السياسية :

موجة كبيرة من الانتقادات والجدل أثارها الروائي المصري علاء الأسواني (1957)، بعد إجرائه مقابلة مع إذاعة “غالي تساهال” التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي. صاحب “عمارة يعقوبيان” نفى أن تكون هذه المقابلة قد حصلت، لكن جوابه نفسه، في تغريدة في حسابه في “تويتر”، كان يحمل تأكيداً ضمنياً، ولو مواربة.

وقال الأسواني: “لم أدلِ بأيِّ حديث لأيِّ وسيلة إعلام إسرائيلية، والحديث الذي يتم تداوله أجريته مع وكيلي الأدبي في لندن (Charles Buchan) بمناسبة صدور الطبعة العبرية من رواية “جمهورية كأن”، وكان واجباً على أي صحافي إسرائيلي أن يشير إلى مصدر كلامي إذا نشره”.

لم يعطِ الأسواني تصريحات لوسائل إعلام إسرائيلية. هكذا قال، لكنَّه لم يجد مشكلة، وبشكل يشبه احتفالاً غير معلن، في التصريح لوكيله البريطاني بمناسبة صدور عمله العربي باللغة العبرية!

ترى ما الَّذي يدفع أديباً عربياً نُقلت أعماله إلى أكثر من 30 لغة، ونال عشرات الجوائز، أن يقبل بنقل أحد أعماله إلى لغة المحتل؟ ألا يعدّ الأمر تطبيعاً؟ من يحمي الناس من السقوط في التطبيع إذا كان مثقفوهم سقطوا قبلهم؟

يرى الأديب المصري أشرف الخمايسي (1967)، أن الأديب المصري والعربي: “إذا كان يدرك مهمته التنويرية والتوعوية، فهو ليس في حاجة إلى نقل أعماله إلى أي لغة أجنبية، فضلاً عن العبرية”.

وأضاف في حديث مع “الميادين الثقافية” أنَّ مصر إضافةً إلى جميع أوطاننا العربيّة، “هي التي تحتاج في الوقت الحالي إلى التنوير، وإلى زيادة مساحات الوعي، لا الغرب أو الشرق، ولا الكيان الصهيوني المحتل”.

وعلى الرغم من أن الترجمة المتعلقة بالإصدارات الأدبية هي “تبادل للإبداع الإنساني”، فإن على الأديب المصري أو العربي “تحاشي نقل عمله إلى اللغة العبرية تحديداً، لا اعتراضاً على العبرية لأنها عبرية، لكنَّ لأنها لغة كيان صهيوني محتل. إذ لا يمكن للأدب، الذي هو سعي أزلي أبدي إلى الحرية، أن يترجم إلى لغة كيان محتل، يخنق حرية أصحاب الأرض، بل على الأديب العربي والمصري ضمناً ألا يكتفي بتحاشي نقل أعماله إلى العبرية، بل أن يرفض أي دعوة إلى احتفالية ثقافية لن يستطيع تلبيتها إلا بموافقة جهة الاحتلال”.

لا يبرر صاحب “منافي الرّب” إجراء مقابلة مع أي محتل، “خصوصاً من يحتلون جزءاً من وطننا العربي”، وإن وجد البعض فيها “ساحة لإعلان الغضب من الممارسات الصهيونية”.

يقع على المثقف العربي مسؤولية كبيرة. أن يكون أكثر إخلاصاً وحرصاً على قضايا وطنه وأمته، من أي مواطن عادي يمكن أن يجد منفعة ما من التطبيع.

حول هذه النقطة يقول الخمايسي إن المثقف العربي لا يقع في التطبيع مع المحتل “إذا كان مؤمناً بدوره، ومستعداً لدفع ثمن القيام بهذا الدور”.

ولذلك فإنه يبدي أسفه من واقع المثقفين العرب ويعتبر أن “أهم أسباب انحدار العالم العربي كله هو المثقف العربي، لا كما يشاع من أسباب أخرى تتعلق بالدين والإرهاب، فالإرهاب عارض طبيعي جداً لمرض أصاب الثقافة العربية، سببه المثقف العربي الضعيف المناعة”.

ويضيف أن المثقف العربي بشكل عام “ترك مهمته الأصيلة وذهب يجري خلف مكتسبات مادية أو معنوية. المثقف العربي الآن يتاجر بالثقافة، مثل الشيخ أو الكاهن المتاجر بالدين، ومثل السياسي المتاجر بهموم الوطن. الفرق بين الثلاثة، بخصوص جريمة المتاجرة بالمبادئ، أن المثقف هو الوحيد الذي إذا صلح صلح رجل الدين ورجل السياسة، وإذا فسد فسد بعده كلّ شيء”.

قالت إذاعة جيش الاحتلال إن الأسواني كشف خلال المقابلة عن تفاصيل روايته الجديدة التي تدور أحداثها في الإسكندرية خلال خمسينيات القرن الماضي، بالتزامن مع انتهاء الحقبة الملكية وبداية الحكم العسكري بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وما طرأ على مصر من تغيرات خلال تلك الفترة.

ونقلت الإذاعة عن أسواني الذي تحدث عن حكم عبد الناصر قائلاً إنه: “تم زرع كراهية الأجانب وطرد المصريين من أصول أوربية ممن عاشوا في الإسكندرية، حتى شعروا بأنهم ليسوا مصريين وأجبر بعضهم على النفي خارج مصر”.

لماذا ينبش الأسواني في الماضي؟ لماذا يسعى إلى تحطيم صورة عبد الناصر وهو الذي ترسّخ في خيال شعوب المنطقة كزعيم تحرير ومواجهة ضد الاحتلال؟ علماً أنه أعلن غير مرة إيمانه بأن الثورة المصرية لم تنتهِ. ألم يكن من الأجدى له الالتفات إلى الحاضر لإصلاحه وتجاوزه إلى مستقبل أفضل؟

يقول الأديب الخمايسي إنه: “إذا كانت علاقة بين الشقّ الأول من السؤال وشقه الثاني، فأتخيلها رواية، مثلاً، يكتبها الأسواني عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فأظنّ أنّ الأسواني يتناول فيها الماضي كي يسقطه على الحاضر. ربما وجد في الحقبة الناصرية ما يمكن مقارنته، في جانب أو أكثر من جوانبه، بالحقبة السيساوية”.

ويتابع: “أما عن قضية “النبش في الماضي” عموماً، فهي ربما وسيلة من وسائل محاولة الارتكاز والثبات في زمن الزلازل، عندما يتعرض حاضرك ومستقبلك لمحاولة إزالة فتتشبث بالماضي، وتستلهم منه قواك الروحية. وربما يكون النبش في الماضي هو بناء منصة غرضها الهجوم على سلبيات حاضرة لا يستطيع الأديب تناولها بحرية”.

* نقلا عن :الميادين نت