الدكتور يحيى السقاف*

أعلن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في اليمن أنّ الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات العدوان تسببت منذ العام الفين وثمانية عشر بمقتل وإصابة أكثر من ألف وثمانمئة مدني، بينهم ستمئة وستة وثمانون طفلاً وامرأة.

حلَّت الذكرى السابعةُ لبدء العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي على اليمن وموقف وقرار الشعب اليمني واضح ويترجم ذلك على الواقع الثبات والصمود الاستراتيجي في مواجهة الحرب الظالمة التي تُشن على اليمن منذ سبع سنوات في بداية العام الثامن من الصمود، حَيثُ واجهوا أضخم ترسانة عسكرية وأكبر خزانة مالية تمتلكها مملكة النفط السعوديّة ومن معها من دول الخليج ويدعمها سياسيًّا وعسكريًّا واستراتيجيًّا قوى الطغيان والاستكبار العالمي، وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ومع كُـلّ هذه الإمْكَانيات الضخمة فقد أخفقت كُـلّ هذه الدول مجتمعة وفشلت فشلا ذريعا ومخزيا في تحقيق أهدافها من حربها على اليمن في تركيع الشعب اليمني وإخضاعه بالقوة لأجنداتها الاستعمارية الخبيثة في التحكم بالقرار السياسي والسيطرة على ثرواته الاقتصادية السيادية وفرضها الحصار والحرب الاقتصادية.

ولا يخفى على أحد أنه منذ فجر 26 مارس 2015م وطائرات دول تحالف العدوان تنهال على معظم محافظات الجمهورية بحمم صواريخها الإجرامية من جميع الأحجام وتنزل بقنابلها الذكية والعنقودية المحرمة دوليًّا على المدن والقرى والجسور والمطارات والموانئ والمساجد ولم تسلم حتى المقابر منها وغيرها من بنك أهدافها الإجرامية واستهدفوا الأطفال والنساء والشيوخ والعمال والسجناء والأسرى في السجون الآمنة ولم يراعوا في قصفهم الإجرامي حتى عملاءَهم من المرتزِقة، وما تمارسُه طائرات العدوان من عادات إجرامية فاقت التصورات في كُـلّ مواقع الجريمة، فبعد ضربتها الأولى وعند ازدحام مسرح الجريمة من الضحايا والمسعفين وطاقم الإنقاذ والمدنيين الأبرياء تأتي الضربة الثانية والثالثة لطيرانهم الإجرامي لتحصد أكبر قدر ممكن من الضحايا وينعدم الأمل في إنقاذ ضحايا قصفهم الإجرامي.

ومع كُـلّ هذا فليس أمام الشعب اليمني إلا الصمود والمواجهة ولن يقبل بأية إملاءات من أي طرف كان أَو أية قوة موجودة على هذه الأرض ولن يركع إلا لله سبحانه وتعالى، ويأتي هذا الصمودُ الأُسطوري والاستراتيجي للعام الثامن على التوالي ترجمة واضحة وجلية لفشل المشروع الأمريكي في السيطرة على دول المنطقة؛ لأَنَّ الشعب اليمني وقيادته الحكيمة عرفت هذا المشروع الاستعماري وتصدت له مبكرا ومما لا شك فيه فَـإنَّ اليمن جزءٌ لا يتجزأ من محور المقاومة وكان الشعب اليمني أول من واجه هذا المشروع الأمريكي وكشف الوجه الحقيقيَّ لأمريكا في السعي إلى احتلال اليمن ونهب ثرواتها الاقتصادية وأسقطوا الأقنعةَ المزيفة التي تدّعي بها أمريكا من الأمن والسلام وهي تقدم الدعم الكبير للجماعات الإرهابية وتسعى إلى زعزعت الأمن والاستقرار بين الشعوب لغرض تنفيذ أهدافها الاستعمارية.

سنامُ الصمود

وسِرُّ الصمود الاستراتيجي للشعب اليمني لسبع سنوات تكلم عنها قائدُ الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في أحد خطاباته التي تضمنت عدة عوامل ساهمت في صمود الشعب اليمني، كان على رأسها العون الإلهي عندما التجأ هذا الشعب وقيادته الحكيمة إلى الله سبحانه وتعالى وراهن وتوكل على الله ووثق به وقرّر الصمود؛ انطلاقاً من هذه الثقة بالله مهما كانت التضحيات والمخاطر التي سيواجهُها، ويكمُنُ كذلك سِرُّ الصمود الاستراتيجي في القيادة الحكيمة الصادقة والشٌجاعة التي مَنَّ الله بها على هذا الشعب الصامد ممثلة بقائد الثورة السيد عبد الملك الذي وجّه وحدّد نقاطَ المواجهة والخيارات الاستراتيجية ورفع من معنويات الشعب اليمني وأعاد لهم الثقة بأنفسهم واعتمادهم على الله عز وجل، ويعزز ذلك ما جاء في التوجيهات الربانية في المنهج القرآني الذي أكّـد على أن من ينصر الله فسوف تكون النتيجة ثابتة وحتمية وهي أن الله سينصره ويثبت أقدامه؛ لأَنَّ النصر بيد الله العزيز القدير.

ولا ننسى عمودَ وذروة سنام سر هذا الصمود الاستراتيجي وهم الشهداء الأبرار من أبناء الشعب اليمني بكل أطيافه ومكوناته الذين باعوا من الله أنفسهم بأن لهم الجنة والحياة الأبدية بجوار الله وأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ لأَنَّهم قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله ودفاعًا عن عباده المستضعفين وفي سبيل كرامة وعزة وطنهم وشعبهم واستقرار أوطانهم وكي يعيش أبناءهم وأهلهم وجميع أبناء الشعب اليمني حياة العزة والكرامة والسيادة ونيل استقلال القرار السياسي وفي إفشال هذا العدوان والحصار ودحر المحتلّين الأجانب ومن تعاون معهم.

وما نلاحظه اليوم من استقرار وأمان وحياة والعيش بعزه وشموخ لم نلاقِ لها مثيلاً على مدار عقود سابقه وهي بفضل تضحيات الشهداء، حَيثُ وقفوا أمام الترسانةِ الحربية للعدوان الغاشم والحصار الجائر على مدى سبع سنوات كُـلّ ذلك بفضل شهداؤنا العظماء الذين ضحوا بأنفسهم لننعم بهذه الحياة ولتكون دماؤهم الزكية والطاهرة هي الوقودَ والأَسَاسَ لتحقيق النصر وبناء اليمن الحديث الذي يتطلع له جميع أبناء الشعب اليمني الصامد في وجه العدوان الغاشم والحصار الجائر.

ثمارٌ عظيمة

ولا ننسى عواملَ أُخرى كان لها دور كبير في الصمود الاستراتيجي للشعب اليمني تمثلت في صمود الجرحى وصبر الأسرى وصمود أسر الشهداء والمرابطين وصمود القبائل اليمنية والأحرار والشرفاء من أبناء الشعب اليمني وصمود وصبر المنكوبين والنازحين والمتضررين من هذا العدوان وتماسك الجبهة الداخلية والذي كان لها دور كبير وعظيم في كُـلّ ما تحقّق من نصر كبير في جميع ميادين الجهات وفي جميع المجالات السياسية والمالية والاقتصادية، حَيثُ كانوا على درجة عالية من الصبر والثبات والتحمل بالرغم من حجم المعاناة التي تسبب بها العدوان والحصار والحرب الاقتصادية وكان السر الحقيقي في الصمود الاستراتيجي لمواجهة هذا العدوان الغاشم للعام الثامن على التوالي.

وكان لهذا الصمود ثماره العظيمة على مسار التطور العسكري والذي أكّـدته الوقائع الميدانية على كافة الجبهات من خلال تطوير منظومة الصواريخ والطيران المسير التي قلبت ميزان المعادلة على الأعداء من دول تحالف العدوان وحقّقت انتصارات كبيرة عليهم وسمعنا صراخهم وعويلهم واستنجادهم بأسيادهم الذين دفعوهم إلى حرب خاسرة، ومما لا شك فيه فَـإنَّ الصمود الاستراتيجي للشعب اليمني على العدوان كان له أَيْـضاً نتائج مثمرة على مسار الاستقرار الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، خَاصَّة في الجانب الزراعي والصناعي، فكان لا بد من الصمود في وجه الحصار والحرب الاقتصادية التي تُشن على بلادنا بالتواكب مع الحرب العسكرية، والغرض منها خلق ضغط اقتصادي للتأثير في واقع المعركة لغرض تحقيق أي نجاح فشلوا في تحقيقه في أرض المعركة.

وتعتبر الحرب الاقتصادية على اليمن مخطّطا أمريكيا قديما ينفذُه عملاءُ، وعلى رأسهم النظام السعوديّ والإماراتي، حَيثُ تبدو الورقة الاقتصادية الرهان الفاشل الذي يبني علية العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي آماله الخائبة؛ بغرض تحقيق ما فشل في تحقيقه في الجوانب الأُخرى السياسية والعسكرية والإعلامية؛ لغرض تركيع الشعب اليمني واحتلال أرضه والسيطرة على ثرواته.

وتتواصلُ الحرب الاقتصادية والحصار الأمريكي السعوديّ على اليمن حَيثُ ترتب عليها آثارٌ سلبية على حياة المواطن؛ وبسبب ذلك يعيش اليمن أزمة اقتصادية مركبة وحادة ناتجة عن حالة عامة من عدم الاستقرار الاقتصادي الكلي، وهذه الأزمة بتداعياتها المختلفة تدفع نحو انهيار شامل تقول المؤشرات: إن البلاد تتجه إليه وخَاصَّةً في المناطق تحت سيطرة الاحتلال السعوديّ الأمريكي، وكل ذلك بسبب العدوان والحصار والحرب الاقتصادية التي تُشن على اليمن منذ سبع سنوات وما زالت متواصلة في العام الثامن من الصمود الذي سوف يكون عام النصر بإذن الله.

ومما لا شك فيه فَـإنَّ العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي والحرب الاقتصادية استهدف بشكل مباشر وغير مباشر الاقتصاد الكلي ودمّـر المنشآت الإنتاجية والصناعية والخدمية والبنى التحتية ودمّـر كافة مقومات الحياة المعيشية والإنسانية في اليمن وتسبب هذا العدوان في توقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية والبرامج الاستثمارية الحكومية وجزء كبير من الاستثمارات الخَاصَّة وانسحاب أغلب المستثمرين وخلّف الكثيرَ من الأزمات المالية والنقدية والاقتصادية، هذا من ناحية.

ومن ناحية أُخرى، كان للعدوان والحصار والحرب الاقتصادية الدورُ الكبير في تأخير بناء الدولة وتدمير الاقتصاد الوطني عن طريق تطبيق حكومة العملاء سياسات مالية واقتصادية فاشلة ونتائجها على المدى القصير والمتوسط والطويل تسببت في انهيار كبير للاقتصاد الوطني وعُملته المحلية وكل ذلك كان وفق إملاءات خارجية استعمارية هدفها السيطرة على اليمن وثرواته الاقتصادية.

سقوطُ الأقنعة

ومما لا شك فيه فَـإنَّ الصمودَ الاستراتيجي للشعب اليمني ضد العدوان والحصار والحرب الاقتصادي على اليمن أسقط كافة الأقنعة المزيفة والإجرامية التي كان يتوارى خلفها الكثيرُ من الدول والأنظمة وباتت مؤامراتُ أمريكا وأذنابها في المنطقة على اليمن وارتباطها المباشر مع الصهاينة تتجلى وضوحاً وباستمرار، فمنذ بداية هذا العدوان وحتى العام الثامن تسعى هذه الدول إلى فرض سيطرتها على اليمن، نظراً لما تمتلكه من ثروات هائلة وما تحتله من موقع جغرافي واستراتيجي متميز ومكانه هامة إقليميًّا وعالميًّا، وبحسب ما يراه مراقبون دوليون من أن تصريحات مسئولين في العدوّ الصهيوني تعد اعترافًا صريحًا حول حقيقة الأطماع الاستعمارية التي تنفذ عبر الأنظمة الخليجية الرخيصة التي تقوم بدور الوكيل لتنفيذ الأجندات والسياسات الأمريكية الإسرائيلية في اليمن بشكل خاص وفي المنطقة العربية بشكل عام.

وها هو العالم اليوم وللعام الثامن يقف حائرًا أمام عظمة وقوة أبناء اليمن رغم تكالب الأعداء عليها وهجومهم الوحشي بأعظم وأقوى ترسانة عسكرية في العالم وبإمْكَانيات مادية ومالية ضخمة إلا أنها تحطمت كلها على أيدي رجال الرجال من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة وجميع أبناء اليمن الشرفاء بمختلف أطيافهم وألوانهم الذين وقفوا إلى جانب الوطن؛ دفاعًا عن السيادة والعزة والكرامة.

وأصبح الجيشُ اليمني اليوم من أقوى جيوش العالم، بما يمتلكُ من قوة بشرية مؤهلة وكفؤه ليس لها نظير، وبما وصل إليه من تصنيع حربي في مختلف المجالات العسكرية رغم الإمْكَانيات البسيطة ورغم العدوان والحصار وجعله يمتلك قراره السيادي بتصنيع أقوى الأسلحة كالصواريخ والطائرات المسيرة التي كان تصنيعها حكرًا على الدول العظمى وكانت اليمن تستقبل النفايات مما يصدر إليها من الأسلحة بمختلف أنواعها وأشكالها.

وإننا في بداية العام الثامن من الصمود الأُسطوري في وجه العدوان والحصار والحرب الاقتصادية يلزم علينا التحَرّك للعمل الجاد والمخلص في جميع المجالات، كلٌّ في مجال عمله وأن نرفد الجبهات بالمال والأنفس حتى تحقيق النصر؛ وفاءً لدماء الشهداء وأنين الجرحى والسير على خطاهم والوفاء بعهدهم وتلمس احتياجات أسرهم، وعلى المستوى الرسمي يجب على جميع مؤسّسات الدولة العمل ككيان واحد والاستمرار في الصمود وبذل كُـلّ الطاقات والإمْكَانيات المتاحة التي تساعد على نجاح عوامل النصر والاكتفاء الذاتي وعمل معالجات وإصلاحات ضرورية للاختلالات والانحرافات الموجودة في أجهزة ومؤسّسات الدولة وامتصاص الأزمات الاقتصادية المفتعلة من دول العدوان لغرض التضيق على أبناء شعبنا الصامد في محاولة منهم لإحداث خلل في تماسك الجبهة الداخلية والسير بخُطًا ثابتة لتحقيق النصر القريب بإذن الله تعالى

* المصدر :قناة العالم الإخبارية