هل هناك مخرج سلمي لليمنيين؟
بقلم: نجلاء م. شهوان
( صحيفة ” ديلي صباح- Daily Sabah” التركية, النسخة الإنجليزية – ترجمة: انيسة معيض, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
أصبح اليمن الذي كان يشار إليها سابقاً باسم “الأرض السعيدة”، موقعاً لمعاناة مدنية شديدة وأزمة إنسانية في السنوات الأخيرة، ولا يزال احتمال التوصل إلى اتفاق سلام في عام 2022 غير مؤكد.
لقد تحولت الحرب التي استمرت سبع سنوات إلى حرب بالوكالة, يواجه الحوثيون المدعومون من إيران والذين أطاحوا بالحكومة اليمنية تحالفاً متعدد الجنسيات بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، أدى تورط مقاتلين آخرين، بما في ذلك داعش والقاعدة إلى جانب ظهور الفصائل المتنافسة داخل الجماعات إلى تعقيد الوضع أكثر.
يدفع سكان اليمن ثمناً باهظاً، حيث لا يستطيع أكثر من نصفهم الحصول على الغذاء للبقاء على قيد الحياة مع نمو معدل الفقر بشكل كبير.
يعاني الآن حوالي 15.6 مليون شخص من الفقر المدقع ويتزايد التضخم، لاسيما في جنوب اليمن، حيث بلغ سعر الدولار الواحد في ديسمبر 2021 بقيمة 1،670 ريالاً يمنياً في الجنوب, بزيادة قدرها 140٪ منذ بداية العام.
وفي الوقت نفسه، لم يتلق معظم الأطباء والمعلمين وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية رواتب منذ سنوات، مما يقوض الأنظمة العامة الحساسة.
علاوة على ذلك، تضررت 229 مدرسة و 148 مستشفى بسبب النزاع أو استخدمت لأغراض عسكرية منذ عام 2015.
وقد أدت جائحة كوفيد -19 إلى تفاقم الوضع من خلال تعطيل سلاسل الإمداد وزيادة خفض الدخل.
عدم وجود تقدم دبلوماسي
فشلت اتفاقيات السلام المتتالية والترتيبات السياسية في أن تتحقق على ارض الواقع, مع عزم كل من الجانب الحوثي المدعوم ايرانياً والجانب الحكومي المدعوم سعودياً على تحقيق نصر عسكري.
وقف إطلاق النار المحلي لم يترجم إلى عملية سلام أوسع, أنهت اتفاقية ستوكهولم لعام 2018 الهجوم المدعوم من التحالف على مدينة الحديدة الساحلية الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون، لكنها لم تؤد إلى اتفاق أوسع, وتقدم الحوثيون في كل من محافظتي مأرب والبيضاء في عام 2021.
وايضاً أنهى اتفاق الرياض لعام 2019 بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً قتالاً كبيراً في مدينة عدن؛ ومع ذلك، لا تزال هناك توترات كبيرة بين الجانبين, يتحول في بعض الأحيان إلى قتال.
ستستمر صراعات الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي مع الحكومة اليمنية ويمكن أن تؤدي إلى تجدد أعمال عنف كبرى في أي وقت حيث تسعى جميع الأطراف إلى الوصول إلى السلطة عبر العمليات العسكرية بالنظر إلى عدم وجود حوافز قوية للانخراط في عملية سياسية.
ليس من المستغرب أن تكون الفوضى المستمرة في اليمن بمثابة نقطة جذب للمتطرفين الأكثر عنفاً.
في وقت سابق من هذا الشهر، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن الأعمال العدائية الجارية، قائلة إن الأطراف المتحاربة سرعت جهودها لتحقيق النصر على جبهة القتال.
قال هانز غروندبيرج، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي: “بعد سبع سنوات على طريق الحرب، يبدو أن الاعتقاد السائد لجميع الأطراف المتحاربة بإلحاق ضرراً كافياً بالطرف الآخر سيجبرهم على الخضوع”.
وأضاف: “ومع ذلك، لا يوجد حل مستدام طويل الأمد يمكن العثور عليه في ساحة المعركة”.
دعوات إنسانية
مع دخول الصراع في اليمن عامه السابع، يقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنه تسبب في مقتل ما يقرب من ربع مليون شخص، بينما يواصل ملايين اليمنيين مواجهة أكبر أزمة إنسانية في العالم, كما يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.
اشتد الصراع في عام 2021 حيث تأثرت 49 مديرية في اليمن بشكل مباشر بالخطوط الأمامية النشطة والتي كانت تبلغ 35 مديرية في بداية عام 2020.
وأدى الوباء إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وقد عانى المدنيون في جميع أنحاء البلاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية ونقص الخدمات الأساسية.
قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقرير نُشر في نوفمبر الماضي، إن ما يقرب من 60٪ من الوفيات كانت لأسباب غير مباشرة مثل المجاعة والأمراض التي يمكن الوقاية منها، في حين نتجت باقي الوفيات جراء القتال في الخطوط الأمامية والغارات الجوية.
أشار التقرير إلى أن الأطفال يمثلون 70٪ من الوفيات بسبب ضعف الأطفال وتعقيد الصراع الذي طال أمده، والذي تسبب في خسائر فادحة في الخدمات الاجتماعية والصحية.
من جانبه، أفاد برنامج الغذاء العالمي أن أكثر من نصف اليمنيين – 16.2 مليون شخص- يواجهون خطر الجوع الحاد.
لقد تفاقمت أزمة الغذاء بسبب الزيادة الحادة في أسعار السلع الأساسية والتي شهدت ارتفاعاً بنسبة 30٪ إلى 70٪ منذ بداية الصراع.
كما أن سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات هو مصدر قلق ملح آخر حذر منه برنامج الأغذية العالمي.
من ناحية أخرى، ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نزح داخلياً أكثر من 4 ملايين يمني.
كما أفادت أنه في الأسبوعين الأولين من عام 2022 وحده، نزح 3468 شخصاً (578 أسرة) ويواجهون عدداً كبيراً من التحديات، وأكثر عرضة لخطر المجاعة والأمراض التي يمكن الوقاية منها.
مشهد كئيب
أصبحت الحرب في اليمن جزءاً من مجموعة متغيرة بسرعة من الديناميكيات الإقليمية.
إن البلد ممزق بطرق تجعل أي تسوية تفاوضية صعبة ومعقدة بشكل غير عادي.
دول التحالف العربي تواصل خوض الحرب بلا أهداف أو رؤية سياسية, والجميع دفع وما زال يدفع ثمن هذا الخطأ الاستراتيجي.
لقد دمرت الحرب اليمن لسنوات عديدة قادمة وتطورت إلى حرب استنزاف لمختلف الأطراف وخاصة السعودية التي تبحث عن مخرج بأي ثمن.
يتوقع المحللون أن يشهد اليمن المزيد من العمليات العسكرية في عام 2022 والتي من شأنها أن تولد صراعات جديدة بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلد وتعيد تشكيل التحالفات، مما يتسبب في نهاية المطاف إلى حقائق جديدة على الأرض وإضافة المزيد من التعقيدات للوضع.
ومع ذلك، على الرغم من هذه المعضلة وسنوات الدمار، فإن اليمنيين العاديين يحبون الحياة ولا يزالون يأملون في السلام.
للمجتمع الدولي دور كبير وعليه أن يتوقف عن ترخيص بيع الأسلحة والمعدات العسكرية لأي دولة متورطة في الحرب ويجب أن يتوقف عن دعم أحد الطرفين ضد الطرف الآخر.
يجب على مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات الأمم المتحدة على جميع الأطراف المتورطة في انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في اليمن.
هذه الحرب يجب أن تنتهي مهما كانت صعبة, وهذا يعني تجاوز الروايات التي تهيمن عليها السياسات الإقليمية وتطوير فهم أكثر شمولاً للديناميكيات والجهات الفاعلة والمصالح المحلية لإنقاذ الشعب اليمن بأكمله.
لا تزال اليمن كبيرة ومتجذرة تاريخيا وجغرافيا، مع وجود الكثير من الإمكانات للنمو والتنمية.
يجب أن يبحث اليمنيون عن مخرج مناسب من الأزمة من خلال تشكيل جبهة وطنية مؤلفة من جميع القوى ذات التأييد الشعبي، أولاً لإنهاء الحرب, ثم إيجاد الحلول السياسية القائمة على القانون والانتخابات والتنمية الاجتماعية دون أن تكون أسيرة لأي لاعبين إقليميين أو دوليين.
*كاتبة وباحثة وصحفية مستقلة فلسطينية, حاصلة على جائزتين من اتحاد الكتاب الفلسطينيين.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع