السياسية:

أكد التقرير السنوي الأخير لخبراء الأمم المتحدة حول ليبيا، أن حظر الأسلحة الأممي المفروض على ليبيا “لا يزال غير فعال” وأن دولا أعضاء في الأمم المتحدة تواصل “انتهاكه مع إفلات تام من العقاب”. وكانت الأمم المتحدة أقرت عام 2011 قرارا يقضي بفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى ليبيا بهدف الحد من الانفلات الأمني وحدة الصراع الذي تشهده البلاد منذ التدخل العسكري الذي قام به الحلف الأطلسي وإسقاطه نظام معمر القذافي.

لماذا اعتبرت الأمم المتحدة أن حظر الأسلحة في ليبيا غير فعال؟

رصد التقرير الأممي الذي يغطي الفترة ما بين مارس/آذار 2021 وأبريل/نيسان من العام الجاري، تدفقا كبيرا للأسلحة والمقاتلين نحو ليبيا في خرق سافر لقرار الأمم المتحدة بحظر الأسلحة في البلاد. وأكد التقرير أن دولا عديدة تنتهك القرار وتدعم بشكل مباشر أطراف النزاع، دون أن تتم معاقبتها أو القيام بما من شأنه أن يردعها عن ذلك.

وجاء في التقرير، أن الدول المنتهكة للحظر تسيطر على شبكة الإمداد بالأسلحة بكاملها ما يعقد إمكانيات رصد نشاطها وعرقلة عمليات تسريبها للسلاح نحو الأراضي الليبية.

وذكر التقرير أن 18 عملية نقل أسلحة شهدتها ليبيا في الفترة الممتدة ما بين مارس/آذار 2021 وأواخر أبريل/نيسان من العام الجاري. وقدم التقرير نموذجا على ذلك بسفينة (Luccello) التي ترفع علم جزر القمر، وقامت بتسليم 100 عربة مدرعة إلى مليشيات حفتر في بنغازي.

كما اتهم التقرير مجموعة فاغنر الروسية بانتهاك أحكام القانون الدولي. وأعلن أن لجنة الخبراء الأممية تواصل التحقيق في نشر الشركة مقاتليها ونقلها للأسلحة نحو ليبيا، مؤكدا عدم وجود ما يشير إلى انسحاب مرتزقة شركة فاغنر الروسية من الأراضي الليبية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020. وأكد التقرير أن عدد أولئك المرتزقة قد يصل إلى نحو ألفي شخص، ينضافون إلى مرتزقة آخرين أتوا من دول عدة كتشاد والسودان وسوريا وشركات عسكرية خاصة وغيرها. وذكر خبراء الأمم المتحدة أن شركات روسية أخرى ساهمت في تجديد طائرات مقاتلة داعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر.

وبالنسبة لصلاح بكوش، المحلل السياسي والمستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبية فإن هذا التقرير لا يأتي بجديد، إذ سبق للأمم المتحدة أن أصدرت تقارير تؤكد نفس الشيء، منها ذاك الذي صدر العام الماضي. وذكّر بكوش بما سبق أن قالته المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز في مقر الأمم المتحدة من كون قرار حظر السلاح في ليبيا بات مجرد مزحة.

وأكد بكوش أن مجلس الأمن يعرف من يقوم بتهريب الأسلحة ولصالح من، وأعطى بكوش على ذلك نموذج الأسلحة التي ترسلها مصر إلى ليبيا لصالح خليفة حفتر. وقال المحلل السياسي والمستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبية: “نفس فريق الخبراء قام في السنوات الماضية بتقرير أبان بالصورة كيف أن طائرات عليها علم مصري يقوم فنيون بطلائها ووضعوا عليها علما ليبيا لإرسالها لحفتر” ومع ذلك لم يسفر هذا الأمر عن رد فعل من المنظمة الأممية.

صلاح بكوش، المحلل السياسي والمستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبية

لماذا يستمر انتهاك قرار حظر الأسلحة المفروض على ليبيا؟

يؤكد الخبراء أن الصراع الدائر في ليبيا ليس صراعا ليبيا-ليبيا فقط، وإنما أيضا صراع بين أقطاب إقليمية ودولية تسعى كل منها لخدمة مصلحتها الخاصة، ما يؤدي إلى سباق تسلح متواصل ومستعر.

ورغم أن تقارير دولية عديدة أكدت وجود خرق متواصل لقرار حظر الأسلحة على ليبيا، إلا أن المنتظم الدولي يبقى عاجزا أمام تدفقها على البلاد، بل وأكثر من ذلك، تُتهم دول أعضاء دائمة في مجلس الأمن الدولي بارتكاب تلك الخروقات منها روسيا وفرنسا، وهي دول تتوفر على حق الفيتو، ما يمكنها من رفعه في وجه قرارات قد تفرض عقوبات على حلفائها. ومن بين تلك الدول نذكر الإمارات ومصر التي تتوفر على أكثر من 700 كيلومتر من الحدود البرية المشتركة مع ليبيا.

ويؤكد صلاح بكوش أن الدول المتهمة بخرق القرار الأممي “لديها وكلاء في ليبيا وراعون دوليون في مجلس الأمن ممن يوفرون لها الحماية من أي قرارات قد تضر بمصالحها، لذلك تستمر تلك الدول في خرق قرار حظر السلاح وفي التدخل في الشؤون الليبية، وأيضا في إرسال مرتزقة”.

وذكر بكوش بالهجوم الذي شنه حفتر على طرابلس عام 2019 والذي تزامن مع وجود الأمين العام للأمم المتحدة بالمدينة للتحضير لملتقى دولي ينظم هناك، ومع ذلك لم تندد المنظمة بذلك الخرق”. ويفسر المستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبية ذلك بوجود حماية لصالح حفتر من طرف كل من فرنسا وروسيا، بموازاة حماية تُوفرها قوى أخرى لأطراف أخرى في ليبيا.

صلاح بكوش، المحلل السياسي والمستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبية

وقد أكد تقرير الأمم المتحدة أن “القسم الأكبر من الأراضي الليبية لا يزال تحت سيطرة جماعات مسلحة”، ما يفسر جزءا من استمرار تدفق الأسلحة على البلاد.

ويعتبر الخبراء أن قرارا من نوع حظر الأسلحة لن يكون مجديا ما لم تصاحبه إجراءات عملية وجدية من قبيل فرض عقوبات على من يخرقونه، إضافة إلى تشديد مراقبة الحدود والمنافذ نحو الأراضي الليبية.

وقد أوصى خبراء الأمم المتحدة في التقرير بأن يفرض مجلس الأمن الدولي على الطائرات التي انتهكت حظر التسليح إلى ليبيا، “إجراءات لإلغاء ترخيصها ومنعها من التحليق والهبوط”.

ما هي انعكاسات عدم احترام قرار حظر الأسلحة الأممي المفروض على ليبيا؟

رغم الجهود التي بذلت على صعيد وطني ودولي لحل النزاع في ليبيا، لا يكاد هذا الملف يحقق بعض التقدم، حتى يتأزم الوضع من جديد. فالبلاد تعيش على وقع صراعات كبرى للاستحواذ على السلطة منها تلك الدائرة بين حكومتين متنافستين في وضع سبق أن شهدته ليبيا بين عامي 2014 و2021، ولا توجد حتى الآن مؤشرات على احتمال انفراج الأزمة السياسية قريبا.

ويؤجج وجود السلاح والمرتزقة حدة ذلك الصراع ويمكن جهات عدة متصارعة بما فيها الجماعات والميليشيات المسلحة، من الضغط والتهديد وتخويف السكان وتعطيل محاولات وجود حل سياسي للنزاع الدائر في البلاد.

غير أن صلاح بكوش يؤكد أن توافد الأسلحة على ليبيا بدأ يخف بعدما تعب الليبيون من الصراع وتيقنوا أن السلاح لن يحسم المعركة.

صلاح بكوش، المحلل السياسي والمستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبية
وقد جاء في التقرير الأممي أن عدد المقاتلين انخفض بنحو ألف عما كان عليه الأمر منذ عامين.

المصدر: مونت كارلو