زيلينسكي.. قصة الممثل الكوميدي الذي أصبح رئيساً لأوكرانيا ويقول إنه يسعى للتصدي للهجوم الروسي
السياسية – رصد :
تحوّل فولوديمير زيلينسكي فجأةً إلى رمز التحدي في مواجهة الهجوم الروسي على أوكرانيا، فما قصة الرجل الذي ترك عمله كممثل كوميدي لعب دور “خادم الشعب”، إلى رئيس فعليّ في وقت الحرب؟
رغم أن الأزمة الأوكرانية لم تبدأ مع الهجوم الروسي يوم الخميس، 24 فبراير/شباط 2022، بل يرجع تاريخها بالأساس إلى عام 2014، مع الإطاحة بالرئيس فيكتور يانكوفيتش، الموالي لروسيا، واندلاع تحركات انفصالية مسلحة في شرق أوكرانيا، شهدت ضم روسيا شبه جزيرة القرم، فإن تلك الأحداث كانت بداية ظهور اسم زيلينسكي على الساحة السياسية في بلاده.
إذ لعب زيلينسكي، الممثل الكوميدي، دور الرئيس في مسلسل تلفزيوني فكاهي عنوانه “خادم الشعب”، وبدأ عرضه عام 2015، لكنه بعد أربع سنوات فقط أسس حزباً سياسياً حمل اسم المسلسل “خادم الشعب”، وترشح من خلاله للانتخابات الرئاسية، وفاز بها في عام 2019، بنسبة تأييد زادت عن 37%.
من هو الرئيس زيلينسكي؟
ولد فولوديمير زيلينسكي، البالغ من العمر 44 عاماً، في بلدة كريفي ريه، وسط أوكرانيا، لأبوين يهوديّين، وتخرج في جامعة كييف الوطنية للعلوم الاقتصادية، التي حصل منها على شهادة في القانون، لكن خريج القانون لم يعمل في مجال القانون، بل وجد ضالته في التمثيل، وبصفة خاصة الأدوار الكوميدية.
وكان زيلينسكي في شبابه يشارك بشكل منتظم في برنامج فكاهي تنافسي، كان يبث من خلال التلفزيون الروسي، وفي عام 2003، شارك في تأسيس فريق إنتاج تلفزيوني ناجح، أُطلق عليه اسم كفارتال 95، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وأنتج هذا الفريق برامج لشبكة 1+1 التلفزيونية الأوكرانية، التي قام مالكها الملياردير إيغور كولومويسكي لاحقاً بدعم حملة زيلينسكي للفوز برئاسة الجمهورية.
لم تكن السياسة تمثل الاهتمام الأول لزيلينسكي، وانعكس ذلك بشكل واضح على الأدوار التي لعبها في بداية عمله كممثل فكاهي، وكان اهتمامه منصباً على عمله التلفزيوني والسينمائي (في أفلام مثل “الحب في المدينة الكبيرة” (2009)، و”ريفسكي مقابل نابوليون” (2012)).
لكن الأحداث التي شهدتها أوكرانيا عام 2014 مثلت بداية صعود زيلينسكي المفاجئ في عالم السياسة، وذلك عقب الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا يانوكوفيتش، بعد “احتجاجات” دامت عدة شهور.
بعد ذلك، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها، وبدأت بتقديم الدعم والإسناد للانفصاليين في منطقتي دونيتسك ولوغانسك في إقليم دونباس، شرق أوكرانيا، في حرب استمرت بشكل متقطع حتى تصاعدت بشكل خطير في الأيام الأخيرة، وتحولت إلى هجوم روسي على أوكرانيا، منذ الخميس 24 فبراير/شباط 2022.
وبعد عام واحد، أي في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، عرضت الحلقة الأولى من مسلسل “خادم الشعب” للمرة الأولى عبر شبكة 1+1، وفيه أدى زيلينسكي دور فاسيلي غولوبورودكو، مدرس تاريخ بسيط يصبح بمحض الصدفة رئيساً للجمهورية، وذلك عقب انتشار شريط مصور يظهره وهو يستخدم ألفاظاً نابية ضد الفساد. كانت تلك قصة خيالية استولت على مخيلة الأوكرانيين الذين كانوا قد ضاقوا ذرعاً بالسياسة بشكل عام.
وفي بلد يعاني من الفساد بصورة خانقة، إذ تعتبر أوكرانيا واحدة من أكثر دول العالم فساداً، كان لهذا الدور الذي لعبه زيلينسكي بشكل فكاهي في “خادم الشعب” تأثير هائل، عندما قرر الممثل الكوميدي أن يلعب الدور بشكل واقعي، واقتحم مجال السياسة، وأنشأ حزباً سياسياً سمّاه “خادم الشعب”.
وفي 2019 تمكّن زيلينسكي من الفوز على الرئيس آنذاك بيترو بوروشينكو، الذي سعى إلى تصوير منافسه على أنه سياسي مبتدئ، رغم أن الناخبين اعتبروا ذلك ميزة من ميزات زيلينسكي المحمودة. وانتخب زيلينسكي بأغلبية كبيرة بلغت 73,2%، وأدى اليمين الدستورية رئيساً لأوكرانيا في الـ20 من مايو/أيار 2019.
ماذا قدَّم زيلينسكي من وعود للأوكرانيين؟
خلال خطاب تنصيبه رئيساً لأوكرانيا، قال زيلينسكي: “طوال حياتي حاولت أن أفعل كل شيء حتى يبتسم الأوكرانيون، في السنوات الخمس المقبلة سأفعل كل شيء حتى لا تبكوا أيها الأوكرانيون”، حسبما نقلت مجلة Politico الأمريكية.
وقدم زيلينسكي للمواطنين الأوكرانيين عدداً من الوعود، أبرزها محاربة الفساد والتصدي لطبقة الأوليغاركيين الأثرياء في البلاد، وحل الصراع في إقليم دونباس، الذي يشهد تمرداً انفصالياً مدعوماً من روسيا، حتى تسهم تلك الإجراءات في تحسين مستوى معيشة المواطنين في نهاية المطاف، إذ إن أوكرانيا تعاني من نسبة فقر هي الأعلى على الإطلاق في أوروبا، ومن ضمن الأعلى عالمياً أيضاً.
وحاول زيلينسكي بالفعل تنفيذ وعده بإنهاء الصراع الدائر في شرقي أوكرانيا، وهو الصراع الذي خلّف 14 ألف قتيل على الأقل، وتم عقد لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس في صيف 2019.
وجرت مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا، وحدث تبادل للأسرى، ومحاولات لتطبيق بنود اتفاق مينسك للسلام. ولكن هذه المحاولات لم تُتابَع بشكل جدي، إذ غضب الرئيس الروسي من سعي زيلينسكي الأكثر حزماً لضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، واتخذ بوتين قراراً بمنح سكان المناطق الشرقية في أوكرانيا جوازات سفر روسية.
ورغم أن قراراً بوقف إطلاق النار في إقليم دونباس قد دخل حيز التنفيذ في يوليو/تموز 2020، فإن الاشتباكات بين الجانبين الانفصاليين والقوات الأوكرانية استمرت بشكل متقطع.
لكن لم يكن سهلاً بالنسبة لزيلينسكي أن يصور نفسه كرجل دولة، إذ كان منتقدوه يشيرون بشكل مستمر إلى افتقاره للخبرة السياسية.
وواجه زيلينسكي صعوبات جمة في الوفاء بوعد آخر من وعوده الانتخابية، وهو وعد التصدي للنفوذ السياسي والاقتصادي الكبير الذي يتمتع به كبار الأثرياء الأوكرانيين.
فقد عبّر منتقدوه عن شكوكهم في جديته في ذلك، آخذين بعين الاعتبار علاقاته الحميمة مع إيغور كولومويسكي، الثري الذي دعمت إمبراطوريته الإعلامية حملة زيلينسكي الانتخابية.
لكن حكومة زيلينسكي استهدفت عدداً من كبار الأثرياء الأوكرانيين، بمن فيهم زعيم المعارضة الموالي لروسيا فيكتور ميدفيدتشوك، الذي وضعه قيد الإقامة الجبرية، بتهم منها الخيانة العظمى، وهي تهم وصفها ميدفيدتشوك بأنها ترقى إلى “قمع سياسي”.
وأواخر عام 2020، سَن زيلينسكي قانوناً شمل تعريفاً للأثرياء المتنفذين، وفرض عليهم قيوداً عديدة منها منعهم من تمويل الأحزاب السياسية، لكن منتقديه اعتبروا هذه الإجراءات المناوئة للفساد صورية وتجميلية، قائلين إن الغرض منها كسب رضا إدارة بايدن الأمريكية، التي اعتبرها زيلينسكي منذ اللحظة الأولى لدخول بايدن البيت الأبيض درعاً واقياً في مواجهة روسيا.
هل وقع زيلينسكي في “فخ” الصراع بين بوتين وبايدن؟
يمكن القول إن الأزمة الأوكرانية المستمرة منذ عام 2014 قد اتخذت منحى تصعيدياً خطيراً مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، إذ استقبل الرئيس الأمريكي زيلينسكي، وقدم له وعوداً بالدعم الأمريكي، لرغبة كييف الانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي، عكس ما كان الموقف عليه أثناء رئاسة دونالد ترامب.
فقد ربط ترامب بين المساعدات الأمريكية لأوكرانيا وبين قيام زيلينسكي بفتح تحقيقات فساد في أعمال هانتر بايدن، نجل بايدن، منافس ترامب وقتها في أوكرانيا، بحسب ما كشفته تفاصيل محاكمة عزل ترامب أول مرة، والتي عرفت بفضيحة أوكرانيا.
لكن مع خسارة ترامب وفوز بايدن في الانتخابات الأمريكية أصبحت علاقة زيلينسكي ببايدن قوية، واستمر الرئيس الأمريكي في تقديم وعوده لنظيره الأوكراني بالدعم، حتى بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا، ليكتشف زيلينسكي أنه لا بايدن ولا غيره من زعماء أوروبا مستعدون لدخول الحرب دفاعاً عن أوكرانيا.
هنا خرج زيلينسكي الغاضب بتصريحاته العنيفة ضد القادة الغربيين واتهامهم بالخوف من ضم أوكرانيا للناتو، وقدم طلباً إلى الرئيس الروسي أن يرد على اتصالاته، وأبدى استعداده للتفاوض مع موسكو على أساس “حياد أوكرانيا”. كما أقدم الرئيس الروسي على متابعة حسابات الرؤساء والزعماء الغربيين على تويتر، تعبيراً عن غضبه وإحباطه من “تركه وحيداً” في مواجهة الهجوم الروسي.
لكن موقف زيلينسكي تغيّر تماماً في اليوم الثالث للهجوم الروسي، السبت، وتبدلت لهجته إلى التحدي التام، ليبرز بصفته زعيماً حازماً وموحداً في زمن الحرب لبلاده، ويلقى بهدوء خطابات تحدٍّ من هاتفه في شوارع كييف المظلمة، بحسب توصيف تقرير لموقع Axios الأمريكي، عنوانه “ما الذي يجب معرفته عن رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي؟”.
وكانت معدلات شعبية زيلينسكي قد انخفضت بشكل لافت خلال الأشهر التي سبقت الهجوم الروسي على أوكرانيا، وسط العواقب الاقتصادية لوباء “كوفيد-19″، واستمرار الحرب في إقليم دونباس.
وكانت وثائق باندورا قد كشفت أن زيلينسكي والمقربين منه يهيمنون على شبكة من الشركات المؤسسة في ملاذات ضريبية عالمية، لكن الرئيس الأوكراني قال إن الوثائق لم تأتِ بجديد، ونفى أن يكون هو أو أي من أفراد شركته (شركة كفارتال 95) من الضالعين في عمليات غسيل أموال.
ويوجه منتقدو زيلينسكي الآن اتهامات له بأن تراجعه عن التفاوض مع موسكو، وإعلان راية التحدي والصمود هو قرار أمريكي، يدفع ثمنه الأوكرانيون، وكان وزير الخارجية الروسي قد وصف الرئيس الأوكراني بأنه “غير مستقر، ولا يملك القرار”، في إشارة إلى تحكم الرئيس الأمريكي في القرار الأوكراني.
وكان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، قد أعلن أن روسيا أبلغت أوكرانيا موافقتها على المفاوضات، مشيراً إلى أن الجانب الأوكراني قال إنه يعيد النظر في فكرة إجراء محادثات مع روسيا في مينسك، واختار وارسو، ثم اختفى فجأة، كما صرحت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الجمعة، بأن واشنطن عرقلت أكثر من مرة عملية التفاوض بشأن التسوية الأوكرانية.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع عربي بوست