تاريخ أوكرانيا الذي لا نعرفه..كانت جزءاً من إمبراطورية روسيا العظمى وحاولت الاستقلال أكثر من مرة
السياسية – رصد :
في تهديد جديد لأوكرانيا، تعاني ثاني أكبر دولة في أوروبا من هجوم روسي، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحركاً عسكرياً واسع النطاق على الدولة الأوكرانية هذا الأسبوع.
وباعتبارها ثامن أكبر دولة أوروبية من حيث عدد السكان بإجمالي 43.2 مليون نسمة في 2022 وفقاً لموقع World Population Review، لطالما كانت أوكرانيا هدفاً للغزو الإقليمي وبشكل أساسي من قِبَل روسيا، كدولة سوفييتية سابقة ودولة مجاورة لها.
وقد تم منح الاستقلال الكامل لأوكرانيا فقط في أواخر القرن العشرين. إذ تحدها من الشمال بيلاروسيا ومن الشرق روسيا ومن الجنوب بحر آزوف والبحر الأسود ومن الجنوب الغربي مولدوفا ورومانيا ومن الغرب المجر وسلوفاكيا وبولندا.
وفي أقصى الجنوب الشرقي، يفصل أوكرانيا عن روسيا مضيق كيرتش، الذي يربط بحر آزوف بالبحر الأسود.
تاريخ أوكرانيا القديم
منذ ألف عام مضت، كانت أوكرانيا اليوم تقع في قلب دولة كييف روس أو “أرض الروس”، وهي اتحاد للشعوب السلافية الشرقية والبلطقية والفنلندية في شرق وشمال أوروبا، وعاصمتها كييف.
وقد وصلت روسيا الكييفية إلى أكبر حجم وقوة في القرنين العاشر والحادي عشر. وفي عام 988 ميلادياً، جعل أمير كييف، فلاديمير العظيم، المسيحية دين الدولة الرسمية.
ثم حلت ذروة روسيا الكييفية وأوج ازدهارها في عهد ياروسلاف الحكيم، الذي حكم من 1019-1054.
لكن بحلول منتصف القرن الثالث عشر، انهارت روسيا الكييفية، التي أضعفها تراجع الحملات التجارية بانهيار الإمبراطورية البيزنطية، تحت هجوم الإمبراطورية الذهبية المغولية، التي أسقطت كييف عام 1240.
وبعد تفكك الإمبراطورية المغولية في أوائل القرن الخامس عشر ميلادياً، تم دمج أجزاء كبيرة من “كييفان روس” في دوقية ليتوانيا الكبرى متعددة الأعراق.
ومع اتحاد لوبلين وبولندا في عام 1569، اجتمع تاج مملكة بولندا ودوقية ليتوانيا الكبرى معاً لتشكيل الكومنولث البولندي الليتواني، الذي كان من بين أكبر دول أوروبا في ذلك الوقت.
ويمكن إرجاع بدايات الهوية الوطنية الأوكرانية الحديثة إلى حوالي قرن من الزمان بعد هذا الحدث.
إدراجها ضمن إمبراطورية روسيا العظمى
في عام 1648، ثار القوزاق تحت حكم هيتمان بوهدان خملنيتسكي في ثورة ضد البولنديين، وسيطروا على كييف، وأسسوا دولة القوزاق الهتمانات الأوكرانية في المنطقة التي تُعرف اليوم بوسط أوكرانيا.
وبعد حوالي قرن من الزمان، أسقطت إمبراطورة روسيا كاترين العظمى (1762-96) دولة الهتمانات، وضمت كامل الأراضي الأوكرانية العرقية إلى الإمبراطورية الروسية.
بحسب الإذاعة البريطانية BBC، أدت سياسة “الترويس” القيصرية إلى قمع الهويات العرقية واللغات، بما في ذلك الأوكرانيون. على الرغم من ذلك، داخل الإمبراطورية الروسية، استطاع العديد من الأوكرانيين الترقي لمواقع ذات أهمية، وهاجر عدد كبير للاستقرار في أجزاء أخرى من روسيا.
كما قاتل أكثر من 3.5 مليون أوكراني في الحرب العالمية الأولى ضمن قوات الإمبراطورية الروسية، لكن عدداً أقل حارب جيش القيصر مع النمساويين المجريين.
تأسيس الاتحاد السوفييتي وضم أوكرانيا
وبعد أن أدت الحرب إلى نهاية الإمبراطوريتين القيصرية والعثمانية، ظهرت حركة وطنية أوكرانية يقودها الشيوعيون بشكل أساسي، مشكلة عدة دول أوكرانية صغيرة.
لكن بعد شهور من تولي البلاشفة السلطة في أكتوبر/تشرين الأول عام 1917، تم إعلان الجمهورية الأوكرانية الشعبية التي لم تهدأ فيها الحرب الأهلية بين مختلف المطالبين بالسلطة، بما في ذلك الفصائل الأوكرانية والفوضويون والقيصريون وبولندا.
ثم في عام 1922، أصبحت أوكرانيا جزءاً من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، بحسب موقع Sky Ukraina.
متى حصلت أوكرانيا على الاستقلال؟
بعد معاناتها لفترات طويلة من الهيمنة المتتالية من قبل الدول المجاورة لها، مثل بولندا وروسيا وليتوانيا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية على سبيل المثال لا الحصر، حصلت أوكرانيا على استقلالها الكامل في 24 أغسطس/آب من العام 1991.
وقد نالت الدولة سيادتها أخيراً مع انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي قرب نهاية الحرب الباردة، ليكون هذا آخر اتحاد فيدرالي يحتل أوكرانيا بالكامل.
وبحسب مجلة Forbes العالمية، لم تكن تلك المرة الأولى التي تعلن فيها أوكرانيا الاستقلال، فبعد الحرب العالمية الأولى حصلت أوكرانيا على الاستقلال لأول مرة بعد غزو البلاشفة في عام 1917، والتي يتم اعتبارها اليوم حرباً اندلعت بين جمهورية أوكرانيا الشعبية والبلاشفة.
ومع ذلك، لم يدُم هذا طويلاً وخسرت أوكرانيا الحرب، تاركة البلاد مقسمة مرة أخرى من قبل بولندا وروسيا البلشفية. وقد خضعت الأراضي الأوكرانية المحتلة من قبل البلاشفة للحزب الشيوعي، مما أدى إلى إنشاء جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية.
وفي عام 1922، أُعلنت الجمهورية وأحد الأعضاء المشكلين للاتحاد السوفييتي، واتخذت مدينة خاركيف عاصمة لها.
في ذلك الوقت واصلت كييف، كونها مركزاً صناعياً مهما آنذاك، في النمو. وفي عام 1925، كانت أول حافلات عامة تسير في شوارع المدينة، وبعد عشر سنوات تم إدخال أول حافلات (ترولي باص) للمدينة.
وقد ظلت خاركيف، التي تُعرف أيضاً باسم خاركوف، وهي ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، عاصمة للجمهورية الاشتراكية السوفييتية الأوكرانية حتى يناير/كانون الثاني من العام 1934، وبعد ذلك انتقلت العاصمة إلى كييف المتطورة.
وقد ظلت أوكرانيا تحت السيطرة السوفييتية لما تبقى من القرن العشرين حتى انهيار الاتحاد في ديسمبر/كانون الأول من 1991، بحسب الموسوعة البريطانية Britannica.
دولة “الأوكرانيا” أو “الأراضي الحدودية” المستقلة
بعد إعلان السيادة مطلع التسعينات، غيرت الدولة اسمها الرسمي من الجمهورية الأوكرانية الاشتراكية السوفييتية إلى “الأوكرانيا”، وساعدت في قيادة تأسيس كومنولث الدول المستقلة (CIS)، وهو اندماج يضم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق المستقلة.
وبدأت هذه الاتفاقية من قبل أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا لتحل محل الاتحاد السوفييتي، وانضم إليها لاحقاً عدد من جمهوريات آسيا الوسطى وجمهوريات عبر القوقاز، بما في ذلك مولدوفا.
وعملت رابطة الدول المستقلة تلك على تنسيق سياسات الدول الأعضاء في مجالات مثل الشؤون الخارجية والاقتصاد والدفاع.
لكن لم يكن هذا هو الاستخدام الأول لتلك التسمية في أوكرانيا، فقد ظهر المصطلح البولندي Ukrajina أو “الأراضي الحدودية” لأول مرة خلال القرن السادس عشر عندما تم دمج الأراضي الأوكرانية في الكومنولث البولندي الليتواني الذي امتد حتى عام 1764.
وبحلول القرن الثامن عشر، استخدمت الإمبراطورية الفرنسية أداة التعريف في الإشارة إلى أوكرانيا، ومن هنا رسخت تسمية “الأوكرانيا” لتلك البلاد.
وقد أصبح استخدام “الأوكرانيا” أكثر شيوعاً عندما كانت كياناً إقليمياً لكل من الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفييتي.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أعلنت الحكومة الأوكرانية في دستورها أنه سيشار إليها من الآن فصاعداً باسم “أوكرانيا”، وبالتالي أسقطت تعريف الاسم.
وكان هناك سببان لتلك الخطوة بحسب الإذاعة البريطانية BBC. أولاً، لأنه في اللغتين الروسية والأوكرانية، وهما اللغتان الأكثر شيوعاً في أوكرانيا، لا يوجد استخدام لأدوات التعريف، وبالتالي بدا من الحماقة تضمينها في نطق الاسم الرسمي للدولة.
ثانياً، لأنه مع إقرار استقلالها عن السوفييت، أصبحت “الأوكرانيا” مصطلحاً مهيناً يشير لفترة خضوعها للاتحاد، وكان يعني ضمنياً أن أوكرانيا لا تزال منطقة إقليمية تابعة لأحد حكامها السابقين.
أوكرانيا الحديثة التي نعرفها اليوم
وللمرة الثانية في تاريخها الحديث، أتيحت لأوكرانيا فرصة لتأكيد سيادتها.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2013، تجمع مئات الآلاف من المواطنين الأوكرانيين في ساحة الاستقلال في العاصمة كييف، احتجاجاً على فساد الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش وحكومته، مطالبين بتحقيق ديمقراطية حقيقية في البلاد.
ومنذ “ثورة الكرامة”، اتخذت أوكرانيا خطوات للوفاء بمتطلباتها من أجل الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، بحسب موقع The Conversation.
وهذا يشمل القضاء على الفساد، وتحقيق أذون السفر بدون تأشيرة للدول الأعضاء، وتوسيع أسواقها بحيث لا تعتمد على روسيا كشريك تجاري رئيسي لها.
وبالنظر إلى هذه التعديلات تمكنت أوكرانيا أن تلعب دوراً أخيراً كدولة ذات سيادة، ليس فقط في أوروبا، بل عالمياً أيضاً.
ومع ذلك، ظلت أوكرانيا عضواً في رابطة الدول المستقلة حتى عام 2018 فقط، عندما تم سحب عضويتها نتيجة الصراع المستمر الناجم عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وهي شبه جزيرة في جنوب أوكرانيا، في عام 2014، وموت أكثر من 10 آلاف أوكراني نتيجة الصراع في السنوات التي تلت ذلك.
وبالرغم من أن أوكرانيا لا تزال دولة مستقلة، لكن روسيا تسيطر على بعض المناطق التي كانت تابعة لها.
إذ لا تزال الحكومة الروسية تسيطر على شبه جزيرة القرم، وتسيطر من خلال المتمردين والانفصاليين على أجزاء كبيرة من مدينتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيتين منذ عام 2014، وفقاً لـBBC.
يأتي ذلك كله قبل أن يبدأ الهجوم الروسي الأخير على أوكرانيا أواخر فبراير/شباط 2022 ليقلب موازين المعادلة ويرسم خطوطاً عريضة لا ندري بعد كيف ستُذكر في مستقبل الدولة الأوكرانية.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع عربي بوست