السياسية – تقرير:

 

مُجددا مُنيت حكومة العدو الصهيوني بهزيمة كبيرة في مواجهة المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين، وفشلت قوة الكيان الصهيوني المزعومة في استعادة هيبته المُهدرة، وفي تغيير قواعد الاشتباك واستعادة قدرة الردع التي افتقدتها بفعل الصمود الأسطوري للمخيم المحاصر وثبات المقاومة ونجاحها في منع العدو من تحقيق أهدافه.

فعلى الرغم من هدمه بشكل كامل تقريباً قبل نحو 20 عاماً، فيما عُرف في حينه بـ”معركة مخيم جنين” التي وقعت في أبريل من العام 2002، فإن المخيم لا يزال بمثابة الشوكة العالقة في حلق المستويات الصهيونية كافة، وأهمها المستويان العسكري والأمني، كما عاد ليكون مجدداً مصدر الحرج المزمن للقيادة السياسية للكيان المحتل.

وبين الاقتحام الأول قبل 20 عاما، واقتحام اليوم الذي لم يستمر إلا ساعات محدودة، فشلت معه قوات الاحتلال تحقيق هدفها الرئيسي باجتثاث مقاومة المخيم رغم كل الظروف المهيأة لها لتحقيق مرادها.

وشهدت مدينة جنين اشتباكات مسلحة بين المقاومين وقوات الاحتلال التي حاولت اقتحام المخيم المحاصر منذ أيام.

وأفادت وسائل إعلام فلسطينية بأن المقاومين أطلقوا النار على قوات الاحتلال التي اقتحمت منزل الصحفي مجاهد السعدي في المدينة.

وقالت كتيبة جنين: إنّ مجاهديها استهدفوا نقطة تمركز لأحد جنود قناصة الاحتلال في منطقة الحرش (الحرج) بزخات من الرصاص.. وانسحبت قوات الاحتلال من جنين بعد اعتقال الشاب ضرغام زكارنة، كما انسحبت من نابلس بعد اعتقال الشاب نور دويكات.

وقالت “الميادين”: إنّ “المقاومين أجبروا قوات الاحتلال على الانسحاب من مواقع عدّة في جنين”.

وهُنا يؤكد محللون سياسيون لموقع “الاستقلال” أن تصعيد جيش الاحتلال اعتداءاته على مخيم جنين لأن لديه عقدة ثأر مع المخيم، ولذلك فهو يحاول الآن استعادة هيبته، وترميم صورته التي كُسرت على أيدي المقاومين في المخيم وقلب “تل أبيب” على حد سواء.

ويرى المحللون أن مخيم جنين بات يمثّل “كابوساً وصداعاً مزمنا في رأس الاحتلال، كونه يجسّد خزّان الثورة المشتعلة في مواجهة العدوان ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية”.

وقال الكاتب والمحلل السياسي أحمد عبد الرحمن: إن مخيم جنين منذ الشيخ عز الدين القسام، مروراً بالشيخ فرحان السعدي، مرورا بإفشال عملية (السور الواقي) عام 2002، ما زال يرسم الخارطة السياسية الفلسطينية بالدم وليس بالمفاوضات، وأن رجالات المقاومة وبتصديهم لاقتحام جنود الاحتلال للمخيم يؤكدون على أن المقاومة هي الخيار الوحيد للتصدي للتغول “الإسرائيلي”.

وأَضاف عبد الرحمن: إن جيش الاحتلال يعمل كل ما بوسعه من أجل كسر هيبة مخيم جنين والمقاومة فيه بهدف إرسال رسالة للداخل الصهيوني أنه اقتحم (عش الدبابير) المنطقة التي تعتبر العصية على الانكسار، والتي تقود العمليات الفدائية في قلب الكيان.

وأشار إلى أن الاحتلال يريد أن يرمم هيبته التي كُسرت في “تل أبيب” مرتين بعمليتين بطوليتين نفذها الشهيدين ضياء حمارشة، ورعد حازم، وهو يحاول الآن أن يهدم منزل المنفذين واعتقال والديهما الأمر الذي فشل فيه حتى الآن.

وشدد عبد الرحمن على أن كتيبة جنين وباقي فصائل المقاومة، ستُفشل مساعي القوة العسكرية الصهيونية الكبيرة التي حاولت اقتحام المخيم من أجل كسر هيبة المخيم ومقاوميه، حيث خاضت اشتباكات عنيفة أوقعت خلالها جرحى في صفوف جنود الاحتلال، وكان ذلك واضحا من خلال نقل الجنود الجرحى بطائرات مروحية عبر وسائل الإعلام.

وأكد أن المقاومة في جنين تثبت لكيان الاحتلال بأن اقتحام المخيم لن يكون سهلاً عليه كباقي المدن الفلسطينية وسيدفع ثمنا باهظاً، رغم قلة الإمكانيات والحصار ورغم المساحة الجغرافية المحدودة.. مشدداً على أن المقاومة لن تترك جنين تواجه مصيرها وحدها، بل ستتدخل في الوقت المناسب.

وتوقع المحلل، أن يكون المشهد أمام بداية أحداث جديدة وعملية متدحرجة وربما تكون كبيرة وتتوسع بؤرتها الجغرافية وتشمل ليس فقط مناطق الضفة الغربية المحتلة ولكن من الممكن أن تصل إلى قطاع غزة ونشهد عملية عسكرية كبيرة على غرار معركة “سيف القدس”.

بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي، ناجي الظاظا، أن مخيم جنين لا يزال يمثل أحد خزانات المقاومة الفلسطينية القوية وهو يعيد الجميع إلى بدايات زمن الشهيد عز الدين القسام في ثلاثينات القرن الماضي.

وأشار إلى أن الشباب الفلسطيني في جنين والذي كانوا قبل 20 عاما على مرور معركة (السور الواقي) في سن الطفولة هم اليوم يتصدون لاقتحامات جيش الاحتلال للمخيم وهم الذين يقودون اليوم أقوى العمليات الفدائية.

وقال: إن “أبناء شعبنا ورجال المقاومة في مخيم جنين وخلال تصديهم لاقتحام جنود الاحتلال قدموا نموذجا طويلا وصنعوا حفرة كبيرة في وعي الاحتلال مفادها أن المقاومة لا يمكن أن تنتهي ما دام هناك احتلال لأي بقعة من أرض فلسطين”.

وأشار إلى أن الالتفاف الشعبي بجانب المقاومة في جنين هو جزء من الثورة الفلسطينية المستمرة ضد الاحتلال، وتعبير حقيقي على طبيعة الجيل الذي يقاوم الاحتلال ويرفض الذل والمهانة، مذكّراً بكلمة والد الشهيد “رعد حازم” منفذ عملية ديزنغوف وسط “تل أبيب” المحتلة التي تعكس تمتعه بروح وطنية عالية تدفع المقاومين إلى مزيد من الثبات والتحدي.

وحول انخراط قطاع غزة بمعركة جديدة كـ “سيف القدس” أوضح المحلل، أن ذلك مرتبط بالحراك الميداني وتطورات الأوضاع على الأرض.. مشدداً على أن فصائل المقاومة المسلحة بغزة لن تسمح للاحتلال بالاستفراد بجنين أو أي بقعة فلسطينية، وهو ما أثبتته معركة “سيف القدس” قبل نحو عام.

وتُعد مدينة جنين التي يسكنها أكثر من 40 ألف نسمة، أكبر مدن المثلث الواقع بينها وبين ونابلس وطولكرم.. وما يميز حالة المقاومة في جنين عن غيرها، هو اعتياد المواطنين شراء الأسلحة من حر مالهم بعيداً عن الأسلحة التابعة للتنظيمات، وهو ما يجعل التقديرات الصهيونية عاجزة عن وضع إستراتيجية واضحة في التعامل مع حالة المقاومة في جنين.

ووفقاً “للمركز الفلسطيني للإعلام” نقلا عن مصادر خاصة، فإنّ عددًّا من خلايا المقاومة في جنين تضم مجاهدين من مختلف فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وهو ما يشير انتماء المقاومين للوطن والمخيم أكثر من انتمائهم لأحزابهم.

ويلعب تاريخ مخيم جنين ومعاركه البطولية دوراً كبيراً في صناعة الوعي للأجيال، خاصة مع الجيل الذي ولد عقب المجزرة التي ارتكبها الاحتلال خلال عام 2002.. وهو ما يظهر من خلال العمليات البطولية التي تمت خلال الفترة القريبة الماضية والتي نفذها الأبطال، رعد حازم (28 عاماً) وضياء حمارشة (30 عاماً) حيث لم يتجاوز الواحد منهم الـ10 أعوام إبان معركة جنين وحصارها الكبير قبل 20 عاماً.

الجدير ذكره أن مخيم جنين، الذي يقع في أقصى غرب مدينة جنين، وهو البقعة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها الـ 473 دونماً، وثاني أكبر مخيمات الضفة المحتلة، شكل تغيراً كبيراً نوعياً في تاريخ المقاومة التي تواجه الاحتلال، وخاصة في مدن الضفة، والتي لا يكاد يمر يوم إلا وتُسجل فيه حملات اقتحامات واعتقالات ومواجهة واسعة مع الفلسطينيين.

وشهد المخيم خلال الأيام والأشهر الماضية عمليات إطلاق نار واشتباكات مسلحة مع جيش الاحتلال، ما يؤكد أن ذلك المخيم هو أيقونة المقاومة وسلاحها المشروع في وجه الاحتلال، الذي بات منزعجا من شبابه ويحاول التخلص منهم.

سبأ