التعاون المتبادل بين الصين وطالبان.. المصالح والمتطلبات
السياسية – رصد :
مرَّ قرابة ثمانية أشهر منذ سيطرة طالبان على كابول، وخلال هذه الفترة بذلت الحكومة الخاضعة لسيطرة هذه المجموعة جهودًا كبيرةً لإقناع الحكومات والدول الأخرى بالاعتراف بحكومة كابول الجديدة والتعاون معها.
في غضون ذلك، مع فقدان جزء كبير من المساعدات الخارجية، وتجميد المؤسسات الدولية بقيادة الولايات المتحدة لموارد النقد الأجنبي لأفغانستان، ونتيجةً لذلك تفاقمت أزمة الغذاء وانهار الاقتصادي في هذا البلد، ركزت حركة طالبان بشكل خاص على تطوير العلاقات مع القوة الاقتصادية العظمى لمنطقة شرق آسيا أي الصين، وخاصةً أنه على الرغم من الدعوات الدولية لتنفيذ الإصلاحات بشأن حقوق الأقليات، وتشکيل الحكومة الشاملة، واحترام حقوق المرأة، لم تسمح الصين لمثل هذه المخاوف بعرقلة العلاقات القوية مع طالبان.
وفي هذا الصدد، فإن زيارة وزير الخارجية الصيني المفاجئة إلى كابول الخميس الماضي، تؤكد أهمية التطورات في أفغانستان وضرورة الاستقرار في هذا البلد المعروف باسم بوابة آسيا الوسطى بالنسبة لبكين. على سبيل المثال، دعت الصين الولايات المتحدة إلى الإفراج عن أصول أفغانستان ورفع جميع العقوبات.
يشار إلی أن الولايات المتحدة قد منعت نحو 9.5 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني، منذ أن استعادت طالبان السيطرة على كابول في أغسطس الماضي.
وقال تشانغ جون، ممثل الصين لدى الأمم المتحدة في اجتماع مجلس الأمن الشهر الماضي، “ندعو مرةً أخرى إلى رفع الحظر عن الأصول الأجنبية لأفغانستان في أقرب وقت ممكن. يجب إعادة هذه الأصول إلى أصحابها الشرعيين ولا يمكن استخدامها كورقة مساومة للتهديد أو الإكراه”.
من ناحية أخرى، صوتت الصين لمصلحة قرار مجلس الأمن الدولي في 17 مارس لتمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان(يوناما)، والتي من المرجح أن تسهل وصول المساعدات الإنسانية للأفغان.
وستستضيف الصين أيضاً اجتماعاً لوزراء خارجية الدول المجاورة لأفغانستان في الفترة من 30 إلى 31 مارس، والذي سيضم وفداً من طالبان. والهدف المعلن من هذا الاجتماع هو مناقشة الأزمات الاقتصادية والإنسانية في أفغانستان.
للصين مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية عديدة في أفغانستان. وفيما يتعلق بالأمن، تواجه بكين تهديدات من جماعات مسلحة تعرّف نفسها على أنها منظمات إرهابية، ويُعتقد أنها تعمل من أفغانستان.
في هذه الأثناء، فإن أبرز هذه الجماعات هي حركة تركستان الشرقية الإسلامية(ETIM)، وهي جماعة انفصالية من الأويغور تدعي حركة طالبان أنها طردتها من الحدود الأفغانية الصينية.
وتأمل بكين أن تعمل حكومة طالبان كقوة فعالة ضد تنظيم داعش الإرهابي وحركة تركستان الشرقية الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى التي تعارض مصالح الصين.
أما بالنسبة للفوائد الاقتصادية لبكين، فقد وقعت الشركات الصينية عقودًا لاستخراج النحاس من منجم “مس عينك” للنحاس ومشروع “جيحون” للنفط والغاز من حقول حوض “آمو داريا” في إقليمي “فارياب” و”سار إي بول” الشماليين. كلا المشروعين متوقفان لأكثر من عقد بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر وعدم اليقين السياسي في أفغانستان.
کما تريد الصين إدخال أفغانستان في خطتها لتطوير البنية التحتية العالمية “مبادرة الحزام والطريق”(BRI)، لكن عدم الاعتراف العالمي بحكومة طالبان جعل من الصعب على بكين تنفيذ ذلك؛ مهمةٌ ستكون أسهل إذا تم اعتبار طالبان حرکةً شرعيةً بشكل عام.
بقدر ما يتعلق الأمر بحركة طالبان الأفغانية، فإن الشرعية الدولية أمر حيوي لجهودهم لبناء هيكل سياسي مستدام، ومجتمع سياسي متماسك، واقتصاد فعال.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن الهدف من وجود طالبان في اجتماع بكين، هو مطالبة الصين بمساعدتها في الحصول علی الشرعية الدولية وإعادة الإعمار الوطني لأفغانستان.
إن الصين بحاجة إلى أفغانستان مستقرة لتأمين منافعها العديدة. ويرى الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الاستقرار في أفغانستان وسيلة لتسهيل الاستثمار وتعزيز خطط الصين الطموحة في منطقة آسيا الوسطى.
وستصبح هذه المسألة أكثر أهميةً الآن، في سياق تصعيد الحرب الباردة بين روسيا والغرب نتيجةً للتطورات في أوكرانيا. لأنه، بالطبع، وضعت واشنطن خططًا خاصةً لأفغانستان لخلق التحديات بالقرب من حدود روسيا في آسيا الوسطى.
ولهذا السبب بدأت بكين في زيادة تعاملها مع طالبان حتى قبل انسحاب الولايات المتحدة. وذهب وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى حد استضافة وفد طالبان بقيادة الملا عبد الغني بردار في يوليو 2021.
وعلى الرغم من أن الصين دعت حركة طالبان إلى تنفيذ الإصلاحات واحترام حقوق الأقليات بما يتماشى مع المخاوف الدولية، إلا أن بكين تعتقد أن طالبان هي وحدها القادرة على حشد الموارد لتشكيل حكومة فعالة في نهاية المطاف.
وفي أكتوبر الماضي، قال وزير الخارجية الصيني بعد اجتماعه مع ممثلين عن حكومة طالبان المؤقتة في الدوحة بقطر: “تشمل توقعات الصين ما يلي: إنشاء هيكل سياسي أكثر شمولاً تلعب فيه جميع الجماعات والمجموعات العرقية دورًا، تنفيذ سياسات داخلية وخارجية أكثر اعتدالاً بما في ذلك حماية حقوق المرأة، الابتعاد عن كل القوى الإرهابية بما في ذلك تنظيم داعش وحركة تركستان الشرقية الإسلامية، واتباع سياسة خارجية سلمية، وخاصةً مع الدول المجاورة”.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع الوقت التحليلي