الدولارات الأمريكية-الغربية في المنطقة العربية أداة سياسية… ما هي الكواليس؟
السياسية – رصد :
منذ سنوات بدأ مشروع إنشاء منظمات غير حكومية تابعة لقوى عظمى حول العالم، وخاصةً في دول العالم الثالث، وتم تمويل هذه المنظمات بأموال أوروبية وأمريكية.
وعلى مدى العقود القليلة الماضية، اكتسبت هذه المنظمات نفوذاً كبيراً في المنطقة العربية، وفي دول مثل لبنان.
في لبنان، غالبًا ما تقدم هذه الشرکات خدمات تسد بعض الثغرات في الحكومة اللبنانية غير الراغبة في الوفاء بمسؤولياتها. وبعد بداية أزمة اللاجئين السوريين في لبنان والتطورات الأخيرة في هذا البلد، ولا سيما الانهيار الاقتصادي والانفجار الرهيب في مرفأ بيروت، تتم متابعة أنشطة المنظمات التابعة لأوروبا والولايات المتحدة بوتيرة أسرع.
في مقال متعدد الفصول، كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية وثائق حول الأعمال التخريبية للمنظمات غير الحكومية التابعة للقوى العظمى في العالم في دول العالم الثالث، بما في ذلك لبنان.
وجاء في مقدمة المقال: “إن الوضع الاقتصادي والمالي الصعب في لبنان جعل هذا البلد يقبل أي دولارات تأتي من الخارج، دون معرفة المصدر ولأي غرض تدخل، حتى لو كان ذلك على حساب الإضرار بسيادة الحكومة ونفوذها. وقد وصل الوضع في لبنان إلى نقطة حيث توجد الآن بعض الصناديق الأجنبية التي يمكن أن تلعب دورًا أكبر في تشكيل سياسات وأولويات البلاد أكثر من الحكومة اللبنانية”.
وبناءً على ذلك، يعتقد العديد من المراقبين أنه بما أن هذه الدولارات التي تأتي بها هذه الصناديق لها تأثير كبير على صياغة السياسات والقوانين في لبنان، فيجب معالجتها على نطاق أوسع. خاصةً أن بعض هذه الصناديق تقوم بعدة حملات، بهدف الحصول على أغلبية نيابية لمرشحيها المفضلين في الانتخابات النيابية اللبنانية.
إن الفترة التاريخية التي تسمى الحرب الباردة، والتي شهدت قيام الکيان الصهيوني المزيف وحروب مدمرة حول العالم، قد انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وشهدت هذه الفترة العديد من الأحداث الدموية في المنطقة، بما في ذلك الحرب الأهلية اللبنانية، والهجوم الإسرائيلي الوحشي على بيروت، وغيرها من الأحداث المدمرة التي مرت بها جميع الدول العربية. هذه الحرب دارت مباشرةً بين قوتين عظميين، ولکن ظهرت نتائجها في دول أخرى من العالم.
تغيرت خريطة العالم بشكل كبير في التسعينيات، واستمرت الحروب المدمرة بعد الحرب الباردة. وفي كل هذه السنوات، كانت المنطقة العربية ساحة تسوية بين القوى المختلفة.
بالطبع، لا ننوي هنا الخوض في تفاصيل الصراعات والأحداث التي وقعت في المنطقة العربية، لكن الفترة التاريخية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي شهدت مرحلةً جديدةً بدأت مع توسع ما تسمى القوة “الناعمة” للولايات المتحدة.
صاغ مصطلح “القوة الناعمة” جوزيف ناي من جامعة هارفارد في أواخر الثمانينيات. رأى جوزيف ناي القوة الناعمة كوسيلة يمكن من خلالها لقوة عظمى إخضاع البلدان الأخرى، والقيام بكل ما تريده في تلك البلدان دون إنفاق تكلفة الحرب. لكن القوة الناعمة، مثل الحرب الباردة، مدمرة للغاية، وفي بعض الحالات يمكن أن تكون دمويةً للغاية.
القوة الناعمة هي في الواقع أداة للحفاظ على الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية لقوة عظمى في بلدان أخرى من العالم.
إن أبعاد القوة الناعمة الأمريكية في بلد مثل لبنان يمكن رؤيتها بسهولة على جميع المستويات، وكان من المفترض أن يكون المشروع المخطط للبنان في هذه المنطقة نموذجًا ناجحًا لإنجازات القوة الناعمة. وإلقاء نظرة سريعة على الواقع الحالي والأوضاع المضطربة في لبنان، يكشف الكثير من الحقائق في هذا الصدد.
في غضون ذلك، تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على هيمنتها وقوتها الناعمة كما كانت بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي. ويمكن رؤية هذه السياسات والقوة الناعمة للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، من كازاخستان إلى كوبا.
وبهذه الطريقة تحرض الولايات المتحدة الشعوب على الإطاحة بحكوماتها، تماشياً مع سياسات واشنطن. والثورات الملونة في أوكرانيا وجورجيا منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، هي أهم مثال على هذه الجهود الأمريكية، ونجاحها يشجع الولايات المتحدة على تنفيذ نمط الثورات الملونة في مناطق أخرى أيضًا.
لعب الملياردير المجري المولد “جورج سوروس” هذا الدور بنجاح في أوروبا الشرقية، لخدمة السياسة الخارجية للولايات المتحدة من خلال المنظمات غير الحكومية، وأصبح دعامةً لنشر الأيديولوجية النيوليبرالية الأمريكية من أوروبا الشرقية إلى آسيا الوسطى.
جورج سوروس هو فرع غير حكومي لسياسة واشنطن الخارجية، يقدم خدمات للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم على مختلف المستويات.
بالطبع، سوروس ليس أول وآخر عميل غير حكومي للإمبريالية الأمريكية في العالم؛ لكن اسمه ارتبط بالأنشطة الأمريكية أكثر من أي شخص آخر له أدوار مماثلة بعيداً عن الأضواء الإعلامية.
إن آخر خدمة قدمها سوروس إلى الولايات المتحدة في هذا الصدد، كانت خلق أعمال شغب إعلامية، تم الكشف عنها قبل أشهر مع الكشف عن وثائق تسمى وثائق “باندورا”.
والمنظمة التي سربت معلومات عن ثروة جورج سوروس وعلاقته بواشنطن وشركاء آخرين، أشارت إلى عدة مشاريع تحت إشرافه وقيادته، بما في ذلك مشروع “الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد من أوروبا الشرقية إلى آسيا الوسطى”.
وحسب التقرير، قدم سوروس خدمات للإمبريالية الأمريكية حول العالم تحت ستار الأنشطة الإنسانية.
لكن في بلد مثل لبنان، تم إنفاق مليارات الدولارات على آلاف المشاريع التي نفذتها المنظمات غير الحكومية في ذلك البلد.
تضع هذه الصناديق سياسات تستند إلى مصالح أصحاب المصلحة، والتي لا تهتم بالضرورة بخيارات الناس. واستندت العديد من التوجهات والخطابات الإعلامية التي شوهدت في لبنان، إلى سياسات هذه المنظمات التي تخضع لإشراف قوى عظمى مثل الولايات المتحدة.
واللافت أن نفس هذه المؤسسات والجمعيات المحسوبة على الصناديق المذكورة في لبنان، لا تعرف من وضع لها هذه الأولويات.
إن أنشطة صناديق المنظمات غير الحكومية التابعة للولايات المتحدة والغرب في لبنان، قد تجاوزت المؤسسات التعليمية والصحية والقضائية والمدنية والخدمية إلى المؤسسات لأمنية والعسكرية.
هذه المنظمات، في الواقع، بشكل غامض ومن خلال الجمعيات التابعة لها، تقدم الأموال في شكل مساعدات إنسانية للأشخاص الذين همهم الوحيد هو مصدر رزقهم، وفي المقابل تطلب منهم بشكل غير مباشر اتباع سياسة هذه المنظمات.
ويعتقد الكثير من المراقبين، أن معظم ضحايا الولايات المتحدة في دول العالم، بما في ذلك لبنان، لا يعرفون أنهم ضحايا.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع الوقت التحليلي