هل من سيناريو لكسر الجمود وحل أزمة السودان السياسية؟
السياسية:
ما زال السودانيون يترقبون حلاً لأزمتهم السياسية التي تفجرت منذ أكثر من خمسة أشهر بإعلان قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في الـ 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حال الطوارئ في البلاد وتعطيل العمل بالوثيقة الدستورية والشراكة مع المدنيين، في وقت تستمر التظاهرات في الشارع بقيادة “لجان المقاومة” احتجاجاً على القرارات التي اتخذها البرهان باعتبارها انقلاباً عسكرياً، والتي قوبلت بعنف مفرط من قبل الأجهزة الأمنية راح ضحيته حتى الآن 92 قتيلاً، فهل هناك بالفعل بوادر انفراج تلوح في الأفق في ظل المشاورات والتحركات الإقليمية والدولية والمحلية، وما أقرب السيناريوهات التي يمكن أن تحدث لتسوية هذه الأزمة؟
* إعادة المسار
يقول مساعد رئيس “حزب الأمة القومي” السوداني للشؤون الولائية عبدالجليل الباشا، “في اعتقادي أن المكون العسكري هو الذي أسهم في خلق هذه الأزمة، إذ كانت هناك مساحة وفرصة للحوار بين المكونين المدني والعسكري لمناقشة ومعالجة خلافاتهما، لكن الأخير أراد أن يختصر الطريق بتنفيذه الانقلاب متوهماً بأنه سيجد التأييد والدعم اللازمين، فحدث العكس ورفضت غالبية الشعب السوداني ذلك، وخرجت إلى الشارع في يوم 25 أكتوبر نفسه لمناهضته، والآن دلت التجربة بعد مرور خمسة أشهر على الانقلاب بأنها الأسوأ في تاريخ البلاد القديم والحديث، إذ بلغ الوضع درجة لا توصف من التدني في كل مناحي الحياة”.
وأضاف الباشا، “صحيح أن الساحة السودانية تعج بالمبادرات لكن الحل بنظري يقع بدرجة كبيرة على المكون العسكري إذا كان لديه بالفعل الرغبة في هذا التوجه انطلاقاً من أن السلطة في يده، ويكون ذلك بدعم أي جهد أو مبادرة ذات رؤية واضحة لإعادة مسار الانتقال الديمقراطي وصولاً إلى مرحلة الانتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية، أما إذا حاول المكون العسكري السير في اتجاه حلول زائفة من خلال حوارات تفضي إلى إيجاد حاضنة سياسية تهدف لشرعنة الانقلاب، فهذا يجعل حال التوتر مستمرة في الشارع، بل تزيد من تطرفه بإصراره على إبعاد العسكر من المشهد السياسي، ولذلك فإن المطلوب من هذا المكون اتخاذ قرارات ولعب أدوار تعيد الثقة وتهيئ أجواء الحوار ومن أهمها رفع حال الطوارئ وإطلاق المعتقلين السياسيين ووقف العنف ضد المتظاهرين وتكوين لجان حقيقية للتحقيق في أسباب مقتل المتظاهرين”.
وتابع، “بحسب متابعاتي فإن معظم أهل السودان مع الحل الذي يحقق الانتقال، وهذا كما ذكرت يحتاج إلى إرادة، ومن المؤكد في حال استمرار العنف سيكون هناك رد فعل عنيف من الشارع بتكثيف حراكه الثوري من أجل اسقاط الحكومة الانقلابية، لكن في تقديري هناك ثلاث سيناريوهات يمكن حدوثها، وهي إصرار العسكر على موقفهم مما يعني استمرار الأزمة لأمد غير معروف، وتصدى الشارع لهذا الموقف حتى إسقاط حكمهم بالطرق السلمية المتبعة منذ ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، أو استجابة العسكر لإرادة الشعب وفقاً للرؤى الإقليمية والدولية أو المبادرات الوطنية المخلصة بما فيها مبادرة لجان المقاومة، وهذا يتطلب من قوى الثورة الاتفاق على برنامج محدد لإكمال مسار الانتقال”.
ورأى مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية أن “انقلاب البرهان حدث بإرادة خارجية، وأثبتت الأيام أن منفذيه لا يملكون رؤية لحل ما تسببوا فيه من أزمة وإدارة البلد الذي يمر الآن بأسوأ واقع في عمره، إذ يشهد انهياراً اقتصادياً مريعاً بتهاوي الجنيه إلى أدنى مستوى في تاريخه، وغلاء معيشياً طاحناً يسحق المواطن بلا هوادة، وأمنياً وحدث ولا حرج، فالعاصمة الخرطوم باتت مسرحاً لجرائم عدة وحروب قبلية تتفجر بين يوم وآخر في بقية مدن ومناطق السودان الأخرى”.
*حلقة مفرغة
من جانبه، أوضح أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية الحاج حمد أن “رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان فولكر بيرتس كان صادقاً في كل النقاط التي تناولها حول الأزمة السودانية في خطابه الأخير أمام مجلس الأمن، لأنها كانت مبنية على معلومات حقيقية، لكن في نظري أن الحاجة الأساس التي لم يصل إليها المبعوث الأممي هي أن لجان المقاومة الوعاء الرئيس الذي من خلاله يمر الحل النهائي، وليس القوى السياسية أو غيرها من قوى أياً كانت، عسكرية أم مدنية”.
وزاد حمد، “يدور بيرتس في حلقة مفرغة وتفكيره يصب في اتجاه حلول الأزمة السورية، متناسياً أن السودان ليس سوريا، فهو يريد إقناع الفاعلين السياسيين بجدوى إعادة الشراكة من جديد مع المكون العسكري من منطلق حماية الوثيقة الدستورية التي بذل فيها المجتمع الدولي جهداً مقدراً حتى وقعها المكونان المدني والعسكري في الـ 17 من أغسطس (آب) 2019، قبل أن يقوم البرهان بتعطيلها في انقلابه الأخير، لكن لن تكون هناك حلول لهذه الأزمة إلا من خلال الحوار السوداني – السوداني الذي أصبح منتجاً حالياً في ضوء الرؤية التي تحملها لجان المقاومة، فهي تحمل حلولاً منطقية”.
وتوقع أستاذ الاقتصاد السياسي في ظل المؤشرات الظاهرة “استمرار الأزمة السياسية أكثر من حلها، وستكون العزلة الخارجية شائكة جداً، ولن تستطيع أي جهة خارجية تقديم شيء للسودان”.
* إنهاء العنف
وكان فولكر بيرتس أشار إلى أن كلاً من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والـ “إيقاد” (الهيئة الحكومية للتنمية) اتفقوا على تكثيف الجهود لدعم السودان خلال المرحلة المقبلة من العملية السياسية التي سيعملون على تيسيرها، ونوه بيرتس خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، الإثنين الـ 28 من مارس (آذار)، أنه “سيتم التركيز خلال العملية على عدد محدود من الأولويات العاجلة والملحة اللازمة لمعالجة الأزمة الحالية واستعادة النظام الدستوري”، مبيناً أن “الأولويات تشمل ترتيبات دستورية مؤقتة بما في ذلك الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية للعمليات الانتقالية، فضلاً عن هيكلها ووظائفها كمعايير وآلية تعيين رئيس وزراء ومجلس وزراء، وكذلك خريطة طريق للفترة الانتقالية وبرنامج حكومي يركزان على مجموعة قابلة للتحقيق من المجالات ذات الأولوية، بما في ذلك نوع الانتخابات وتوقيتها والظروف المناسبة لها خلال نهاية الفترة الانتقالية”.
وزاد، “إنهم يتوقعون البدء في مرحلة مكثفة من المحادثات خلال الأسبوعين القادمين”، مشيراً إلى أنهم “عملوا بجد للاتفاق على نهج مشترك ووضع الأساس لهذه العملية خلال الأسبوعين الماضيين”.
وأوضح رئيس بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم أن “هنالك حاجة إلى عملية منفصلة لمناقشة المسائل المتوسطة والطويلة الأجل، بما في ذلك وضع دستور دائم ومستويات الحكم والعلاقات بين المركز والهامش والتقاسم العادل للثروة، أو اتفاقات السلام وتنفيذها، على أمل أن تتم قيادة مثل هذه العملية الطويلة المدى بعدئذ برعاية رئيس وزراء مقبول محلياً وحكومته”.
وأكد مبعوث الأمم المتحدة على أن “هدف المحادثات المقبلة ضيق ومحدد، لذلك لا بد من تهيئة ظروف ملائمة لإعطاء هذه المحادثات السياسية فرصة للنجاح، ويتمثل ذلك في إنهاء العنف والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والتزام راسخ بالتخلص التدريجي من حال الطوارئ الراهنة في البلاد”.
وأضاف، “نقلت أنا ومبعوث الاتحاد الأفريقي حسن لبات هذه الرسائل علناً ومباشرة بشكل خصوصي إلى القيادة العسكرية وإلى جميع أصحاب المصلحة في السودان، وقد أبلغت في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أن الجيش يدرس الآن بعض إجراءات بناء الثقة التي إذا تم تنفيذها يمكن أن تعزز البيئة لإجراء المحادثات السياسية”، محذراً من أنه “في حال لم يتم تصحيح المسار الحالي فإن السودان سيتجه نحو انهيار اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية كبيرة، إذ إن الوقت ليس في مصلحة السودان، فضلاً عن أن هناك تقارير مقلقة عن ازدياد التوترات بين مختلف قوات الأمن وداخلها”.
* بقلم : إسماعيل محمد علي ـ صحافي سوداني
* المصدر: اندبندنت عربيةـ المادة الصحفية تعبر عن راي الكاتب