الحرب في أوكرانيا تهدد بخلق أزمة غذاء عالمية لم يسبق لها مثيل
السياسية :
ارتفعت التكلفة التشغيلية بشكل كبير لبرنامج الأغذية العالمي, حيث حذرت المنظمة من أنها لن تكون قادرة على إطعام الجميع عممن أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في شرك المجاعة، كما هو الحال في إثيوبيا
بقلم: ميلاني ميلوش هولوبوفسكي
أوتاوا، 10 أبريل 2022(موقع “هيئة الإذاعة الكندية” ici.radio -canada- الكندي, الناطقة بالفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي”سبأ”)
بدأت الحرب بين أوكرانيا وروسيا ـ الدولتان اللذين يلعبان دوراً رئيسياً في تصدير العديد من الحبوب والمحاصيل ـ تخلف تأثيراً سلبياً على الأمن الغذائي العالمي.
لذا, كان لزاماً على برنامج الأغذية العالمي، الذي اشترى 50% من القمح من أوكرانيا، أن يبدأ في خفض حصص الإعاشة لأشد الناس فقراً في بلدان أخرى.
ومن جانبه, أبلغ رئيس برنامج الأغذية العالمي “ديفيد بيسلي” مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة, أن غزو أوكرانيا قد يؤدي إلى أسوأ أزمة غذائية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
تقول جولي مارشال، المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي في كندا (وهي منظمة مرتبطة بمنظمة الأمم المتحدة) إنه قبل الحرب في أوكرانيا، كان هناك حوالي 44 مليون شخص على حافة المجاعة في العالم.
وبالتالي فإن هذه الفترة لم يسبق لها مثيل من الاحتياجات الإنسانية, حيث لدينا العديد من الصراعات، وآثار تغير المناخ، والوباء، وارتفاع أسعار الأغذية بسبب التضخم.
كل هذا يدفع المزيد والمزيد من الناس إلى الوقوع في شرك المجاعة, إن الصراع في أوكرانيا سوف يزيد الحالة سوءا ويؤثر على أكثر شعوب العالم جوعا.
نظام التصدير معطل:
أولا وقبل كل شيء، تعتبر أوكرانيا وروسيا من بين أول خمسة مصدرين عالميين للقمح والذرة, حيث يورد البلدان معاً 30% من القمح و20% من الذرة إلى الأسواق العالمية.
وعادة ما يغذي المنتجون الزراعيون الأوكرانيون أكثر من 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.
ولكن منذ بداية الصراع، تم تخزين ملايين الأطنان من الحبوب في صوامع في أوكرانيا وروسيا، وهذا يعني أنه بعد بدء القتال والعقوبات المفروضة على روسيا, لم يعد من الممكن تصدير هذا الغذاء أو الوصول اليه.
تشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى أن 13.5 مليون طن من القمح و 16 مليون طن من الذرة محتفظ بها في روسيا وأوكرانيا، وهو ما يمثل 23 % و 43 % من صادراتها المتوقعة في الفترة 2021-2022.
لن يتمكن العديد من المزارعين الأوكرانيين من زراعة محاصيلهم هذا الربيع بسبب احتدام العمليات القتالية.
يرى بيزلي, أن الصراع الدائر في أوكرانيا, عمل على كبح جماح أغلبية الصادرات الأوكرانية والروسية فحسب، بل إن القتال سوف يكون له أيضاً تأثير كبير على موسم البذور في أوكرانيا، الذي من المقرر أن يبدأ قريباً.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن لا نغفل الذكر عن كون روسيا بموجب العقوبات الدولية، هي أكبر مصدر للأسمدة في العالم وبدون السماد، إن محاصيل أوكرانيا قد تقطع إلى النصف.
وفي الوقت نفسه، من الصعب للغاية الآن تصدير أي شيء عبر البحر الأسود، نظراً لكون شركات التأمين تفرض الآن مئات الآلاف من الدولارات لتأمين السفن.
تقول مارشال, وكأن الحالة لم تكن معقدة بما فيه الكفاية، فإن أسعار الحبوب، التي وصلت بالفعل إلى مستويات قياسية بسبب التضخم وتأثير انتشار جائحة الفيروس التاجي، لا تزال ترتفع بشكل كبير, وبالتالي, كل هذا له تأثير مباشر على برنامج الأغذية العالمي وملايين الأشخاص الذين ليس لديهم طعام.
واليوم يسعى برنامج الأغذية العالمي إلى تقييم الأماكن التي من الممكن أن يجد فيها الموارد إذا استمر الصراع.
فعلى سبيل المثال، قد يكون تصدير القمح من كندا إلى الجانب الآخر من المحيط خيارا مطروحاً, ولكنه سوف يكون في المقابل باهظا الثمن.
والواقع أن برنامج الأغذية العالمي يواجه الآن تكاليف إضافية بلغت قيمتها, 71 مليون دولار شهرياً لعملياته العالمية مقارنة بالعام 2019, وهو ما يمثل زيادة بنسبة 50%.
ما هي المناطق التي سوف تتأثر أكثر من غيرها؟
يقدر برنامج الأغذية العالمي أن 45 % من الأوكرانيين يشعرون بالقلق إزاء عدم العثور على ما يكفي من الغذاء.
ومن جانبها, عملت المنظمة على تأمين ما يكفي من الأغذية لمساعدة 3 ملايين شخص داخل أوكرانيا لمدة شهر, وبحلول يونيو، يمكننا مساعدة ما يصل إلى 4 ملايين أوكراني.
خارج أوكرانيا، سوف تتأثر مناطق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص جراء أزمة الغذاء هذه، لأن العديد من البلدان تعتمد اعتمادا كبيرا على روسيا وأوكرانيا في وارداتها من الحبوب.
على سبيل المثال، في العام 2021, جاء 80 % من واردات مصر من القمح من روسيا وأوكرانيا.
كما أن الوضع هش للغاية في لبنان وليبيا، البلدان التي تعتمد على أوكرانيا في نحو 50% من إجمالي إمداداتها من القمح.
كما أن إثيوبيا وأفغانستان وسوريا واليمن- التي تكافح بالفعل جراء الصراعات الكبرى وارتفاع مستويات الفقر- تعتمد اعتمادا كبيرا على واردات القمح.
في اليمن وسوريا، يحتاج أكثر من 29 مليون شخص إلى المساعدة الغذائية، حيث يدعم برنامج الأغذية العالمي ما يقرب من 19 مليون شخص في كلا البلدين.
بالرغم من كون برنامج الأغذية العالمي لا يملك حاليا سوى 24 % من التمويل اللازم في سوريا و 31 % مما يحتاج إليه في اليمن.
في 40 بلد من التي ينشط فيها برنامج الأغذية العالمي، يأتي 30% الطاقة الغذائية للسكان من استيراد الحبوب مثل القمح والذرة.
ومع ارتفاع أسعار الأغذية دون زيادة المساعدة المالية، اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى خفض الحصص الغذائية في كلا البلدين.
سجل مؤشر الفاو “منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة” أسعار الأغذية رقما قياسيا في فبراير 2022.
منذ الغزو الروسي، ارتفعت أسعار القمح العالمية بنحو 21%؛ والشعير بنسبة 33 %؛ وبعض الأسمدة تصل إلى 40 ٪.
كما ارتفعت أسعار زيت الطبخ بنسبة 36% في اليمن و39% في سوريا, ويرتفع سعر دقيق القمح بنسبة 47% في لبنان، و 15% في ليبيا و14% في فلسطين.
كما قد يضطر البرنامج إلى تخفيضات أخرى في حصص الإعاشة، مقترنة بارتفاع تكاليف المعيشة التي يمكن أن تدفع بالناس إلى المجاعة والهجرة.
ساعد برنامج الأغذية العالمي 13 مليون شخص في اليمن, ولكن بسبب نقص التمويل، كان علينا خفض حصص الإعاشة إلى 8 ملايين.
كان ذلك قبل أن يبدأ الصراع في أوكرانيا, مما يشير إلى أن برنامج الأغذية العالمي سوف يضطر على الأرجح إلى تخفيض حصص الإعاشة إذا لم يزداد التمويل.
أخبر ديفيد بيزلي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أنه إذا استمر الصراع في أوكرانيا، فإن العالم سوف يدفع ثمنا باهظا.
وأضاف قائلا إن آخر شيء نريد أن نفعله في برنامج الأغذية العالمي هو أخذ الطعام من الأطفال الجياع و إعطائه للأطفال الأشد جوعاً.
الصراعات في صميم المجاعات:
تقول جولي مارشال إن الصراع لا يزال المحرك الرئيسي للجوع, وفي الواقع، يعيش 60٪ من الجياع في العالم في مناطق متأثرة بالحرب والعنف.
لن نتمكن من القضاء على المجاعات حتى نوقف الصراعات، مثل الصراعات الدائرة في أوكرانيا وجنوب السودان واليمن وأفغانستان.
وحيثما يكون هناك انعدام للأمن والصراع يكون هناك الجوع, وبدون الحرب، لن يكون الناس جائعين.
تدافع منظمتها – برنامج الغذاء العالمي في كندا- مع بلدان مثل كندا عن استخدام نفوذها ومواردها لإنهاء الصراعات في جميع أنحاء العالم.
“أن هناك ما يكفي من الغذاء على هذا الكوكب لإطعام الجميع, ولكن المشكلة تكمن في كيفية الوصول اليه والمال, إذا تجاهل العالم هذه الأزمات الغذائية، فإننا سوف نشهد هجرات جماعية في الأشهر المقبلة.
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع