السياسية :

تقرير : مرزاح العسل

 

استغلالاً لإنشغال العالم بالحرب في أوكرانيا وتنفيذاً لمخططاته الاستيطانية على أراضي الفلسطينيين.. كثف كيان الاحتلال الصهيوني من عملياته الاستيطانية لتوسيع مستوطناته والتهام المزيد من أراضي الفلسطينيين، في ظلّ عجزٍ كاملٍ من قيادةِ السلطة الفلسطينية في التعامل مع الاستيلاء على الأرض، بل أنها تواصل التنسيق الأمني مع الكيان الغاصب.

وفي هذا السياق كشفت بلدية الاحتلال ووزارة البنى التحتية الليلة الماضية، عن خطة ضخمة لتوسيع مستوطنات جنوب القدس المحتلة وربطها بالتكتل الاستيطاني “كفار عتصيون” جنوب الضفة الغربية المحتلة، ودعمها بمنظومة المياه والمجاري وشبكات الطرق والأنفاق التي يجري شقها منذ أكثر من عامين.

وبحسب الخطة التي تم إقرارها بالقراءة الأولى وجرى إضافة أحياء استيطانية إليها تشمل نحو 4639 وحدة استيطانية خلال السنوات الخمس المقبلة تتركز في المحور الجنوبي الملاصق لحدود بلدية القدس.

وأكدت أن هناك تقدم في عملية تحضير البنى التحتية لهذا التوسع الكبير الذي يهدف لتسوية وتعزيز مدخل مدينة القدس من الشرق والجنوب.

وتابعت بلدية الاحتلال: “يجري حاليًا الانتهاء من أعمال التعدين والحفر، وفي نفس الوقت يتم إغلاق الجسر وترميم النفق القديم جنوب القدس بهدف استيعاب الحركة القوية لمرور المستوطنين، وذا الطريق له أهمية وطنية كمدخل شرقي للقدس”.

وأوضحت أن أعمال توسيع جميع الأنفاق جنوب القدس بدأت في مارس 2020 وتشمل مضاعفة طريق النفق، ورصف نفق آخر، مما سيسمح بحركة مرور أكثر أمانًا وتتيح للمستوطنين الدخول والخروج من مستوطناتهم نحو القدس بسرعة وأكثر آمنًا ودون المرور من داخل التجمعات الفلسطينية.

وكشفت أن هذه المنظومة من شبكة الطرق والأنفاق ستصادر نحو 15 ألف دونم من أراضي بيت أمر والعروب وحلحول، ويحول البلدات والقرى على جانبيه إلى معازل وسيحول دون توسعها العمراني، كما سيمنع الفلسطينيين من استخدام عشرات آلاف الدونمات على جانبي هذه الشوارع الالتفافية والأنفاق بحجة الحاجة الأمنية لذلك.

ويذكر أن الشارع الاستيطاني رقم 60 المعروف بطريق الأنفاق يربط القدس الشرقية المحتلة بالتجمع الاستيطاني “غوش عتصيون”، وهو المحور الرئيسي الذي يخرج من القدس الشرقية ويدخلها من إلى جنوب الضفة، مما يتيح الوصول إلى بيت جالا والقرى المحيطة بها.

وقال الأمين العام لاتحاد المحامين العرب المكاوي بن عيسى في بيان له الليلة الماضية، إن “كيان الاحتلال الإسرائيلي يستغل انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا لتكثيف وتنفيذ أجندته الاستيطانية على أراضي الفلسطينيين”.

وأضاف: إن كيان الاحتلال يحاول أن يخدع دول العالم بتصريحات مسؤوليه عن استعدادهم للعب دور الوساطة، في الوقت الذي يشن فيه هجومًا على الأراضي السورية ويقتل المدنيين الأبرياء وينفذ جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني ويقيم مستوطنات على أراضيهم.

ودعا المجتمع الدولي لإدانة وإيقاف تنفيذ المخططات الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس وحي الشيخ جراح، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أراضي الجمهورية العربية السورية.

هذا ولا يكاد يمرُّ يوم في الضفة الغربية المحتلة إلا وتستغلّه سلطات الاحتلال في توسيع الاستيطان والتهام المزيد من أراضي المواطنين، في ظلّ عجزٍ كاملٍ من قيادةِ السلطة في التعامل مع الاستيلاء على الأرض، بل تواصل التنسيق الأمني مع السارق.

ويأتي التوسُّع الاستيطاني الجديد للاحتلال هذه المرة في عمق مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، من خلال توسعة الحاجز العسكري المُقام على مدخل شارع الشهداء وسط المدينة، عبر نقل المُكعّبات الإسمنتية مسافة 50 مترًا باتجاه منطقة باب الزاوية وسط الخليل.

وتهدف خطوة سلطات الاحتلال هذه إلى الاستيلاء على المنطقة بشكلٍ كامل، ومُفاقمةِ معاناة المواطنين وتعميق مُعاناتهم وتضييقِ الخناقِ عليهم في تلك المنطقة الحيوية التي تُمثّل مركزًا تجاريًّا يقصدُه الآلاف منهم من داخل المحافظة وخارجها.

وأوضح الناشط في مقاومة الاستيطان بشّار القريوتي أنّ سلطات الاحتلال تحرص على استمرار التوسّع الاستيطاني في الخليل بشكلٍ خاص، لكونِ المنطقة مُسيطرٌ عليها ويهدف إلى ضمّ أكبر مساحة منها إلى مشاريعه الاستيطانية.

وقال القريوتي في حديث لصحيفة “فلسطين” إنّ سلطات الاحتلال تحاول الاستيلاء على كلّ مُمتلكاتِ المواطنين تحديدًا في منطقة شارع الشهداء، حيث تمّ إغلاق مئات المحلات التجارية في تلك المنطقة بذرائع أمنية.. مُضيفًا أنّ المستوطنين يعربدون في المنطقة للاستيلاء على منازل المواطنين الذين تمّ تهجير العديد منهم قسرًا وسرقة منازلهم. ووصف الوضع في شارع الشهداء بـ”المُتأزّم” خاصة مع مسارعة سلطات الاحتلال إنشاء مستوطنةٍ داخل المدينة وبين بيوت المواطنين والأحياء.

وطالب بضغطٍ كبيرٍ لوقفِ مُخطّطات الاستيطان، كونه يُهدّد بتشريدِ مئاتِ العائلات الفلسطينية من المدينة.. مشيراً إلى أنّ سلطات الاحتلال تمنع أيّ مواطنٍ في منطقة شارع الشهداء من البناء أو ترميم منزله، وذلك بهدفِ الاستيلاء على تلك المنازل والمحلات التجارية بمزاعم أنّ تلك المناطق مُصنّفة (ج) حسب اتفاق “أوسلو” المشؤوم بين منظمة التحرير والاحتلال، ولا يحقّ للفلسطينيين البناء فيها.

بدوره أكد مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية “أريج” سهيل خليلية أنّ سلطات الاحتلال تهدف من خلال توسيع حاجز شارع الشهداء في الخليل إلى تثبيت وجودها في المنطقة المُحيطة بالمسجد الإبراهيمي من خلال الحواجز وتكثيفِ وجودِ البؤرٍ الاستيطانية في قلب المنطقة (إتش 2).

وأضاف: إنّ الاحتلال يعمل على ربط المستوطنات ببعضها من خلال الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية.. مُشيرًا إلى أنه أنشأ بلديةً مستقلةً كمجلسٍ للمستوطناتِ في منطقة (إتش 2)، وقدّم لها صلاحيات واسعةً كالتخطيطِ والبناء، والتحرُّك بشكلٍ مُستقلٍّ دون أخذ الموافقات، وهي مؤشّرات أنه يريد سلخ المنطقة بشكلٍ كاملٍ عن مدينة الخليل.

وأفاد بأنّ منطقة (إتش 2) تبلغ مساحتها 8 آلاف دونم، يعمل الاحتلال على جعلِها منطقةً مُستقلةً بذاتها ومفصولةً بشكلٍ واضحٍ عن سياقها الجغرافي الفلسطيني.. لافتاً إلى أنّ الاحتلال والمستوطنين في منطقة شارع الشهداء يهاجمون بشكلٍ مُستمرٍّ القطاع التجاري هناك، وهو ما تسبّب بإغلاقِ العديدِ من المحلات.

 

وأوضح أنّ المستوطنين يمارسون عُنفًا مُمنهجًا ضدّ المواطنين في تلك المنطقة، خاصّةً بعد طردِ الاحتلال منظمة المراقبة الدولية.

ويغلقُ الاحتلال شارع الشهداء منذ ما يزيد عن 28 عامًا بعد مذبحةِ المسجدِ الإبراهيميّ عام 1994، ويُمثّل هذا الشارع شريانَ الحياةِ لمدينة الخليل، إذ يبلغ طوله 1.5 كم، ويربطُ أحياءَ وسط المدينة مع جنوبها وشمالها.. ويمنعُ الاحتلالَ المواطنين من استخدامه، ويُجبرهم منذ ذلك الوقت على سلوكِ طرقٍ بديلةٍ طويلةٍ تزيد عن 8 كم للتنقُّل.

إلى ذلك دعا القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حسين أبو كويك، إلى مزيد من الوحدة الوطنية والتكاتف، والعمل على تصعيد المقاومة الشعبية وتشكيل لجان الدفاع عن البلدات والقرى التي يتهددها الاستيطان والاستيلاء وعدوان الاحتلال.

وقال أبو كويك: إن أراضي الضفة الغربية تشهد تسارعا غير مسبوق في الهجمة الاستيطانية وارتفاع عدد المستوطنين المصاحب لتوسيع المستوطنات وبناء البؤر الاستيطانية الجديدة.

وأشار إلى أن هذا يأتي في ظل الحديث عن استيعاب عشرات آلاف من المهجرين الأوكرانيين، حيث تنوي حكومة الاحتلال الإسرائيلي إسكانهم في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.

وشدد أبو كويك على الرفض رفضاً قاطعاً أن يتم حل مسألة المهجرين الأوكرانيين على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.. قائلاً: “إن سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها الدوائر والدول الغربية والمؤسسات الدولية، والتي وقفت عاجزة عن مواجهة حالات التهجير والتقتيل والتدمير والسلب والنهب التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي في أبشع صورها، بينما الآن تختلف الصورة والمواقف كلياً تجاه مجريات وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية”.

وأضاف: “هذا الاستيطان المفروض غصباً على القرى والبلدات الفلسطينية والتلال المشرفة عليها، تمارس الاعتداءات المتواصلة ضد الإنسان الفلسطيني بإشراف ومساندة جيش الاحتلال”.

وأوضح أن “الوضع اللاإنساني مستمرٌ منذ عشرات السنين، في ظل صمت العالم والمؤسسات الدولية، إلا من قرارات هزيلة خجولة ضرب بها الاحتلال الإسرائيلي عرض الحائط، مستمرا في مخططاته الاستيطانية، التي تعني مزيدا من النهب والسلب لأراضينا الفلسطينية”.

وطالب السلطة الفلسطينية بضرورة الانصياع للمطالب الشعبية والفصائلية وقرارات المؤسسات الفلسطينية وسحب الاعتراف بالاحتلال، ووقف التنسيق الأمني المشؤوم الذي وفر الحماية للمستوطنين الغاضبين.

ودعا أبو كويك العالم أجمع للوقوف عند مسؤولياته الإنسانية والتاريخية، وتصحيح الوضع الظالم المظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته والمخالف لكل الأعراف والقوانين الإنسانية والدولية ومواثيق حقوق الإنسان والتي تبنتها منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختلفة.

وأكد أنه آن الأوان لتجريم الاحتلال الصهيوني عالمياً، ومحاكمة قادته وبأثر رجعي سابق، على جميع الجرائم والمجازر التي ارتكبها ضد الإنسان والأرض والمقدسات الفلسطينية”.

وبحسب المعطيات الحديثة فإن عدد المستوطنين بالضفة الغربية المحتلة، قارب على نصف مليون مستوطن، دون أن يشمل ذلك 220 ألفاً في القدس المحتلة.. فيما بلغ عدد المستوطنين بالضفة الغربية وغور الأردن، 491 ألفا و923 مستوطنا، يقيمون في حوالي 150 مستوطنة، حتى نهاية يناير الماضي.