بقلم: والتر ل. هيكسون
ترجمة: انيسة معيض, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”

 

لا يوجد دفاع عن هجوم القيصر فلاديمير بوتين الملطخ بالدماء على أوكرانيا الجارة, لكن هناك الكثير من قصر النظر التاريخي ونفاق حقوق الإنسان، إن لم يكن العنصرية الصريحة، في رد فعل الولايات المتحدة على حرب روسيا.

بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991, فشلت الولايات المتحدة في اغتنام فرصة تاريخية لفعل كل ما هو ممكن لإقامة علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية أوثق مع روسيا ما بعد الشيوعية.

حتى خطة مارشال الجديدة لروسيا ربما كانت في محلها, واختارت واشنطن بدلاً من ذلك تعزيز السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي مكّنت الأوليغارشية أعضاء في حكومة الأقلية من جمع الثروة عن طريق نهب الموارد الروسية.

في الوقت نفسه، تركزت السياسة الأمنية الأمريكية على توسيع حلف الناتو الذي كان منذ إنشائه في عام 1949, بمثابة تحالف عسكري مناهض لروسيا.

في عام 1997, حذر الدبلوماسي الأسطوري جورج ف. كينان – مهندس استراتيجية احتواء الحرب الباردة والخبير البارز في كل ما يتعلق بالروسية, من أن توسع الناتو سيؤجج “الميول القومية المناهضة للغرب في الرأي العام الروسي …

وسيحيي أجواء الحرب الباردة إلى العلاقات بين الشرق والغرب “وسيكون” خطأ استراتيجياً فادحاً ذا أبعاد ملحمية”, علمنا التاريخ الآن الدرس المرير بأن كينان كان على حق.

منذ وصوله إلى السلطة في عام 2000, تأجج غضب بوتين من الاستياء من القرار الاستفزازي بتوسيع الناتو شرقاً لضم العديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة وحلفاء حلف وارسو.

حلف الناتو دفاعي بحت من حيث التوجه، وانخرط الناتو في عمليات هجومية كبيرة، لاسيما في ليبيا وخاصة في يوغوسلافيا السابقة.

يقوم كل من الناتو والولايات المتحدة – جنباً إلى جنب مع حليفتهما إسرائيل- بتعزيز النزعة العسكرية من خلال مبيعات الأسلحة على نطاق واسع وتطوير جميع أنواع أنظمة الأسلحة.

لا يمكن لروسيا أن تكون غير مبالية بمجموعة من الدول الحليفة سابقاً والمسلحة بصواريخ نووية على نفس الحدود التي تم غزوها من خلالها مرتين في القرن العشرين.

فقط تخيل رد الولايات المتحدة إذا حاول تحالف معاد مثل هذه المناورة في كندا أو المكسيك أو منطقة البحر الكاريبي (تذكر أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962).

لا شيء من هذا يبرر أو يعذر الغزو الروسي الوحشي أو الادعاء الكاذب بأن أوكرانيا جزء من روسيا، لكنه يساعد في تفسير نشوء الحرب ولماذا يدعمها معظم الروس.

في نهاية المطاف، فقط الحل الدبلوماسي- الذي لو تم اتباعه بقوة أكبر في البداية كان من الممكن أن يوقف الحرب المروعة- يمكنه حل النزاع.

وفي الوقت نفسه، فإن المجمع الصناعي العسكري (المصطلح مبتذل ولكن المجمع يزدهر) يصنع لحسن الحظ أسلحة لأوكرانيا، بينما يتسلح أعداء الحرب الباردة ويواجهون أسلحة الدمار الشامل.

هذا الوضع مخيف بقدر ما هو غبي، لاسيما في عصر يجب أن يكون فيه تغير المناخ والفقر والسيطرة على الأمراض وغيرها من القضايا الملحة على رأس الأولويات في الشؤون العالمية.

 

قصر نظر الإعلام:

قارن بين تغطية وسائل الإعلام الأمريكية السائدة المشبعة للحرب في أوكرانيا بتغطية صراعات الشرق الأوسط.

فقط تخيل لو أن القمع الإسرائيلي غير القانوني والوحشي لفلسطين- الاغتيالات والمذابح والمستوطنات غير القانونية وهدم المنازل والضرب والسجن، بما في ذلك الأطفال- قد تلقى عن بعد نوع التغطية الإعلامية على مدار الساعة وشيطنة المعتدي، يوم إثر يوم لأسابيع متتالية، كما رأينا في حالة حرب أوكرانيا.

حسناً، أنت بحاجة فعلاً إلى تخيل مثل هذه التغطية لأن نخب الأمن القومي في الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الأمريكية السائدة يذعنون لإسرائيل ولوبيها في رفض الإبلاغ بمسؤولية عن كابوس حقوق الإنسان المستمر في فلسطين.

ما هي الاستنتاجات التي يجب أن نستخلصها عندما تتستر نخب الأمن القومي في الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الأمريكية السائدة على قمع وقتل الفلسطينيين ذوي البشرة السمراء والأفغان والعراقيين والسوريين واليمنيين مع تقديم تغطية مشبعة لإيذاء الأوكرانيين البيض والأوروبيين؟

تدين وسائل الإعلام الغربية بوتين، وهي محقة في ذلك، كديكتاتور حرب نهب موارد روسية، وجمع ثروة شخصية هائلة، وهو مستبد لا يرحم يسكت الانتقادات ويستغني عن المعارضين السياسيين من خلال القمع والقتل.

يجسد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هذه “الصفات” ذاتها، بما في ذلك شن الحرب التي لا نهاية لها والمليئة بالدماء في اليمن، والتي أسفرت عن خسائر أكثر بكثير من الحرب في أوكرانيا، ومع ذلك لم تحصل على تغطية تذكر في وسائل الإعلام الأمريكية.

وفي الوقت نفسه، لا يزال محمد بن سلمان حليفاً للولايات المتحدة حيث يتم التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان بشكل روتيني.

للولايات المتحدة تاريخ طويل في دعم الديكتاتوريين الذين تحبهم وتدين وتسعى للإطاحة بمن لا تحبهم.

إن وجود سياسة خارجية أكثر عدالة وإدراكاً لحقوق الإنسان وتركز على حل النزاعات من شأنه أن يؤدي إلى عدد أقل من الحروب وعالم أكثر أماناً.

 

  • صحيفة ” Washington Report on Middle East Affairs- تقرير واشنطن للشرق الأوسط، الأمريكية
  • المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع