حافظوا على ثروات أحفادهم ..كيف نجحت النرويج في الحفاظ على عائدات النفط والغاز
السياسية:
متكئة على أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم، تعدُّ النرويج سادس أسعد دولة على وجه الأرض، وعاشر أغنى دولة في العالم، بعدما تخطَّت قيمة صندوقها الاستثماري السيادي عتبة 1.4 تريليون دولار، فكيف تحقَّقت لها هذه الثروة، وكيف استفاد منها المواطن النرويجي العادي؟ ومن هو المهندس العراقي الذي أسهم في كتابة هذا النجاح؟
*النفط وما أدراك ما النفط!
شكَّل اكتشاف النفط والغاز في أوائل السبعينيات معجزةً للدولة المنهكة اقتصادياً بعد الحربين العالميتين، ولكنَّها أدركت مخاطر اللعنة التي قد تصيبها نتيجة لهذه الثروة الطبيعية، فإما أن يتزعزع اقتصادها نتيجة مصدر الدخل المفاجئ والمتقلب -وربما المحدود- أو تخسر كل إمكانيات هذه الثروة، بسبب سوء الإدارة والفساد، أو حتّى سوء التصرُّف مع الثروة المفاجئة، وخلق شرخ كبير بين طبقات المجتمع.
لكنّ المفاجأة بعد 5 عقود من افتتاح عهد إنتاج وتصدير الطاقة، أنّ النرويج هي الدولة الأوروبية الوحيدة على لائحة أكبر 5 صناديق سيادية في العالم، إذ تتركز الثروات الأخرى في آسيا ودول عربية نفطية.
بحسب منتدى الاقتصاد العالمي، فإن أكبر 5 صناديق سيادية في العالم، حتى يناير/كانون الثاني 2021، على النحو التالي:
هذه الثروة الطبيعية جعلت النرويج ثالث أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا وقطر. ويغطِّي إنتاجها ما يقرب من 3% من الطلب العالمي ونحو 25% من حاجة دول الاتحاد الأوروبي.
فكيف نجحت النرويج في إدارة هذه الثروة المفاجئة؟ وكيف ضمنت مستقبل الأجيال القادمة، كل هذا شارك فيه وخطَّط له مهندس عراقي.
لنعُد قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى حقبة الستينيات.
*كيف كانت النرويج قبل النفط؟
بعد الحرب العالمية الثانية وفي خِضَمّ تعافيها من الدمار الذي تسبب به النازيون إلى جانب انخفاض الطاقة الإنتاجية وانتشار البطالة، واجه النرويجيون ظروفاً اقتصادية ومعيشية حالكة.
ركزت الدولة جهود إعادة الإعمار على قطاعات الصيد والزراعة والصناعة الثقيلة وتحديداً الألومنيوم، فبدأ اقتصادها يتعافى رويداً.
وضمن جهود ومحاولات نهضتها، انضمَّت النرويج إلى نظام بريتون وودز وصندوق النقد والبنك الدولي، وأصبحت عضواً في الناتو والأمم المتحدة. كما انضمت إلى منطقة التجارة الحرة الأوروبية وربطت عملتها بالدولار الأمريكي، كما فعلت العديد من الدول الغربية الأخرى بعملاتها.
يطلق على السنوات من 1950 إلى 1973 اسم “العصر الذهبي” للاقتصاد النرويجي، إذ أظهر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي معدّل نمو سنوي قيمته 3.3%.
ولكن رغم ذلك، كان هذا المعدل أقل من معدلات النمو في معظم الدول الأوروبية المجاورة، وكانت الدولة تعمل جاهدة لتأمين فرص العمل والحد من البطالة واللحاق بركاب تعافي القارة العجوز.
*الذهب الأسود يقلب الموازين
في أكتوبر/تشرين الأول 1962، كانت النرويج على موعدٍ مع مفاجأةٍ ستقلب حسابات الدولة التي يبلغ عدد سكانها 3.6 مليون نسمة فقط آنذاك.
قدمت شركة فيليبس بتروليوم Phillips Petroleum الأمريكية طلباً للحكومة النرويجية لبدء عمليات التنقيب عن النفط في البحر.
لم تتوقع النرويج في ذلك الوقت وجود النفط لديها أصلاً، ولم تكن هناك هيكلية لتنظيم منح امتيازات النفط للشركات المُنَقِّبَة، ولم تملك حتى حدوداً بحرية واضحة مع جيرانها.
كانت قيمة العرض المُقدَّم من شركة فيليبس 160 ألف دولار تُدفع شهرياً للدولة مقابل الحصول على رخصة للتنقيب. قرأت الحكومة في العرض محاولةً للاستحواذ على حقوق التنقيب، لذا لم يكن من الوارد تسليم الجُرف القاري النرويجي بأكمله لشركةٍ واحدة. فإذا كان عهد استكشاف النفط سيبدأ، فليتنافس المتنافسون.
طلبت الحكومة النرويجية من شركة فيليبس الانتظار، وفي هذه الأثناء بدأت مفاوضاتها على حدودها البحرية مع جيرانها.
لكن حتى بعد ترسيم الحدود في عام 1965، كان من الأسهل اتباع خطوات الدنمارك على سبيل المثال، ومنح حقوق التنقيب لشركةٍ أجنبية واحدة، لكن عندما اكتُشِفَ حقل إيكوفيسك الضخم في عام 1969، قررت النرويج أن تسلك الطريق الأطول ولكن الأضمن.
لم تكن في عجلةٍ من أمرها لاستغلال الثروة المفاجئة، وقرّرت أن تفعل ذلك بشروطها الخاصة، وبما يخدم مصالح شعبها.
كانت هذه النية حاسمة لدرجة أن مشروع القانون الذي أُقِرَّ بموافقة جميع الأحزاب السياسية حدّد ما سمّاه “وصايا النفط العشرة”، قبل أن يتم تكريسه لاحقاً فيما سيصبح “قانون البترول النرويجي”.
*نعم لتنقيب الشركات الأجنبية.. ولكن بشروط
وبطبيعة الحال، كانت أولى الخطوات هي إنشاء شركة نفط خاضعة لسيطرة الدولة تسمى Statoil وذلك في عام 1972.
ومع توفُّر الامتيازات البحرية الجديدة، مُنحت Statoil بشكل تفضيلي أكبر حصص ملكية في أكثر المناطق الواعدة، كما أعفيت الشركة من المساهمة في تكاليف الاستكشاف، والتي مُوِّلت من قبل الشركات الأجنبية الأخرى.
طُلب من المستثمرين الأجانب إنشاء شركات فرعية مقرها النرويج، والتوافق مع لوائح العمل والسلامة النرويجية، وتدريب النرويجيين للتأكد من أن الدولة لا تعتمد تقنياً على الغرباء لتطوير مواردها.
كما طُلب منهم استخدام مقاولين فرعيين نرويجيين وأحواض السفن المحلية حتى لو كانت مناقصاتهم أكثر تكلفة.
*عالم عراقي هو العقل المُدبِّر لإدارة ثروة النرويج
وربما الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أن جزءاً كبيراً من الفضل في النجاح الهائل الذي حققته النرويج في صندوقها النفطي يعود إلى عالم جيولوجي عراقي من مواليد البصرة.
نعود قليلاً إلى عام 1968، حين اتخذ فاروق القاسم قراراً مهماً غيَّر حياته وحياة أسرته الصغيرة. ما لم يكن يعرفه في ذلك الوقت هو أن قرار انتقاله سيغير مستقبل دولة بأكملها.
كان القاسم متزوجاً من امرأة نرويجية، تعرّف عليها في سنوات دراسته الجيولوجيا في بريطانيا، ثم عادا معاً للعيش في العراق، حيث عمل في مجال النفط.
شاءت الأقدار أن يُرزق بابنٍ مصابٍ بالشلل الدماغي، وكانت النرويج واحدة من أفضل الدول في العالم لعلاج الشلل الدماغي، وفق ما روى القاسم في مقابلةٍ خاصة مع قناة CBC الكندية عام 2014، وبدلاً من أن يضع ابنه في مصحةٍ كما نصحه البعض، قرر الهجرة بحثاً عن العلاج.
انتقل الزوجان إلى الدولة الاسكندنافية، وبعدما كان القاسم مسؤولاً تنفيذياً لامعاً ذا خبرة تفوق 10 سنوات في شركة نفط العراق، شعر بخوفٍ دفينٍ من العثور على فرص عمل تناسب خبرته في النرويج.
وفق تصريحاته كان القاسم يفكر في العمل في محطة وقود “لأن محطات الوقود كانت النوع الوحيد لشركات النفط التي كنت أعلم بوجودها في النرويج”.
لم يعلم القاسم آنذاك أن شركات النفط تُنقِّب في بحر الشمال، لذلك عندما ظهر في وزارة الصناعة النرويجية بعد ظُهر أحد الأيام باحثاً عن معلومات حول صناعة النفط، وظّفوه على الفور مستشاراً مؤقتاً.
كُلِّف القاسم بتحليل البيانات الواردة من مختلف آبار الاستكشاف البحرية، وما هي إلا 3 أشهر حتى ثبّتوه في العمل بصورةٍ دائمة، علماً بأنه لم تكن هناك وزارة للنفط، بل مجرد مكتب يضم 3 مهندسين جيولوجيا لا خبرة لهم بالنفط من قريب أو بعيد.
ورغم تردد المسؤولين الحكوميين بشأن الأنباء الواردة من بحر الشمال، فإن القاسم أبدى تفاؤلاً واعداً وأصر على استكمال الدرب.
بإيعازٍ منه، طلبت الحكومة إجراء دراسات حول الدول الأخرى المُصدِّرة للنفط، ووجدت أن المشكلة الأكبر كانت عدم التخطيط للتعامل مع هذه الموارد الطبيعية.
شارك القاسم في وضع الخُطَّة منذ لحظاتها الأولى، وكان العقل المهندس خلف قرار الحكومة النرويجية تأسيس شركة النفط الوطنية StatOil والهيئة التنظيمية المستقلة للصناعة، إلى جانب وضع الشرط الأساسي بمشاركة الشرطة الوطنية، بنسبة لا تقل عن 50% من جميع الاكتشافات المستقبلية، وحتى شارك في صياغة “وصايا النفط العشر”.
أدت إنجازاته إلى تبوُّؤ منصب المسؤول عن إدارة الموارد في مديرية البترول النرويجية، وينسب إليه مدير للشركة ويلي أولسن فضل التمكُّن من رفع معدل استخراج النفط من الحقول المختلفة إلى 45% مقارنة بـ25% في جميع أنحاء العالم، وتطبيق استراتيجيّة “استخراج آخر قطرة نفط”.
ومع تطبيق الخطة التي أعدها القاسم على رأس لجنة حكومية، بدأت أولى مراحل جني الأرباح، وبقي القاسم في منصبه 23 عاماً.
*حظر النفط العربي يدق ناقوس الخطر!
نعود في السياق التاريخي إلى عام 1973، الذي شهد تطوراً سياسياً في الشرق الأوسط العائم على النفط، غَيَّر من طريقة تعاطي النرويج مع النفط إلى الأبد.
كانت أسعار النفط مستقرة طيلة السنوات التي سبقت عام 1973 عند مستوى قريب من 3.6 دولار؛ لأن أسعار النفط كانت بيد الشركات العالمية، وخاصةً مجموعة من الشركات تُعرف باسم الأخوات الـ7 (إكسون وموبيل وشيفرون وغلف وتكساكو وشل وبي بي).
حددت هذه الشركات الأسعار بالاتفاق فيما بينها، عبر التحكم بحجم العرض في السوق.
وحدها حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 خلقت وضعاً لم تكن لتحلم به أي من الدول المنتجة للنفط.
وعندما اندلعت حرب أكتوبر من قِبَل مصر وسوريا بمعاونة عدد من الدول العربية الأخرى ضد دول الاحتلال الإسرائيلي، قرَّر المنتجون العرب الرئيسيون للنفط تقييد إنتاج النفط دعماً للدول العربية المحاربة واحتجاجاً على دعم أمريكا لدولة كيان اسرائيل.
أعلن أعضاء منظمة البلدان العربية المصدرة للنفط (أوابك) حظراً نفطياً على أمريكا وهولندا، رداً على قرار الولايات المتحدة إعادة تزويد الجيش الإسرائيلي بالسلاح خلال الحرب، واستمر الحظر حتى مارس/آذار 1974.
على إثر ذلك، أدَّى الحظر لارتفاع أسعار النفط إلى 12.5 و14 دولاراً خلال الفترة ما بين 1974 و1978، كما تعطلت الإمدادات وساد ركود اقتصادي؛ ما خلق شرخاً قوياً داخل دول الناتو، بعدما قررت بعض الدول الأوروبية النأي بنفسها عن سياسات أمريكا في الشرق الأوسط.
بدورها، رأت الحكومة النرويجية التي تتحضَّر للاستفادة من ثروتها النفطية المُفاجئة ضرورة زيادة الضرائب على شركات النفط العالمية لضمان عدم تعويض خسائرها الناجمة عن الحظر على حساب دافع الضرائب النرويجي.
ورغم خلافات الحكومة مع مُمثلي كبرى شركات النفط العالمية آنذاك، فإنها أقرت قانون البترول الجديد لعام 1974 الذي لم يرفع الضرائب على أرباح الشركات فحسب، بل حدد بكل وضوح أن الضرائب ستُحسب على أساس الأرقام التي تقدمها الحكومة النرويجية، وليس الأرقام التي تقدمها الشركات، أي أنّ الحكومة هي التي ستُحدّد قيمة النفط المنتج وتفرض بموجبه الضرائب.
أجمعت كل الأحزاب السياسية على هذا القرار، ولم يدعم أي منها مصالح شركات النفط؛ لم يوجد وقتها ما يسمى “اللوبي” أو منظمات الضغط ولا ناطقين باسم الشركات داخل أروقة القرار السياسي. بل العكس، كان هناك إجماع على ضرورة الاستفادة القصوى من هذه الثروة لصالح المواطن النرويجي أولاً وأخيراً.
*حتى النفط المُسرَّب ملكٌ للمواطن
هذا الحرص الشديد تجسَّد جلياً في مفارقةٍ تاريخية عندما فرضت الحكومة في إحدى المرات ضريبةً على حادثة تسريب نفطي وقعت عام 1977.
طالب وقتها وزير المالية باجتماعٍ حكوميٍّ طارئ لتحديد الأطر التي سيتم بها فرض الضريبة على النفط العائم على وجه مياه البحر من قِبَل شركة فيليبس، معتبراً أنه حق من حقوق الشعب، ولم يكن ليتركه يذهب سُدىً.
وتفرض النرويج حالياً ما بين 70 و80% ضريبة على أرباح شركات النفط، بعكس دول أخرى مثل كندا، التي تفرض 10% فقط.
*التخطيط لإدارة الثروة التي ظهرت فجأة
في عام 1983، عينت الحكومة النرويجية لجنة من الخبراء اسمها “لجنة تيمبو”، كانت مهمتها واضحة وصريحة: مراجعة وتقييم مستقبل الأنشطة البترولية.
أوصت اللجنة بأن تُخزِّن الحكومة عائدات النفط في صندوق الثروة السيادية، وأن تنفق فقط العائد الحقيقي للمحفظة الاستثمارية للصندوق.
لتحقيق ذلك، أودعت الحكومة النرويجية أصول النفط في محفظةٍ استثمارية منفصلة، ومن خلال وضع عائدات النفط في صندوق الثروة السيادية، فصلت الدولة فعلياً الدخل المتقلب عن ميزانية الإنفاق القومي، مما حد من تأثير الفائض المتقلب على الإنفاق الحكومي مع الحفاظ على قيمة الأصول.
كما اقترحت اللجنة استثمار الصندوق في الأسواق الدولية لمنع إنهاك الاقتصاد النرويجي. ومع ذلك، لم تكن مجموعة الخبراء متأكدة من قدرة الدولة على الالتزام بصندوق ادخار طويل الأجل مقابل إنفاق عائدات النفط. ثم ختمت توصياتها بتنظيم الموازنة للحد من الإنفاق العام.
طُرحت اقتراحات اللجنة في جدول الأعمال السياسي حكومةً تلو الأخرى، واستمرت فكرة الصندوق قيد النقاش والمداولات خلال الثمانينيات.
*أين تذهب كل هذه الأموال؟
وأخيراً وبعد 7 أعوام من الدراسات والمناقشات، تأسس “صندوق الثروة السيادية النرويجي” في عام 1990.
أُطلِق على الصندوق بداية اسم “صندوق البترول”، وفي عام 2006 استقبل تحويل أول عائدات نفطية، ثم أُعيدت تسميته بصندوق التقاعد الحكومي العالمي (GPFG) – كما يُعرف اليوم.
كان للصندوق تأثير إيجابي في السماح للحكومة بإدارة الأصول والعائدات النفطية بشكل مُستدام، مع إمكانية الادخار وحماية الثروة للأجيال القادمة.
استمرت السياسة المالية والمبادئ التوجيهية للاستثمار في التطور على مر السنين، إلى أن أصبح صندوق GPFG النرويجي حالياً أكبر صندوق من نوعه في العالم.
أما الاختلاف الرئيسي بين صندوق التقاعد الحكومي النرويجي والصناديق المماثلة الأخرى فهو أنه يحوّل الأصول النفطية بشكل فعال إلى محفظة استثمارية على المدى الطويل ولا ينفق شيئاً منها، بمعنى آخر:
يدير الأموال بانتظام عبر الاستثمار عالمياً.
يستفيد من عوائد الاستثمار بدلاً من الممارسة الشائعة المتمثلة في إنفاق قيمة الأصول بحد ذاتها.
لذا، فهو بمثابة أداة لإدارة التحديات المالية للشيخوخة السكانية والانخفاض المتوقع في الإيرادات البترولية.
*مَن يدير الصندوق؟
الصندوق ليس كياناً منفصلاً، ولكن أنشِئَ حساب وديعة في البنك المركزي النرويجي؛ حيث تودع الحكومة عائدات البترول من خلال التحويلات المنتظمة.
لذا فإن المالك الرسمي لـ GPFG هو وزارة المالية، نيابةً عن البرلمان النرويجي، نيابةً عن الشعب النرويجي، المالك الحقيقي للثروة.
تُحدِّد وزارة المالية استراتيجية الاستثمار والمبادئ التوجيهية الأخلاقية للصندوق وتراقب عن كثب الممارسات الإدارية لبنك النرويج والموكل إليه الإدارة التشغيلية لثروة الشعب.
ومع ذلك، فإن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان، الذي يتعين عليه الموافقة قبل أن يتمكن البنك من تنفيذ أي تغيير مهم في استراتيجية الاستثمار.
وعملياً، يغطي فريق إدارة الأصول المخصص لمصرف النرويج المركزي المعاملات اليومية للمحفظة إلى جانب الاستثمار في الدخل الثابت وأسواق الأسهم والعقارات، ولكن باتباع الإرشادات الصارمة عن الحكومة التي أنشأت مؤشراً مرجعياً استراتيجياً.
ويمكن تلخيص الهدفين الرئيسيين لصندوق التقاعد الحكومي العالمي GPFG على الشكل التالي:
أولاً: دعم الإدارة في إنفاق عائدات الحكومة من احتياطيات النفط، وبهذا المعنى يساعد الصندوق الحكومة على حماية الاقتصاد النرويجي والحفاظ على قيمة الأصول النفطية للأجيال القادمة.
ثانياً: توجيه المدخرات لتمويل نفقات التقاعد للمواطنين.
*خارج إطار النزاع السياسي.. نفط النرويج لعنة أم نعمة؟
أدرك النرويجيون منذ البداية القيمة الحقيقية لهذه الثروة؛ لذا حرصوا كل الحرص على عدم إدخالها في ساحة التنازع السياسي على السلطة تحت مظلة “صندوق التقاعد الحكومي”.
أما عائدات استثماره، فيتم ضخها عبر الإنفاق الحكومي لتعزيز الثروة المجتمعية في النرويج في الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية.
وإذا كانت النرويج سادس أسعد دولة على وجه الأرض في يومنا هذا، فإن الفضل يعود أيضاً إلى أنظمة الرعاية والتعليم والصحة الممولة جيداً، التي جعلت نصيب الفرد من الناتج المحلي حوالي 69 ألف دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
منذ تأسيس الصندوق عام 1990، تعاقبت الحكومات بأهوائها اليمينية واليسارية والنيوليبرالية، ومع ذلك دعمت الإدارات المختلفة مبادئ الصندوق وقواعده التي لا خلاف بشأنها.
وخوفاً من “لعنة النفط”، واجه صناع القرار النرويجي العديد من اللحظات المفصلية حول فائدة وتأثير أي قرار على المدى الطويل.
والآن بعد مرور نحو أكثر من 50 عاماً على استخراج أول قطرة نفط، تعتبر النرويج مثالاً يحتذى في الإدارة الفعالة لموارد الطاقة؛ ومع ذلك، فقد وضع الاحتباس الحراري هذه السمعة على المحك.
فالثروة الهائلة التي حققتها حتى الآن، تواجه من جديد اختباراً عنوانه “مصلحة الأجيال القادمة”، فهل تستكمل استخراج موارد الطاقة الطبيعية وتعظيم قيمتها المالية رغم تعهدها بتقليل انبعاثات الكربون وفق اتفاقية باريس عام 2016، أم تُبقي النفط والغاز في باطن الأرض لتتخذ الأجيال المستقبلية قراراً بشأنهما عندما يحين الأوان؟
بيد أن الإجابة عن هذا السؤال مرهونة بمعطيات عدة، أهمها الاقتصاد والضمير البيئي، أثبتت الأيام أن هذه الثروة لم تكن وحدها السبب في الارتقاء بجودة حياة المواطن النرويجي و”إسعاده”، بل طريقة إدارتها.
تمتلك النرويج 66 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز اعتباراً من عام 2017، وحوالي 1% من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم البالغة 6923 تريليون قدم مكعبة.
تمتلك النرويج احتياطيات تعادل 457 ضعف استهلاكها السنوي. هذا يعني أن لديها حوالي 457 عاماً من الغاز المتبقي (بمستويات الاستهلاك الحالية).
تقدر عائدات الضرائب النرويجية من الأنشطة البترولية عام 2021 بـ 5.6 مليار دولار.
أما قطر، ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي، فتمتلك 858 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز اعتباراً من عام 2017، وحوالي 12% من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي البالغة 6923 تريليون قدم مكعبة.
تمتلك قطر احتياطيات تعادل 609.2 ضعف استهلاكها السنوي. هذا يعني أن لديها ما يقرب من 609 سنوات من الغاز المتبقي.
أعلى 10 دول في مؤشر التنمية البشرية حسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2020
أغنى 10 دول من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي للدولة:
?? لوكسمبورغ 109,602.32 دولار
?? سويسرا 81,867.46 دولار
?? أيرلندا 79,668.50 دولار
?? النرويج 67,988.59 دولار
?? الولايات المتحدة 63،051.40 دولار
?? سنغافورة 58,483.96 دولار
?? الدنمارك 58,438.85 دولار
?? آيسلندا 57,189.03 دولار
?? قطر 52,751.11 دولار
?? أستراليا 51,885.47 دولار
* المصدر : عربي بوست ـ مصدر المعلومات :(صندوق النقد الدولي)