السياسية :

تستعدُّ جمهورية تتارستان الروسية، بمسلميها الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان، لوضع حجر الأساس لبناء أكبرِ مسجدٍ جامعٍ في روسيا، وذلك في 20أيار/مايو الجاري. ومن المخطط أن يتّسع هذا الجامع لأكثر من 10 آلاف مصلٍّ.

وتأتي هذه الخطوة بمناسبة الاحتفال بمرور 1100 سنة على اعتناق الإسلام كديانةٍ رسميةٍ للبلاد.

لم يُعلن إسم المسجد رسمياً بعد، لكنَّ وسائل إعلام روسية كشفت أنّه سيُطلق عليه إسم “مريم”، إحياءً لإسم السيدة العذراء، وبما يتوازى مع كنيسة “ماريا” الموجودة كذلك في مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان.

وتمَّ اختيار موقع حديقة قيراري على ضفة نهر كازانكا للبناء، مقابل موقع كريملين قازان وقصر قازان للزواج. وقد أثار اختيار هذا الموقع غضب نسبة كبيرة من السكّان في المدينة، ومن المهتمين بحماية البيئة الذين احتجّوا على بناء المسجد في هذه الرقعة الجغرافية، معلِّلين سخطهم هذا بأسبابٍ تعود إلى ضيق المساحة وقربها من الأحياء السكنية، ما يزيد مخاطر الانهيار الحتمي لمنظومة النقل، والنتائج البيئية الكارثية على نهر كازانكا.

ويُعتبر بناء مسجد “مريم” حدثاً ضخماً في روسيا، ومناسبة كبرى يحتفل بها مسلمو روسيا عامَّةً، وتتارستان خاصَّةً، باعتبار تتارستان إحدى أهم الكيانات الروسية التي تحتضن أكبرَ عددٍ من المسلمين، إلى جانب جمهوريات شمال القوقاز وجمهورية بشكيريا والعاصمة موسكو، إذ يشكّل التتار المسلمون نحو 53% من السكّان البالغ عددهم 3.9 ملايين نسمة.

وتعود جذور مسلمي الجمهورية إلى مملكة بولغار الفولغا، وهي أول دولة في المنطقة تأسست في القرن التاسع بعد الميلاد، وأصبحت الإسلام ديانة رسمية فيها سنة 922.

كنيسة “ماريا”

  • كنيسة ماريا في قازان
    كنيسة ماريا في قازان

تمَّ بناء كاتدرائية “ماريا” في دير بوجوروديتسكي في مدينة قازان، بين عامي 1798 – 1808،  بتصميم المهندس ستاروف والمعماري ييميليانوف.

وبعد أن تمّ تفجير الكنيسة في العام 1932، وقّع رئيس جمهورية تتارستان ميني خانوف، في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 مرسوماً بشأن إعادة بناء الكاتدرائية، تكريساً لأيقونة السيدة العذراء العجائبية. وفي 21تموز/يوليو 2016،وضع بطريرك موسكو وعموم روسيا، كيريل الأول، حجر الأساس للكاتدرائية، في موقع ظهور الأيقونة العجائبية للسيدة العذراء في قازان.

كما حظي بناء الكنيسة بدعمٍ كبيرٍ من فيوفان، مطران قازان وتتارستان، وكذلك من رئيس مجلس أمناء الصندوق الجمهوري لإحياء الآثار التاريخية والثقافية لجمهورية تتارستان.

في السابق، كانت هناك أيقونات مصنوعة من المعدن على واجهات الكاتدرائية، أما واجهات الكاتدرائية الجديدة فمزينة بالفسيفساء.

وأصبح المبنى الجديد للكاتدرائية، الذي أقيم على أساس تاريخيٍّ، أحد المعالم المعمارية المهيمنة في العاصمة التتارستانية.

في 21تموز/يوليو 2021، وبمناسبة عيد ظهور أيقونة السيدة العذراء في مدينة قازان في العام 1579، أجرى البطريرك كيريل طقوس التكريس الكبير لكاتدرائية قازان.

1100 سنة على دخول الإسلام إلى منطقة نهر الفولغا

  • بعض الآثار المتبقية من مدينة بولغار القديمة
    بعض الآثار المتبقية من مدينة بولغار القديمة

تستقبل بولغار، المدينة القديمة التي اعتنق سكّانها التتار الإسلام كديانةٍ رسميةٍ، مئات الآلاف من المسلمين كل عام. وسيتم، هذا الصيف، الاحتفال بالذكرى السنوية الـ 1100 لهذا الحدث الديني.

هناك في بولغار، إضافةً إلى المتحف البلغاري والمحمية المنتشرة على جرف فولغا الخلّاب، يوجد النصب التذكاري في أقصى الشمال للعمارة الإسلامية في العصور الوسطى في العالم.

في القرن العاشر، كانت توجد في بولغار عاصمة فولغا، بلغاريا، وهي الدولة التي وحّدت العديد من القبائل التركية  والفنلندية الأوغرية، وكانت المدينة لفترة طويلة بمثابة البوابة التجارية الوحيدة لروسيا مع الشرق. جاء إليها التجار من الصين وبغداد  ودمشق وإسبانيا والدول الاسكندنافية، كما اشتهرت بولغار بصائغي المجوهرات والبنائين  والحدادين وصنّاع الجلود.

سنة922 استقبل “خان علموش” سفارةً من الخلافة العباسية في بغداد في المدينة، وأعلن الإسلام ديناً للدولة. وهكذا، تمَّ اتّخاذ خيارٍ حضاريٍّ لم يؤثّر فقط في تاريخ شعب التتار، ولكن أثّر لاحقاً على الدولة الروسية بأكملها، حيث أصبح المسلمون جزءاً لا يتجزأ من الإمبراطورية الروسية متعددة الديانات.

كان مصير بولغار دراميّاً مشوّقاً، حيث سقطت تحت هجوم المغول في القرن الثالث عشر، ثم تحولت إلى مقرّ باتو، وتحت حكم خان بيرك أصبحت المدينة مركز البلغار للقبيلة الذهبية، قبل أن يُدمّر تيمورلنك المدينة في القرن الرابع عشر، وتمَّ إحياؤها مرةً أخرى ولكن بعد هجوم الدوق الأكبر فاسيلي الثاني.

“التتار لديهم تقديس كبير لهذا المكان”

  • بعض الآثار المتبقية من مدينة بولغار القديمة
    بعض الآثار المتبقية من مدينة بولغار القديمة

وجذبت بقايا المدينة القديمة انتباه بيتر الأول في القرن الثامن عشر، عندما كان يسير على طول نهر الفولغا في حملة آزوف. وأصدر قراراً بشأن الحفاظ على المباني وترجمة المرثيات على شواهد القبور. ثم زارت المدينة كاترين الثانية، وكتبت حينها رسالةً إلى بانين قالت فيها: “كلّ ما تبقى هنا مبنيّ من لوح جيد جداً، التتار لديهم تقديس كبير لهذا المكان، ويذهبون إلى صلاة الله في هذا الخراب”.

خلال الحقبة السوفياتية انقطع تقليد الحج، وأعيد إحياؤه في العام 1989، ومع مرور الوقت تمَّ تدمير الكثير من آثار بولغار، ولم ينجُ منها حتى يومنا هذا إلا عشر آثار تقريباً، منها الكاتدرائية والمدينة البيضاء وضريح خان والأضرحة الشرقية والشمالية وحمامان.

عام 2010، وبفضل جهود الرئيس الأول لتتارستان منتيمير شايمييف عادت الحياة إلى بولغار مرة أخرى، وتمَّ تنفيذ أعمال واسعة النطاق فيها، كما تمَّ إنشاء بنية تحتية سياحية حديثة، وتمَّ بناء محطة نهرية والعديد من المتاحف.

من المثير للاهتمام أنّ نهضة بولغار تمّت بالتزامن مع جزيرة سفياجسكي، التي أسّسها إيفان الرهيب أول قيصر روسي، حيث شهدت حقبة سلطته السيطرة على قازان.

* نقلا عن : الميادين نت – علا شحود