مهرجان كان السينمائي: كيف بدت المشاركة العربية في نسخة هذا العام؟
السياسية:
اختتمت منذ أيام فعاليات النسخة الـ75 من مهرجان كان السينمائي الدولي بإعلان فوز فيلم “مثلث الحزن” للمخرج السويدي روبن أوستلوند بالسعفة الذهبية لهذا العام.
الفيلم يحمل نبرة تهكمية واضحة، تسخر من طبقة معينة من المجتمعات الأوروبية وتفضح نظرتها للفن وقيمة الماديات لديها مقابل القيم الإنسانية.
وبالنظر إلى أغلب الأفلام التي حصدت جوائز المهرجان هذا العام، يطرح سينمائيون تساؤلات حول الدور الذي لعبه الانحياز لأفكار سياسية معينة على حساب القيمة الفنية للأعمال المرشحة في اختيار الأفلام الفائزة.
وقد امتد جزء من هذا التساؤل ليشمل جانبا من الحضور العربي في المهرجان، الذي احتفل هذا العام بيوبيله الماسي، والذي عرف تميزا على صعيد لجان التحكيم، لكنه كان مثيرا للجدل فيما يتعلق بالأفلام المشاركة، وخاصة تلك التي فازت بجوائر.
حاز فيلم “ولد من الجنة” للمخرج السويدي من أصل مصري طارق صالح على جائزة أفضل سيناريو في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهو يلقي الضوء على إدارة مؤسسة الأزهر الشريف وعلاقتها بالدولة المصرية.
الناقد الفني المصري طارق الشناوي يرى أن الفيلم من الناحية الفنية “لا يستحق الجائزة”، إذ يقول لبي بي سي: “أضعف حلقة في الفيلم بغض النظر عن الحالة السياسية هو السيناريو”، مضيفا أن محتوى الفيلم “يعكس عدم دراسة المخرج لمؤسسة الأزهر.”
الناقد المصري ورئيس لجنة تحكيم اتحاد النقاد الدوليين في مهرجان كان هذا العام، أحمد شوقي، اعتبر أن “جرأة الموضوع الذي تناوله صالح، حازت على إعجاب النقاد والصحافة العالمية إلا أن ضعف الجانب الفني للفيلم جعل منه فرصة مهدرة”.
وأضاف شوقي في حديث لبي بي سي: “طارق صالح لديه تحرر في صناعة فيلم جذاب يسمح له في طرح الصراعات السايسية وتوازنات القوى بحرية وأنا معه في ذلك، ولكن مشكلتي مع الفيلم أنه لم يطرح هذه القضايا بشكل فني ملائم وهذا بارز جدا عند مقارنته مع الفيلم الإيراني “العنكبوت المقدس” للمخرج على عباسي، حيث يتشابه الفيلمان في ظروف الإنتاج وحساسية الموضوع للدول المعنية، ولكن يتضح من المقارنة أن ثمة مشكلة في جوهر شخصيات فيلم “ولد من الجنة”، حيث تجد نفسك في صراع بين الأفكار وليس صراع بين شخصيات الفيلم.”
فازت بطلة فيلم “العنكبوت المقدس” الممثلة الإيرانية زار أمير إبراهيمي بجائزة أفضل ممثلة في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهي الجائزة التي أثارت التساؤلات أيضا لدى النقاد حيث لم يكن أداؤها الأفضل في المسابقة في رأي البعض.
وقد تم تصوير فيلم طارق صالح في تركيا لعدم السماح للمخرج بالتصوير في مصر، ويرجح سينمائيون منع عرض الفيلم في مصر بسبب القيود المفروضة على المخرج وأعماله من قبل الحكومة المصرية، وهو ما أشار إليه صالح نفسه خلال تسلمه الجائزة.
وبينما أعرب المخرج المصري ومدير مهرجان القاهرة السينمائي، أمير رمسيس، عن عدم إعجابه بالفيلم من الناحية الفنية، إلا أنه عبر عن تعاطفه مع صالح لعدم قدرته على تصوير الفيلم في مصر وعرضه للجمهور المصري ليحكم على مضمونه الفني.
وليست هذه هي المرة الأولى التي ينحاز فيها المهرجان لأفلام تثير الجدل، فالعام الماضي حاز الفيلم المصري “ريش” للمخرج عمر الزهيري، على جائزتين في المهرجان كانت إحداهما هي الجائزة الكبرى لمسابقة أسبوع النقاد الدولي في الدورة الـ 74، وهي أول جائزة يحصل عليها فيلم مصري طويل في تاريخ المهرجان. وكان الفيلم قد أثار الكثير من الجدل في مصر عند عرضه.
يمكن القول إن المشاركة التونسية كانت الأغنى عربيا هذا العام.
فقد مُثلت تونس رسميا في مسابقة نظرة ما من خلال فيلم “حرقة” للمخرج الأمريكي من أصل مصري لطفي ناثان، إذ حاز بطل الفيلم التونسي آدم بيسا على جائزة أفضل ممثل في المسابقة.
الفيلم هو العمل الروائي الأول للمخرج ويتعرض من خلاله لمشكلة الفقر والبطالة والفئات المهمشة من خلال قصة شاب في العشرينات تدفعه الأحداث لإشعال النيران في نفسه أمام مبنى المحافظة دون التفات أي من المارة.
وحول اختيار موضوع الفيلم، قال مخرجه، لطفي ناثان لبي بي سي: “قررت عمل الفيلم لأصنع رمزا من شخصية “بوعزيزي” وأعتقد أن إنهاء الفيلم بعدم مبالاة أي شخص بحرق البطل لنفسه هو أصدق نهاية لقصته. فاللامبالاة أصبحت ظاهرة عالمية حاليا.”
كما شارك المخرج التونسي، يوسف الشابي بالمهرجان بفيلم “أشكال”، في حين شاركت المخرجة التونسية، أريج السحيري بفيلم “تحت شجرة التين” في مسابقة “نصف شهر المخرجين”. والفيلمان يمثلان المرة الأولى التي يتصدا فيها كلا المخرجين لإخراج أعمال روائية.
حضور للأفلام الفلسطينية والمغربية
كما شهدت مسابقة “نظرة ما” مشاركة فلسطينية مميزة للمخرجة مها الحاج بفيلم “حمى البحر الأبيض المتوسط” الذي حاز على جائزة أفضل سيناريو في المسابقة. ويحكي الفيبم قصة كاتب فلسطيني طموح يعاني من الاكتئاب، وتنشأ له صداقة مع جاره المحتال، الذي يبدأ في تنفيذ مخطط شرير يساعده على الخروج من حالة الاكتئاب.
وفي المسابقة نفسها، شاركت المخرجة المغربية مريم توزاني بفيلمها “القفطان الأزرق”، وهي المشاركة التي تعد الثانية لها في فعاليات المهرجان، إذ سبق لها عرض فيلمها “آدم” في دورة عام 2019.
أحداث “القفطان الأزرق” تدور حول حياة وأسرار زوجين يديران متجرا مختصا بالقفطان المغربي في مدينة سلا المجاورة للرباط.
حضور مصري عربي “تاريخي” في لجان التحكيم
على صعيد لجان التحكيم شهد مهرجان “كان” هذا العام مشاركة عربية ومصرية مميزة، إذ رأس المخرج المصري يسري نصر الله لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، وهي المسابقة التي شهدت ترشيح 9 أفلام.
ومن مصر أيضا ترأس الناقد السينمائي أحمد شوقي لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين، في حين شاركت الناقدة المغربية جيهان بو قرين كعضو في اللجنة ذاتها. كما رأست المخرجة التونسية كوثر بن هنية مخرجة فيلم “الرجل الذي باع ظهره” مسابقة النقاد. وشارك منتج الأفلام الوثائقية محمد رفعت في لجنة تحكيم مسابقة “الأفلام الوثائقية قيد الإنتاج”.
ويرى الناقد المصري طارق الشناوي أن مهرجان “كان” هذا العام أصبح منصة سياسية، وهو الأمر الذي نلحظه، بحسبه، ليس فقط بالنظر إلى اختيارات المهرجان وجوائزه، ولكن بالنظر إلى الكلمة التي ألقاها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال الافتتاح، والتي لا تتماشى مع طبيعة الحدث كواجهة ثقافية فنية.
المصدر: بي بي سي