم.
إنَّ الصراع المطول والمكلف في أوروبا، الذي يمتص القوة العسكرية الأمريكية والاهتمام الدبلوماسي، ويجعل روسيا تعتمد أكثر على الصين، يخدم الأغراض الصينية، على غرار ما حدث بعد 11 سبتمبر/أيلول، لذلك من المهم الوصول لإنهاء سريع لهذا الصراع من خلال تسوية تفاوضية مقبولة لكل من روسيا وأوكرانيا. سوف تتشكل شروط التسوية المحتملة في الغالب من خلال الحقائق العسكرية وتوقعات الجانبين في الأشهر المقبلة.
وقد يكون الانتصار الذي حققته روسيا بالسيطرة على مدينة سيفيرودونيتسك الاستراتيجية في إقليم دونباس، بالتزامن مع قمة مجموعة السبع، مؤشراً على اقتراب الحرب من نهايتها بالفعل، من خلال اقتناع الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، أن الوقت قد حان للرضوخ إلى حقيقة انتصار بوتين، والتركيز على “احتواء” الصين.
وبحسب تحليل مجلة ناشيونال إنتريست، من المهم أيضاً أن تهتم الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، لمنع الهيمنة الإيرانية في المنطقة، والحد من نمو النفوذ الصيني، والبحث عن الفرص. لا بد من بناء شراكات أقوى مع الحلفاء والأصدقاء في الشرق الأوسط والحفاظ عليها، وذلك مع الدول التي يمكنها العمل مع بعضها ومع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب والتعامل مع التطورات غير المتوقعة في هذه المنطقة المضطربة.
يجب أن تكون هناك ضمانات على أن الولايات المتحدة لن تصبح مفرطة الامتداد، وتعزز وجودها العسكري ببصمة اقتصادية ودبلوماسية قوية. على سبيل المثال، البناء على اتفاقيات إبراهيم يخدم المصالح الإقليمية للولايات المتحدة والاستقرار العالمي، من خلال إنشاء روابط تعاونية بين الدول التي تركز على السلام والنمو، كما تقول المجلة الأمريكية.
ماذا عن ساحة المواجهة مع الصين في آسيا؟
وفي وسط وجنوب آسيا، يجب على الولايات المتحدة تعزيز الترابط الإقليمي والإصلاح والتعاون. هناك فرصة لكسب تعاون طالبان في القضايا التي تفيد الاستقرار الإقليمي؛ لأنَّ لديهم أيضاً مشكلة كبيرة مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وتوجد منصة تحقيق هذا التعاون في متناول اليد، وتحديداً في عناصر اتفاق الدوحة، التي وقّعتها الولايات المتحدة وحركة طالبان، لكن لم تُنفَذ بعد. ويتبنى العديد من كبار المسؤولين السابقين في الجمهورية السابقة الآن اتفاق الدوحة باعتباره الطريق الأكثر جدوى للسلام والوحدة في أفغانستان.
أما عندما يتعلق الأمر بالصين، فيجب على الولايات المتحدة اتباع استراتيجية احتواء شاملة من خلال الحزبين الجمهوري والديمقراطي. تواجه واشنطن تهديداً خطيراً يجب أن ينصب تركيزها عليه ويوحد صفوفها، بحسب تحليل المجلة الأمريكية، الذي يقول إنه يجب أن تكون العناصر الرئيسية لهذه الاستراتيجية متمثلة في عدد من النقاط.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة تعزيز قوتها في مواجهة مجموعة التحديات التي يمكن أن تطرحها الصين. وهذا يعني أيضاً العمل على بناء توازن مناسب للقوى والحفاظ عليه في آسيا، نظراً للتهديد الصيني لتايوان، يجب على واشنطن تخزين الإمدادات العسكرية مسبقاً في تايوان، لأنَّ إعادة الإمداد بالجزيرة بعد بدء هجوم صيني سيكون أصعب بكثير مما واجهته في أوكرانيا، رغم أنها دولة تشترك في الحدود مع بولندا حليفة الناتو.
كان الرئيس جو بايدن قد أعلن أن “أمريكا ستدافع عن تايوان عسكرياً إذا هاجمتها الصين!”، وهو ما وصفته بكين بأنه “لعب بالنار”، فتراجع البيت الأبيض ووصف تصريح بايدن بأنه “زلة لسان” ليس إلا.
جزر سليمان
ثانياً، تحتاج واشنطن إلى ضمان ريادتها التكنولوجية، سواء في شبكات الجيل الخامس، أو التي تفوق سرعة الصوت، أو الذكاء الاصطناعي، أو تصنيع رقائق أشباه الموصلات عالية الجودة. في بعض هذه المجالات الرئيسية تعاني الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال تعتمد في تصنيع الرقائق عالية الجودة اعتماداً كبيراً على الموردين الخارجيين.
وثالثاً، يجب على الولايات المتحدة فحص أوجه القصور ونقاط الضعف في سلسلة التوريد الخاصة بها، ومعالجتها، إذ من الطيش الاعتماد المستمر على الصين لتلبية الاحتياجات الأساسية، سواء في التكنولوجيا أو المعادن أو الطب أو عمليات معالجة الشحنات، يجب مراقبة وتسريع عمليات المعالجة الداخلية والخارجية، وتلك التي يجريها الحلفاء.
رابعاً، تحتاج واشنطن إلى الرد على استخدام الصين للعلاقات التجارية والاقتصادية، لتغيير ميزان المصالح في المناطق الرئيسية، وخاصة آسيا. مثل هذا التحول في ميزان المصالح سيجعل الحصول على تعاون أمني ضد تهديدات الصين أكثر صعوبة وتحدياً. مع انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ، سيكون المخطط الجديد لمعالجة التوسع الاقتصادي الصيني وتنفيذه محورياً لفاعلية استراتيجية الاحتواء.
وخامساً، تحتاج الولايات المتحدة إلى الانتباه إلى نقاط الضعف الصينية، وتحديد أفضل السبل لتوسيعها أو زيادتها، خاصةً بالنظر إلى إجراءاتها النشطة لتقويض الولايات المتحدة من الداخل، كما يقول تحليل مجلة ناشيونال إنتريست، الذي ركز تحديداً على ضعف قطاع الطاقة الصيني. فالصين أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم، لكن ذلك يعني أن بكين لها تعاملات ومصالح قوية مع روسيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وهو ما يمثل عامل ضغط على واشنطن.
وتختتم المجلة الأمريكية تحليلها بالقول إن اتباع مثل هذه الاستراتيجية لا يعني الانسحاب من الصين، ولا تجنب العمل معها في القضايا المهمة للأمن الإقليمي والدولي، أو تجنب التعاون بشأن تغير المناخ، لكن الانخراط معها لا بد أن يحدث من موقع قوة، مع تقدير واضح للحقائق المرعبة التي نواجهها.
المادة الصحفية نقلت حرفيا مترجمة من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن رأي الكاتب