السياسيةة-وكالات:

على خطى المقاومة اللبنانية.. أثبتت المقاومة الفلسطينية انتصارها على جيش الاحتلال الصهيوني في معركة “سيف القدس” وما تلاها، وقدرة فصائلها على استمرار مواجهة الكيان المحتل المالك لأقوى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط، وانتهاكاته المتصاعدة في الأراضي المحتلة حتى زواله بشكل نهائي من أرض فلسطين.

ويؤكد خبراء عسكريون أن فصائل المقاومة الفلسطينية بغزة وفي مقدمتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، استطاعت قصف عمق كيان الاحتلال ومستوطناته ومعسكرات جيشه خلال معركة سيف القدس، بآلاف الصواريخ بدءًا بـ(تل أبيب)، معلنةً انتصارها لأهالي حي الشيخ جراح بالقدس، ومخططاته الهادفة لتهويد القدس المحتلة وتشريد أهلها وإحلال قطعان المستوطنين مكانهم.

كما استطاعت المقاومة الفلسطينية خلال العدوان الصهيوني في 11 مايو 2021، واستمر نحو 11 يومًا، قصف (تل أبيب) وحيفا وعكا، وغيرها من مدن الداخل الفلسطيني المحتل، ردًّا على قصف قوات الاحتلال لمنازل الفلسطينيين الآمنين مستخدمة مقاتلات حربية تحمل قنابل ثقيلة متطورة.

وأطلقت كتائب القسام لأول مرة خلال معركة “سيف القدس”، صواريخ تحمل أسماء قياديين بارزين فيها، مثل المهندس يحيى عياش، ويصل مداه لـ250 كيلومتر، إضافة إلى صواريخ نسبت أسماؤها للقياديين رائد العطار ومحمد أبو شمالة، اللذين اغتالهما جيش الاحتلال في غارة شنها الطيران الحربي على مدينة رفح، جنوبي القطاع، خلال العدوان صيف سنة 2014.

وألحقت المقاومة الفلسطينية خلال الانتصار في معركتها، خسائر بشرية ومادية كبيرة بكيان الاحتلال الصهيوني لم يعترف بها، خاصة بعد أن وصلت صواريخ المقاومة إلى جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس.

وبحلول أول أيام العام الجاري، انطلق صاروخان من غزة وسقطا أمام شواطئ (تل أبيب)، ولم يعلن أي فصيل مقاوم مسؤوليته، في أول تطور عسكري يشهده العام الجديد، وقوبل بقصف صهيوني استهدف مواقع للمقاومة.

وتصاعدت العمليات البطولية ضد كيان الاحتلال ومستوطنيه في الآونة الأخير بشكل كبير وملحوظ.. حيث نُفذت منذ مطلع العام الجاري العديد من العمليات النوعية في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 والقدس المحتلة، أوقعت خسائر كبيرة في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين، بين قتيل وجريح، مقارنة بسنوات ماضية.

ومثل انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة حزب الله على العدو الصهيوني الذي صادف يوم الـ25 من مايو ذكراه ال22 محطة مضيئة للمقاومين في فلسطين المحتلة والذين تلقوا الرسالة بأنهم أمام عدو لا يفهم إلا لغة القوة ولا يُلقي بالا لأحد باستثناء من يؤمن بالمقاومة ويعي ثقافة العزة والتصدي.

كما مثل الانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة في لبنان  عام 2000 وعلى رأسها حزب الله بداية الطريق أمام عودة الفلسطينيين إلى أرضهم السليبة وأسّس لزمن الانتصارات التي حققتها المقاومة الفلسطينية والتي أنهكت العدوّ الصهيوني، وغيرت موازين القوى، وخلقت توازنات ردع جديدة في المنطقة.

ومن المؤكد أن الانتصار الكبير في لبنان عام 2000م والانتصارات التي تلته جاءت نتيجة تراكم نضال المقاومة على تنوعها ورسم مفاعيل كثيرة لاتزال قائمة حتى اليوم ومنه بدأ  المشوار الطويل نحو القدس عندما أثبتت المقاومة أنّها الوصفة الناجعة لتحرير الأرض من الاحتلال الغاشم.

كما ساهم انتصار مايو في تكريس معادلة ربط بين المقاومتان اللبنانية والفلسطينية والتان باتتا اليوم إلى جانب دول محور المقاومة تشكل خط الدفاع الأول الذي يحمي حقوق الأمة وفي المقدمة منها القضية المركزية فلسطين.

فقد تخرّج العديد من روّاد المقاومة الفلسطينية من مدرسة المقاومة اللبنانية، كما نشأ على وهج الأخيرة قادة فلسطينيّون يدركون عظمة لبنان ودوره في احتضان قضيتهم أولاً، ثم مقاومتهم، ثم انتفاضتهم المتواصلة حتى اليوم.

وفي متابعة دقيقة لمسار مواجهات المقاومة في فلسطين المحتلة مع العدو الصهيوني كان طيف حزب الله موجودًا بقوة في أغلب صور هذه المواجهات التي أكدت  قدرة مشروع المقاومة على مواجهة العدو وإجباره على الاندحار عن أراضٍ محتلة، من دون شروط أو تنازلات مجحفة، الأمر الذي يدلّل على أن مسار المقاومة الشاملة ضد العدو، وطريق الكفاح المسلح، قادران على تحقيق الهدف الاستراتيجي للأمة، وهو تحرير فلسطين وإلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني.

وخلال 22 عاماً من انتصار مايو تمكّنت المقاومة من بناء محور قوي في المنطقة على قاعدتين مركزيتين؛ الأولى، مقاومة الكيان الصهيوني كعدو استراتيجي مشترك يهدد مصالح كل أطراف المحور والمنطقة عموماً، والأخرى، تحرير فلسطين واستعادة بيت المقدس، كهدف استراتيجي موحد، باعتباره واجباً مقدساً للأمة جمعاء، وفي مقدمتها محور المقاومة.

ويرى محللون سياسيون أن نجاح المقاومة الفلسطينية بفرض معادلة جديدة مع الكيان الصهيوني، أعادت إلى الذاكرة معادلة “الردع” التي فرضتها المقاومة اللبنانية وأفضت إلى تحرير أجزاء من جنوب لبنان قبل 22 عاما.

ويقول المحللون إن تزامن ذكرى تحرير الجنوب هذا العام مع ذكرى انتصار غزة وصمود القدس المحتلة يزيد من فرحة اللبنانيين بعيد “المقاومة والتحرير”، ويحثهم على التمسك بخيار المقاومة للدفاع عن أرضهم وتحرير ما بقي منها محتلا.

ويؤكد المحللون أن “انتصار لبنان على الكيان الصهيوني وانسحاب جيشها من الجنوب، غيّر مسار تاريخ الصراع العربي- الاسرائيلي، وأرسى قواعد ومعادلات جديدة تقوم على توازن الردع والرعب مع العدو”.

وأضاف المحللون: إنه “ليس هناك فرقا بين مقاومة فلسطينية أو مقاومة لبنانية، ما دامت القضية والأهداف واحدة”.

وشددوا على أن المقاومة في لبنان وخلال 22 عاماً من التحرير، كتبت صفحات جديدة من الانتصارات والتي شكّلت الأرضية لبناء قدراتها ومراكمة معادلاتها وتمدّد جذورها الإقليمية لتنهض مع محور القدس وتشقّ صفحة الهزائم منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948 على أنقاض المدن الفلسطينية، رافعة شعار “إزالة إسرائيل من الوجود” .

وبحسب ما جاء على لسان الخبير العسكري الفلسطيني اللواء المتقاعد واصف عريقات، فإن إنجازات المقاومة الفلسطينية في العام الماضي تعد عوامل قوة لها، خاصة أنها جاءت مقابل إخفاقات صهيونية ترتبط بعدم تمكنها من تدمير قدرات المقاومة.

وأضاف عريقات: إن “المقاومة أرادت إيصال رسالة للاحتلال، مفادها أنها كما بدأت بالحجر والسكين والبالونات الحارقة، فإن صواريخها اليوم تضرب عمق الأراضي المحتلة مستهدفة مناطق حيوية بما يثبت إصرارها على مواصلة هذا الطريق”.

وتابع: بالتأكيد وصلت رسالة المقاومة لـ(إسرائيل) بشكل جيد وهي بداية تدل على أن هناك عزمًا وإصرارًا وإرادة عند الفلسطينيين لتطوير قدراتهم ومواجهة التفوق العسكري الصهيوني.

ويبدو أن كيان الاحتلال ذاهب نحو التصعيد حتى زواله، حيث رفعت المقاومة الفلسطينية حالة التأهب القصوى في أوساط مقاتليها، وكذلك كيان العدو الصهيوني، على خلفية السماح بمرور “مسيرة الأعلام” بباب العامود، ونشر الكيان المحتل منظومة القبة الحديدية قرب الحدود مع قطاع غزة تحسباً لرد فعل من المقاومة.

وتفصلنا 3 أيام فقط عن يوم الأحد المقبل، وهو اليوم المنتظر فلسطينياً وعربياً وحتى في داخل كيان العدو الصهيوني، فهو اليوم الذي حدده الكيان المحتل لمسيرة الأعلام الصهيونية التي سمح لها بالمرور من باب العمود في القدس المحتلة، وباتت فتيلاً لاشتعال المنطقة من جديد، بين تهديد المقاومة الفلسطينية وإصرار الاحتلال عليها، الأمر الذي ينذر بتصعيد جديد.

وفي هذا العام، يُصر كيان العدو الصهيوني على السماح بمرور “مسيرة الأعلام”، فيما أصدرت شرطة الاحتلال، أوامرها بحماية هذه المسيرة الاستفزازية، والاستعداد لها وتأمينها، والاستعداد لإخلاء المشاركين فيها في حال “احتمال إطلاق صواريخ نحو القدس”.

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني معاوية موسى في تصريح خاص لـ”وكالة فلسطين اليوم الإخبارية”: إن “الإصرار على إجراء ما يسمى “مسيرة الإعلام” في القدس، مؤسسي جداً ولا علاقة له بأي جانب شخصي، بل إن الكيان الصهيوني ينظر لكل هذه الأحداث باعتبارها تُشكل وعي العرب والفلسطينيين وصورتها الذهنية في ذلك الوعي، لذلك تنظر إلى ذلك باعتباره إخلالاً في موازين القوى وفرضاً لنوع من قواعد اللعبة الجديدة عليها تجعل المزيد والمزيد يتجرؤون عليها”.

وأوضح موسى أن الكيان الصهيوني يعيش على الردع وهو يدعي علناً أنه بفضل ذلك استطاع الوصول إلى التطبيع بدون أثمان سياسية، ولذلك سينظر إلى نفسه باعتباره بدأ يخسر.

الجدير ذكره أن الأوضاع والتطورات في مدينة القدس المحتلة متواصلة ومتلاحقة، ووتيرة التصعيد على أشدها ميدانياً وسياسياً وتهديدات وتهديدات مضادة، والصراع يزداد احتداماً على السيادة وهوية المدينة.. وأزمة سياسية عميقة تعيشها حكومة بينت، وهذه الأزمة هي تعبير عن أزمة نظام وليس أزمة حكومة مترنحة لن يطول عمرها.

وعلى ما يبدو أن حكومة الاحتلال وأجهزة أمنها بدأت تشعر بفقدان السيطرة على الوضع، وبأن هناك خطر وجودي يتربص بكيانهم المحتل من جنين إلى قطاع غزة فالضاحية الجنوبية وأصفهان، وتعالت أصوات اليمين وقوى “الداعشية” اليهودية التي تتهم الحكومة بالجبن والضعف أمام المقدسيين ومقاومة غزة وجنين.

ويشار إلى أن حكومة الإحتلال تعيش أزمة سياسية عميقة، وتقترب من السقوط، وسط تنامي للقوة “الداعشية” اليهودية، التي تسعى لجر المنطقة إلى صراع جوهره ديني وليس وطني سياسي وجودي.. يقابلها مقاومة فلسطينية، اختبرت جديتها وصدقيتها في مايو من العام الماضي وتدخلت لصالح القدس والأقصى وباب العامود والشيخ جراح، ونجحت في اعادة ربط الساحات الفلسطينية، وتوحد الشعب الفلسطيني في معركة مفتوحة عنوانها “القدس والأقصى”.

وهنا ينبغي إبراز العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها.. هل اقتحامات الصهاينة والصلوات التلمودية والتوراتية في الأقصى ستقود إلى معركة “سيف القدس 2″؟ وهل تهديدات قادة المقاومة الفلسطينية وقادة محور القدس، التي قالوا فيها بأن العبث بمصير القدس سيقود الى حرب إقليمية، وبأن زوال المقدسات الإسلامية والمسيحية سيؤدي إلى زوال دولة الاحتلال؟.

وعلى كل حال فكل التطورات والتوترات والتصعيد الحاصل في المنطقة والإقليم والعالم، تقول بأن لحظة الانفجار الكبرى باتت قريبة وتنتظر المفجر والصاعق، فهل ستكون القدس والأقصى هي المفجر والصاعق؟.

سبأ