السياسية:

ودع الفلسطينيون في مدينة جنين بمشاركة العشرات من الصحفيين اليوم الأربعاء، الشهيدة الإعلامية شيرين أبو عاقلة التي ارتقت برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتها لاقتحامه مخيم جنين.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا” بأن موكب وداع الشهيدة انطلق من أمام مستشفى ابن سيناء في جنين بالضفة الغربية المحتلة وجاب شوارع المدينة ومخيمها.

ورفع المشيعون جثمان الشهيدة أبو عاقلة على الأكتاف، ملفوفًا بالعلم الفلسطيني، ثم أقيمت عليها الصلاة في ساحة دير اللاتين في جنين، قبل أن تلقى نظرة الوداع الأخيرة عليها.

ووفق مراسل “العربي” فإن حالة من الصدمة سادت مدينة جنين جراء استهداف قوات الاحتلال للإعلامية شيرين أبو عاقلة والصحفي علي السمودي أثناء تغطيتهما للأحداث في جنين.

“تهتك كامل في مادة الدماغ”..

كشف مدير المعهد العدلي في جامعة النجاح الوطنية، بمدينة نابلس ريان العلي، أن مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، أُصيبت برصاصة قاتلة في الرأس، أدت إلى “تهتك في الدماغ وعظام الجمجمة”.

وأضاف العلي، خلال مؤتمر صحافي بعد إجراء تشريح أوليّ لجثمان أبو عاقلة في المستشفى أن: “الإصابة واسعة، ويوجد تهتك كامل في مادة الدماغ وعظام الجمجمة، أُصيبت برصاصة قاتلة وتم التحفظ على مقذوف مشوّه وستتم دراسته مخبريًا”.

وتابع: “انتهينا حاليًا من المرحلة الأولى وهي تشريح الجزء المهم وهو رأس الشهيدة، حيث أن الإصابة المباشرة كانت في الرأس”.

وأوضح أن الجثمان حوّل للتشريح بأمر من النائب العام “للوقوف على السبب المباشر للوفاة، ومحاولة إيجاد أي أدلة لربطها بالجهة المسؤولة عن استشهاد أبو عاقلة”.

“سلاح ذو سرعة عالية”

وأشار العلي إلى أن إطلاق النار “تم من مسافة أبعد من متر، ولا يوجد أدلة أن الإطلاق كان أقرب من متر”.

وقال إن نوع الرصاصة “متروك للمختبر الجنائي”، لافتًا إلى أن “السلاح المستخدم، ذو سرعة عالية جدًا”.

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية، أعلنت أن الصحافية أبو عاقلة، قُتلت، صباح الأربعاء، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، في مدينة جنين”.

وكان علي السمودي، وهو صحافي فلسطيني يعمل مع الجزيرة أصيب اليوم بجانب أبو عاقلة، أكد أن قوات العدو الإسرائيلية “فتحت النار فجأة” عليهم خلال العملية.

وأضاف أثناء علاجه في مستشفى في جنين: “أطلقوا النار علينا، ما طلبوش نطلع، ما طلبوش نوقف، أطلقوا النار علينا، طلقة أصابتني والطلقة الثانية أصابت شيرين، قتلوها بدم بارد”.

* من هي شيرين أبو عاقلة؟

 

ولدت شيرين أبو عاقلة في يناير/ كانون الثاني عام 1971 في القدس، وتخرجت من مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا في مدينة القدس، وتحمل الجنسية الأمريكية.

درست في البداية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن، ثم اتجهت بعد ذلك إلى الدراسة الصحفية، حيث حصلت على بكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك الأردنية، وكان تخصصها في الصحافة المكتوبة.

عادت أبو عاقلة بعد تخرجها إلى الأراضي الفلسطينية، وعملت في عدة هيئات إعلامية من بينها إذاعة صوت فلسطين وقناة عمّان الفضائية، ثم انتقلت في 1997 إلى العمل بقناة الجزيرة الفضائية بعد عام من انطلاقها، حيث كانت من الرعيل الأول لمراسليها الميدانيين.

قامت أبو عاقلة بتغطية الكثير من فصول النزاع الصهويني ـ الفلسطيني في الأراضي المحتلة على مدى ربع قرن.

وفي حديث سابق لشبكة الجزيرة، قالت أبو عاقلة إن سلطات العدو الإسرائيلية دائما ما كانت تتهمها بتصوير مناطق أمنية، وأضافت أنها كانت تشعر باستمرار بأنها مستهدفة وأنها في مواجهة قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين المسلحين.

قامت أبو عاقلة بتغطية أحداث الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت في عام 2000، والاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين وطولكرم عام 2002، والغارات والعمليات الصهونية المختلفة التي تعرض لها قطاع غزة.

كانت أبو عاقلة أول صحفية عربية يسمح لها بدخول سجن عسقلان في عام 2005، حيث قابلت الأسرى الفلسطينيين الذين أصدرت محاكم إسرائيلية أحكاما طويلة بالسجن في حقهم.

وروت أبو عاقلة أن من أكثر اللحظات التي أثرت فيها هي زيارة السجن والاطلاع على أوضاع أسرى فلسطينيين، بعضهم قضى ما يربو على 20 عاما خلف القضبان.

بعد تحسن العلاقات القطرية-المصرية والسماح لقناة الجزيرة بالعودة إلى القاهرة، اختارت قناة الجزيرة أبو عاقلة لتكون أول من يفتتح بثها المباشر من هناك في يوليو/تموز الماضي.

وفي فيديو ترويجي بثته الجزيرة في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيسها ال25، قالت أبو عاقلة: “اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان. ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم…أنا شيرين أبو عاقلة”.

* ادانات عربية ودولية

وفي هذا الصدد، اعتبرت دولة الكويت أن هذه الجريمة النكراء، التي تتحمل سلطات الاحتلال مسؤولياتها كاملة، تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وتعديًا سافرًا على حرية التعبير والإعلام.

بدوره، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي أبرق إلى نظيره الفلسطيني محمود عباس معزيًا، إن “الاحتلال الإسرائيلي يضيف بجريمة قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، إلى تاريخه الدموي فصلًا جديدًا من التعسف والاعتداء والاستهتار بالحياة والعدالة”.

من ناحيته، شدد وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، فيصل الشبول لوكالة “بترا”، على أن هذه الجريمة تشكل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، وللمواثيق والأعراف الدولية، التي تنص على وجوب حماية الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك من أجل حماية الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام.

أما وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، فاعتبرت أن اغتيال أبو عاقلة بالرصاص الحي على مرأى ومسمع العالم أجمع، يشكل إخراسًا لصوت الحق ولصوت الضحايا ولصوت المرأة العربية الشجاعة التي لطالما كانت تؤمن بدور الصحافة الحرة، وخرقًا علنيًا للمواثيق والأعراف الدولية وحقوق الإنسان”.

وكانت الخارجية القطرية قد اعتبرت اغتيال أبو عاقلة “جريمة شنيعة وانتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي، وتعديًا سافر على حرية الإعلام والتعبير”.

ودعت قطر “المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لمنع سلطات الاحتلال من ارتكاب المزيد من الانتهاك لحرية التعبير والمعلومات، واتخاذ كل الإجراءات لوقف العنف ضد الفلسطينيين والعاملين في وسائل الإعلام”.

وفي السياق ذاته، أدانت وزارة الخارجية اليمنية في حكومة صنعاء اغتيال أبو عاقلة، معتبرة أن ذلك يمثل “أحد أشكال ممارسة التصفيات والقتل خارج القانون”.

شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة

 

بدوره، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أن ما حدث جريمة بشعة في حق الصحافة وحرية الإعلام لا ينبغي السماح بمرورها مرور الكرام، ما يستوجب تحقيقًا شاملًا.

ورأى أن الجريمة ليست مستغربة على الاحتلال، الذي درج على ألا يعبأ بأية معايير لاحترام حقوق الإنسان، ويسعى إلى إسكات الصوت الفلسطيني، محملًا الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن هذه الجريمة المُفجعة. وشدد على ضرورة معاقبة مرتكبيها الآثمين.

واعتبرت منظمة التعاون الإسلامي، اغتيال أبو عاقلة “انتهاكًا واضحًا للقوانين والأعراف الدولية يستدعي التحقيق الفوري والمحاسبة”.

ولفتت إلى أنه “يأتي في سياق الانتهاكات الصهونية لحرية الصحافة والإعلام، ضمن سياستها الهادفة إلى مصادرة الحقيقة وتكميم الأفواه والتغطية على انتهاكاتها اليومية، ومنع إيصالها إلى الرأي العام العالمي”.

وأعرب الناطق الرسمي للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لويس ميغال بوينو، عن صدمته جراء استشهاد أبو عاقلة، وطالب بفتح تحقيق “مستقل وسريع”.

وقال في تغريدة: “لقد صدمنا بمقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة أثناء تأديتها لعملها في تغطية التوغل الإسرائيلي في جنين. نعرب عن خالص تعازينا لعائلتها وندعو إلى إجراء تحقيق مستقل وسريع لتقديم الجناة إلى العدالة”.

وفي السياق ذاته، دعا مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند إلى إجراء تحقيق “فوري وشامل” ومحاسبة المسؤولين. وأكد أنه “لا ينبغي أبدًا استهداف العاملين في وسائل الإعلام”.

وقدم ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين سفين كون فون بورغسدورف، خلال زيارة تضامنية لمكتب قناة الجزيرة في مدينة غزة، تعازيه لأصدقاء وعائلة شيرين ولكل من عرفها وتعامل معها.

وكان السفير الأميركي لدى دولة العدو الإسرائيلي توم نايدز قد كتب على تويتر: “نشعر ببالغ الأسف لسماع نبأ وفاة الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة”. وحث على “إجراء تحقيق شامل بشأن ملابسات وفاتها، وإصابة صحافي آخر على الأقل اليوم في جنين”.

كما قال متحدث باسم السفارة الأميركية في القدس إن أبو عاقلة غطّت قضايا في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية لأكثر من عقدين، “وتحظى باحترام عميق بين الكثير من الفلسطينيين وغيرهم في أنحاء العالم”.
من ناحيتها، اعتبرت منظمة التعاون الإسلامي، اغتيال أبو عاقلة “انتهاكًا واضحًا للقوانين والأعراف الدولية يستدعي التحقيق الفوري والمحاسبة”.