أظهر تنحي هادي الطموحات الحقيقية للسعودية في اليمن
السياسية :
أحمد عبد الكريم*
إن النهاية الهادئة لعهد هادي بعد عقد من خدمة المصالح الأمريكية والسعودية, لا تلغي التبرير القانوني للحرب بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة فحسب، بل تعزز الاعتقاد الراسخ بين الكثيرين في الشرق الأوسط بأن القوى الغربية لم تكن أبداً مهتمة بالديمقراطية.
صنعاء، اليمن- ربما في أهم تغيير سياسي منذ عام 2015، تخلت السعودية وحلفاؤها الغربيون أخيراً عن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وأطاحوا به.
في 7 أبريل، استخدم هادي سلطته الرئاسية لتوقيع السلطة على هيئة من ثمانية رجال تُعرف رسمياً باسم مجلس القيادة الرئاسي.
أطلق التحالف الذي تقوده السعودية حملته العسكرية الوحشية في اليمن في عام 2015 لإعادة هادي إلى السلطة بعد الإطاحة به في أعقاب الاحتجاجات الشعبية خلال الربيع العربي في اليمن.
لطالما كان يُنظر إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، على أنه القوة الحقيقية وراء هادي، الذي أُجبر على حكم اليمن غيابياً من الرياض لمدة ثماني سنوات.
قدم بن سلمان مشهداً علنياً للغاية لإسقاط هادي، حيث أقال هادي نائبه، علي محسن الأحمر، ثم قام بتسليم جميع صلاحياته إلى المجلس الرئاسي الجديد.
كانت الكوريغرافيا مشابهة لتلك التي قدمها رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري عندما أجبر على الاستقالة في نوفمبر 2017 في بيان بث عبر قناة تلفزيونية سعودية.
قال هادي وهو يقرأ بياناً مكتوباً في خطاب متلفز: “أنا أفوض هذا المجلس الرئاسي بكامل صلاحياتي”.
طلب موقع مينتبرس نيوزمن المواطنين اليمنيين وصناع القرار الرد على الأخبار التي تفيد بأن “رأس الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً” لم يعد في السلطة وما يمكن أن يعنيه ذلك لمستقبل البلد الذي مزقته الحرب.
قال فضل عباس، الباحث اليمني الذي فقد نجله في الحرب، عن النبأ:”أثبت التخلص من هادي لنا أن قيمة الرئيس كرئيس كانت فقط لتوفير الغطاء لأنه دمر بلده بنفسه عبر خدمة مصالح التحالف الذي تقوده السعودية وعندما سئم السعوديون من هادي، قاموا ببساطة باستبداله، بغض النظر عن شرعيته”.
في الواقع، احتفل غالبية اليمنيين في جميع أنحاء البلد بإزاحة هادي، حيث سخروا منه على نطاق واسع باعتباره دمية سعودية.
في صنعاء وعبر الامتدادات الشمالية للبلد التي يسيطر عليها تحالف أنصار الله، احتفل الناس بالأخبار باعتبارها انتصاراً لحركة المقاومة التي يقودها أنصار الله في اليمن.
أنصار الله لا يرون فقط هادي كخائن أيد غزو بلده وتسبب في تدميرها، لكنهم يعتقدون أيضاً أن نهايته كانت مدفوعة بهجمات أنصار الله الأخيرة على منشآت النفط السعودية.
يعتقد البعض أن توقيت الإطاحة بهادي قد يكون علامة على أن المملكة تزداد إحباطاً لأنها فشلت في إظهار أي عائد حقيقي لاستثماراتها الضخمة في الجماعات اليمنية التي تعمل بالوكالة والتي فشلت ليس فقط في تأمين الأرض في اليمن ولكن حتى في منع الهجمات المكلفة على المملكة نفسها.
حتى أولئك الذين دعموا هادي وصوتوا له في عام 2012، وما زالوا يعتبرون أنفسهم حلفاء للسعودية، أشادوا بإقالة هادي.
هم يرون في هذه الخطوة, خطوة لإعادة ترتيب وتنظيم صفوف القوى المناهضة لأنصار الله، وكما وصفها أحدهم “أخطر محاولة منذ سنوات لحل أسباب الانقسام الداخلية والخارجية التي عطلت سياسات الحكومة وأدائها”.
في الأيام الأولى للحرب، كانت السعودية قادرة على إرجاع فشلها العسكري والسياسي إلى هادي, حيث ألقوا باللوم عليه علانية في انتصارات “الحوثيين” والانقسامات الحادة في صفوف مجموعته ومجموعات المرتزقة.
والآن يأملون أن يتمكن المجلس الرئاسي الجديد من تغيير ميزان القوى على الأرض لصالح المملكة.
مع ذلك، فقد أدان آخرون الحكومة السعودية لإجبارها هادي على التخلي عن منصبه، وخاصة أعضاء حزب الإصلاح المدعوم من الإمارات، وهو فرع من جماعة الإخوان المسلمين ومقره اليمن.
قالت العضو في حزب الإصلاح، توكل كرمان، الناشطة اليمنية المعروفة والحائزة على جائزة نوبل، إن شرعية الحرب السعودية انتهت بإقالة هادي.
لم يُحرم الإصلاح من الحصول على مقعد في مجلس قيادة الرئاسة فحسب، بل خسر حليفاً مهماً, نائب الرئيس الأحمر.
إذا كان هناك جانب واحد من جوانب الإطاحة المهينة بهادي والذي يبدو أن جميع المصالح السياسية اليمنية التي لا تعد ولا تحصى تتفق عليه، فهو أن هادي، كمواطن يمني، لم يكن يجب أن يتعرض أبداً لهذا النوع من الإذلال العلني الذي واجهه على يد النظام الملكي السعودي.
بطريقة سعودية جوهرية، جاءت تنحي هادي بتدفق نقدي, على وجه التحديد:
– 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد “اليمني الذي مزقته الحرب”.
– 2 مليار دولار منها ستأتي من الرياض ومليار دولار من الإمارات.
وبحسب مصادر سعودية، فإن الأموال تهدف إلى “توحيد الجيش، وتحديث عقيدة القتال، وإنهاء الانقسامات داخل القوات، ومكافحة الإرهاب، وإقرار الاتفاقات دون موافقة مجلس النواب”.
بعبارات واضحة، يمثل النقد محاولة لتعويض أي خسارة في النفوذ نتيجة عزل هادي من خلال التأكيد على أن أي معارضة لأنصار الله تظل ممولة تمويلاً جيداً وقابل للحياة، وهي وسيلة تحوط أخيرة ضد النمو غير المقيد لأعداء المملكة في اليمن.
أحدث دمية:
تم اختيار رشاد العليمي لرئاسة مجلس القيادة الرئاسية، وهو بديل هادي الفعلي، وينظر معظمهم إليه على أنه تابع آخر للنظام السعودي.
أقام العليمي، وزير الداخلية السابق، علاقة عمل وثيقة مع كل من الحكومتين السعودية والأمريكية ودافع عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي خطوة عارضتها بشدة الغالبية العظمى من المواطنين اليمنيين.
خلال محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة عام 2014، كان العليمي الصوت الوحيد في وفد اليمن الموافق على اقتراح يقنن الوجود العسكري الأمريكي في اليمن.
يمثل الأعضاء السبعة الآخرون في المجلس مصالح متنوعة في التحالف اليمني المناهض لأنصار الله، بما في ذلك قادة الميليشيات المتحالفة مع السعودية ورؤساء المحافظات مثل محافظ مأرب سلطان العرادة وقائد كتائب العمالقة عبد الرحمن أبو زرعة.
وأوضحت جماعة أنصار الله رفضها لشرعية المجلس، معتبرة أن تشكيله في الرياض غير شرعي ومخالف للدستور اليمني, بحسب ما قال محمد عبد السلام، كبير مفاوضي أنصار الله, هذه الإجراءات التي يتخذها تحالف العدوان لا علاقة لها باليمن ولا بمصالحة البلد ولا علاقة لها بالسلام, بل إنه يدفع باتجاه التصعيد من خلال إعادة تجميع الميليشيات المتصارعة المتناثرة في إطار واحد يخدم مصالح الخارج ودول العدوان.
وعند الضغط على شرعية تشكيل المجلس، أضاف عبد السلام: إجراءاتها ليس لها شرعية وتصدر عن جهة غير شرعية وليست لها أية سلطة لا دستورية ولا قانونية ولا حتى شعبية, صدرت خارج اليمن شكلا ومضمونا. الشعب اليمني غير معني بما يقرره الخارج في شؤونه الداخلية”.
هز الفريق السعودي
تأتي الهزة السياسية الكبرى وسط هدنة هشة ومخالفة في كثير من الأحيان، وهي تتجه ظاهرياً نحو التقارب مع أنصار الله مع تقدم الجماعة، وفي أعقاب حملة لإلحاق الضرر الاقتصادي بالمملكة من خلال استراتيجية استهداف احتياطياتها النفطية.
وبحسب هادي، فإن “المجلس سيكلف بالتفاوض مع الحوثيين من أجل وقف دائم لإطلاق النار”.
يرى الكثيرون في اليمن أن البيان ليس أكثر من مجرد تغيير في الوجه، ويرون أن تشكيل المجلس الرئاسي في السعودية تحت إشراف الولايات المتحدة مؤشر على دافع خفي ومحاولة لإعادة تنظيم الأحزاب التي لا تعد ولا تحصى.
كانت تلك الأحزاب في حالة من الفوضى مع دخول الحرب عامها السابع، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق أهدافه المتباينة في كثير من الأحيان.
ويشير أنصار الله إلى تعيين العليمي رئيساً للمجلس كدليل على أهدافه الحقيقية, العليمي وزير الداخلية السابق معروف بكونه خبير أمني وعسكري وله معرفة وثيقة بالمواقع الأمنية والعسكرية التي سقطت في أيدي أنصار الله بعد الإطاحة بهادي عام 2015, اتهم أنصار الله العليمي بتزويد السعوديين بإحداثيات لهذه المواقع منذ بداية الحرب.
علاوة على ذلك، يلاحظ المراقبون أنه نظراً لأن المجلس يتكون من قادة حرب متنافسين لديهم أهداف سياسية متعارضة في كثير من الأحيان، فمن المحتمل أن يكون لديهم القليل من القوة المتبقية.
في الواقع، عيدروس الزبيدي، أحد أعضاء المجلس الثمانية، هو من أشد المدافعين عن انفصال جنوب اليمن ويصف نفسه كرئيس لدولة جنوبية مستقلة.
تشير المؤشرات على الأرض إلى أنه بعيداً عن التوسط في السلام، من المرجح أن يكون الإجراء الأول للمجلس تصعيداً للعنف.
أعلن المجلس، حشد مقاتلين في عدد من المواقع العسكرية الخاضعة لسيطرة التحالف بقيادة السعودية في جنوب اليمن وتتزامن هذه الجهود مع انطلاق دوريات بحرية أمريكية في البحر الأحمر.
من جانبها، اعتبر أنصار الله الحشد دليلاً على أن المجلس لم يهتم أبداً بالسلام, وأضاف أن التحرك الأمريكي في البحر الأحمر في ظل هدنة إنسانية وعسكرية في اليمن يتناقض مع ادعاء واشنطن بأنها تدعم الهدنة.
كتب المتحدث الرسمي باسم جماعة أنصار الله ورئيس المفاوضين اليمنيين محمد عبد السلام على تويتر ” تسعى لإدامة حالة العدوان والحصار على اليمن”.
ألم يكن دعم هادي مبرر الحرب؟
الانقلاب على هادي – الذي لطالما وصفه الرياض والقادة الغربيون بأنه الرئيس الوحيد “الشرعي” لليمن – وإنشاء مجلس حكم من قبل دولة أجنبية لا ينتهك فقط الديمقراطية والسيادة الوطنية لليمن وكرامته، بل يشكلان أيضاً انتهاكات مباشرة لدستور اليمن.
صرح خبراء قانونيون يمنيون لموقع منتبرس أنه، دستورياً، كان من المفترض أن يقدم هادي استقالته إلى مجلس النواب, وبعد قبولها، تعتبر استقالته صحيحة، وبالتالي يتم اختيار رئيس جديد من قبل البرلمان في حالة عدم إمكانية إجراء الانتخابات بسبب الحرب.
إذا كان الدفاع عن الديمقراطية هو الهدف الحقيقي، كان على الولايات المتحدة وحلفائها الرد على ملايين المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بإقالة ومحاكمة هادي قبل أن تتحول البلد إلى حرب وتزهق أرواح الآلاف من الأبرياء، فقط كما فعلوا في أوكرانيا عام 2014, وفي العديد من البلدان الأخرى التي شهدت انتفاضات شعبية خلال الربيع العربي.
أعرب العديد من اليمنيين الذين تحدثوا لنا, ازدرائهم للقادة والحكومات الغربية لغضهم الطرف عن السياسات السعودية، ووصفوا ما يرون أنه نفاق أمريكي لدعم التشكيل غير الديمقراطي لمجلس القيادة الرئاسي غير المنتخب، والذي أشاروا إلى أنه لا يمثل شريحة كبيرة من سكان اليمن.
وأعرب آخرون عن الازدراء للدول الغربية لإطالة أمد الحرب بتسليح التحالف الذي تقوده السعودية وفشلها في محاسبتها دبلوماسياً على انتهاكاتها العديدة لحقوق الإنسان.
ملايين الأطنان من الذخائر التي ألقيت على اليمن بحجة استعادة شرعية هادي أعادت البلد مائة عام إلى الوراء وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث سقط مئات الآلاف من الضحايا المدنيين.
إن النهاية الهادئة لعهد هادي بعد عقد من خدمة المصالح الأمريكية والسعودية لا تلغي التبرير القانوني للحرب بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة فحسب، بل تعزز أيضاً الاعتقاد الراسخ بين الكثيرين في الشرق الأوسط بأن القوى الغربية لم تكن مهتمة بالديمقراطية.
وبدلاً من ذلك، فإنهم يؤججون الحرب، ويستخدمون رؤساء الدول كحجة للحرب، ثم يتخلون عنهم عندما لا يعودون صالحين.
حذر المحللون السياسيون الذين تحدثوا الينا, بمن فيهم الصحفي اليمني أحمد القنطاس، من أن الرئيس الأوكراني فولوديميرزيلينسكي يجب أن يأخذ مصير هادي كدرس.
تخليد تاريخ مضطرب
وصل هادي إلى السلطة في 12 فبراير في استفتاء كان هو المرشح الوحيد فيه, لم يكن الهدف من هذه الخطوة، التي جاءت كجزء من “مبادرة الخليج” المسماة على نحو ملائم، إبراز هادي كمرشح شرعي بحد ذاته، بل كان هدفاً مفيداً لقمع انتفاضات الربيع العربي الشعبية في عام 2011, التي دعت إلى إنهاء الوصاية الأجنبية.
خلال احتجاجات عام 2011، لم تجد السعودية نفسها في مأزق عند البحث عن حلول وبدائل لحكم الرئيس علي عبد الله صالح فحسب، بل وجدت نفسها أيضاً في مواجهة صعود حركات مقاومة شعبية مختلفة, لاسيما أنصار الله.
قبل توليه منصبه، كان هادي معروفاً لدى المملكة بأنه رجل ضعيف سياسياً في حد ذاته، ومكلفاً فقط بإتباع البروتوكول وأقل جاذبية من صالح، وله تاريخ ثري من العمل ضد مصالح بلده.
علاوة على ذلك، شغل منصب نائب رئيس أركان القوات المسلحة في جنوب اليمن أثناء اندلاع الحرب الأهلية عام 1986، وهو قريب من السفراء الأجانب ووكالات المخابرات الأجنبية.
هرب علي ناصر محمد إلى صنعاء مع آلاف الموالين ومن بينهم هادي, في الحرب الأهلية في مايو 1994، تم القضاء على معظم القادة السياسيين والعسكريين الفعالين في المنطقة في الجنوب وتم تأمين السلطة من قبل حكومة صنعاء.
اعتمد صالح على العديد من البقايا المهزومة في الحرب الأهلية عام 1986، بما في ذلك هادي، لتأمين السلطة على الجماعات المضطربة.
في أكتوبر 1994، تم تعيين هادي نائباً للرئيس، حيث يُنظر إليه على أنه لا يشكل تهديداً يُذكر للسلطة المطلقة للرئيس ووسيلة مفيدة لضمان شعور النخب الجنوبية المضطربة بأنها ممثلة.
ظل يخدم بصمت في الظل لمدة 18 عاماً كنائب للرئيس صالح قبل أن يدفعه النظام السعودي إلى دائرة الضوء.
يلعب مجلس القيادة الرئاسي ظاهرياً نفس الدور، فهو غير قادر أو غير راغب في التعلم من أخطاء هادي السياسية.
خلال فترة وجودهم القصيرة في السلطة، لم يمكّنوا السعودية فقط في جهودها لتأمين السيطرة السياسية على اليمن، ولكنهم انتهزوا بالمثل، دون ندم أو رغبة في وضع مصالح بلدهم أولاً.
- ( موقع “مينتبرس نيوز” الأمريكي- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
- المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع