السياسية:

مما يدعو إلى الأسف أن الأوضاع الحالية ستسوء، ربما كثيراً، قبل أن تتحسن. وينطبق ذلك على الحالة العسكرية والإنسانية في أوكرانيا، لكنه ينطبق أيضاً على أثر النزاع في الاقتصاد العالمي.

كل يوم يمر يعمق الصدع الاقتصادي بين روسيا وبقية العالم. ويعد انسحاب “فيزا” و”ماستركارد” من البلاد خطوة أخرى على طول الطريق. ونحن نبلغ حالة تواجه فيها أي شركة تسعى إلى ممارسة أعمال في روسيا أو معها، مقاطعة بقية نشاطاتها في أنحاء العالم كله.

وكي نرى حجم ما يحدث الآن، لنبدأ بالبيان الذي أصدرته “أبل” الأسبوع الماضي. فقد أفادت بأنها سوف “توقف مؤقتاً” مبيعات أجهزة الآيفون والمنتجات الأخرى كلها داخل روسيا وتوقف كل الصادرات إلى تلك البلاد. إن التوقف المؤقت عبارة ضعيفة، لكن اسألوا أنفسكم السؤال التالي: ما الظروف التي قد تنهي فيها “أبل” العمل بهذا الوقف المؤقت؟ سيجري التوصل إلى وقف لإطلاق النار في نهاية المطاف. لكن، فلنفترض تأسيس نظام دمية، مع تشكيل أوكرانيا حكومة في المنفى. ولنفترض أن النظام الروسي الحالي ظل في مكانه. من الصعب أن نرى كيف قد تتمكن “أبل” من استئناف المبيعات إلى حين تأسيس حكومة مستقلة في أوكرانيا، وحصول تغيير جذري في موسكو.

وينطبق المنطق نفسه على الشركات الغربية الأخرى كلها التي انسحبت من البلاد. ليست روسيا سوقاً يعتد بها، إذ إنها توازي حجم الاقتصاد الإسباني، للمجازفة بإبعاد العملاء في كل مكان آخر من العالم.

لكن، ماذا عن شراء المنتجات الروسية؟ في هذا المضمار قد يكون قطع العلاقات أبطأ. لقد سمحت أوروبا لنفسها بأن تصبح معتمدة في شكل مفرط على الغاز والنفط الروسيين. ودافعت “شل” عن قرارها “الصعب” بمواصلة شراء النفط الروسي، زاعمة أن من الصعب إحلال مورد آخر محل روسيا في الأجل القريب. لكنني أتساءل إلى متى قد يدوم موقف كهذا. سيكون لزاماً علينا أن نرى مدى السرعة التي تتمكن بها أوروبا من وقف اعتمادها على الغاز الروسي، لكن الضغوط في هذا الاتجاه ستكون هائلة.

سيصل بعض النفط والغاز الروسيين إلى السوق العالمية. وسيكون دائماً ثمة مشترون آخرون في مكان ما. وتنشئ روسيا الآن آليات بديلة لتسديد المدفوعات. ويمكن دائماً العثور على طريقة للحصول على المدفوعات، لا سيما في عالم من العملات المشفرة. ويتوفر الذهب دائماً. لكن من منظور عالمي، نحن نتحرك نحو اقتصاد عالمي يعزل روسيا إلى حد كبير في المستقبل المنظور. ماذا يعني ذلك؟ هناك أمور غامضة كبيرة تفيد بأن ذلك لا يمكن أن يكون أكثر من صورة غير مكتملة، لكن فلنحاول.

في الأجل القريب، هذا يعني أن معدلات التضخم سترتفع هذا الصيف. إذ تؤثر أسعار الطاقة في كل شيء، لذلك من المتوقع أن يصل مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين في المملكة المتحدة إلى ثمانية في المئة في الأقل، بينما قد يسجل مؤشر أسعار البيع بالتجزئة أرقاماً مزدوجة [أي عشرة في المئة فما فوق، وأقل من مئة]. وستحاول الحكومة البريطانية إيجاد السبل الآيلة إلى تخفيف أسوأ ما في هذا الأثر، كذلك ستفعل الحكومات الغربية كلها، لكن هناك حدود لما يمكنها فعله.

واستطراداً، تشمل المخاوف الأخرى ما قد يحدث في أسعار الأغذية. فقد قفزت أسعار الأسمدة، ما أدى إلى زيادة التكاليف الزراعية في كل مكان. فضلاً عن ذلك، على مستوى العالم، تعد روسيا البلد الأكثر تصديراً للقمح، وتحتل أوكرانيا المرتبة الخامسة. وتصيب أسعار الأغذية الأعلى الأشد فقراً أكثر من غيرهم، ذلك لأن نسبة أكبر من ميزانياتهم تنفق على الأغذية.

ثم نتوقع التعطل المالي. لقد حصل قليل منه إلى الآن، لكن المشكلة هنا تتمثل في صعوبة تحديد النقاط الضعيفة إلى أن تقع تحت وطأة الضغوط. ماذا لو انخفضت أسعار البيوت بـ20 في المئة؟ أو ارتفعت معدلات الفائدة إلى ستة في المئة؟ أراهن على أن أياً من المصارف المركزية لم يخطط لعزل المصارف الروسية عن نظام “سويفت” للمدفوعات، أو تجميد احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي. فقد يكون من الضروري إنقاذ بعض المصارف. وقد تتزايد التداعيات السوقية، فتفرض مزيداً من الضغوط على النظام المالي.

وسيكون السؤال الإضافي هذا الصيف هو ماذا ينبغي فعله في شأن السياسة النقدية. هل تبقي المصارف المركزية معدلات الفائدة منخفضة على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم، لأنها تخشى حدوث اضطرابات مالية؟ أم هل تواصل رفعها؟ في اعتقادي أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ستزيدان بالفعل معدلات الفائدة هذا الشهر، لكن ربما يبطئان في الصيف فرض الزيادات التي خططتا لها من قبل.

إن هذا كله محبط للغاية، لكن بوسعي أن أرى إيجابيتين. تتمثل الأولى في أننا سنتعلم كيفية الحفاظ على الطاقة فضلاً عن تطوير إمدادات بديلة. يملك العالم تجربة في مجال الصدمات النفطية. ففي كل مرة يرتفع فيها سعر النفط نجد طرقاً لاستخدام كميات أقل منه، ثم ينخفض السعر ونعود إلى أساليبنا القديمة.

وتتجسد الثانية في أن الاقتصاد العالمي آخذ في التوسع بسرعة. فقد قوضت هذه الحوادث المروعة النمو، لكن النمو كان قوياً قبل وقوعها. وهذا يعني أن أمام العالم صيفاً صعباً، لكن احتمالات النمو المتوازن جداً في المرحلة المقبلة ستكون في انتظارنا. ويشكل ذلك بالطبع المنظور الاقتصادي [المتوقع على المستوى الاقتصادي]. أتمنى لو كان بوسعي أن أكون على القدر نفسه من الإيجابية في ما يتصل بمجال السياسة العالمية.

* بقلم : هاميش ماكراي ـ صحافي وكاتب
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع اندبندنت عربية وترجمت من موقع صحيفة The Independent البريطانية ولا تعبر عن راي الموقع