كيف يمكن للانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط أن يعزز العلاقات الإيرانية السعودية
بقلم: تيموثي هوبر *
(صحيفة “يوريجا رفيو- “Eurasia reviewالأمريكية- ترجمة: أنيسة معيض, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
أدى تحول الأولوية الإستراتيجية للولايات المتحدة من الشرق الأوسط والحرب الأبدية على الإرهاب إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ والحرب مع القوى العظمى إلى تغييرات جذرية في الديناميكيات الجيوسياسية والجيواستراتيجية للشرق الأوسط.
لم يترك الانسحاب المتسرع للولايات المتحدة من أفغانستان للتركيز على الصين دول الشرق الأوسط أي خيار سوى إعادة تقييم موقفها الإقليمي.
بعد الاستيقاظ على حقيقة أن الشرق الأوسط لم يعد الأولوية الأولى للولايات المتحدة ولن تدعمهم كما كان من قبل، بدأت الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إجراءاتها الاحترازية.
أصبحت الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ الآن على رأس الأولويات وإعادة هيكلة الانتشار العسكري الأمريكي من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ هو الرواية المشتركة بين الخبراء في الولايات المتحدة.
هذا أمر بالغ الأهمية للمملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى لأن هذه التغييرات تعني أنها لن تكون قادرة على التمتع بمظلة الحماية الأمريكية كما في الماضي.
لذلك دخلت الرياض في مفاوضات مع إيران من أجل إدارة الأزمات القائمة والمستقبلية وإيجاد حل لها, نظراً لتراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، لقد أدركت كلاً من السعودية وإيران أن فرصة تاريخية غير مسبوقة قد أتيحت لكلا الجانبين للعب دورهما بحرية كقوى إقليمية.
هذا بينما، في السنوات الأخيرة، اتبعت السعودية بالتحالف مع الإمارات سياسات طموحة ومغامرة للحفاظ على نفوذها الإقليمي وتوسيعه، وملء فراغ السلطة الحالي وإعاقة صعود القوى المتنافسة الإقليمية غير العربية.
في عام 2016, اتخذت السياسة الخارجية للسعودية نهجاً متماشياً مع النهج الأحادي الأول للرئيس الأمريكي ترامب، ولكن غير متسق مع خصائصها المركزية والتقليدية والنبرة العدوانية تماماً, حيث لجأت إلى استخدام القوة على نطاق واسع لتحقيق أهدافها.
الانضمام إلى حملة ترامب للضغط الأقصى على إيران، والتدخل العسكري في البحرين، والتخطيط والدعم لانقلاب على مرسي في مصر، والتدخل في الحرب الأهلية اليمنية، ودعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، وفرض الحصار على قطر، ومحاولة تشكيل تكتل مؤيد للمعارضة السعودية في سوريا والتخطيط لانقلاب في الأردن، هي بعض الإجراءات العدوانية للرياض في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، فإن إجراءات السعوديين المكلفة والمستهلكة للوقت للنهوض بالأهداف الإقليمية وموازنة القوة مع الدول غير العربية “إيران وتركيا” لم تكن مجدية بالكامل.
وبالتالي، نظراً لتلاشي دور الولايات المتحدة في المنطقة، بدأت الرياض مؤخراً جهوداً لتحسين العلاقات وتقليل التوترات مع إيران.
وهذا يعكس حقيقة أن السعودية تدرك الآن فشل سياساتها السابقة ولم تعد تبحث عن سياساتها المغامرة والمكلفة.
في نظر السلطات السعودية، ستكون إيران والجماعات التي تعمل بالوكالة عنها هي الرابح الرئيسي في الانسحاب الأمريكي من المنطقة وستكون لها اليد العليا في الشرق الأوسط.
تُخمن الرياض أن الولايات المتحدة تسعى أيضاً لتقليل خلافاتها مع إيران وأن عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة يمكن أن تعزز موقف طهران.
بالنظر إلى تجاهل إدارة بايدن للمنطقة، بدأت السعودية في تبني سياسة خارجية أكثر واقعية تم اتباعها قبل عام 2010 وسعت بحذر إلى تحقيق مصالحها من خلال الدبلوماسية الديناميكية.
وعليه، تحاول الرياض تحسين العلاقات مع الدول المنافسة في الشرق الأوسط، والعمل على نزع فتيل التوترات مع إيران بهدف زيادة الأمن والاستقرار في المنطقة.
لطالما كانت حرب اليمن وحتى خطة العمل الشاملة المشتركة من بؤر الخلاف بين السعوديين والإيرانيين.
إن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة يمكن أن يهدئ إلى حد كبير مخاوف السعودية بشأن برنامج إيران النووي.
من المحتمل أن يؤدي خفض التوترات بين البلدين في اليمن وأماكن أخرى إلى أتاحت الفرصة للرياض للعب دور مثمر في عملية عودة الولايات المتحدة وإيران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
لذلك كانت محاولة الاقتراب من إيران رد فعل طبيعي متوقعا من السعوديين العائدين إلى نهج الواقعية والبراغماتية.
يمكن أن يكون الحد من التهديدات الإقليمية الأمريكية ضد إيران حافزاً قوياً لطهران لاتخاذ خطوات لتحسين وتطوير العلاقات مع السعودية والدول العربية الأخرى.
هذا هو الحال بشكل خاص لأن الربيع العربي أدى إلى إضعاف والقضاء على القوى الإقليمية مثل مصر وسوريا والعراق.
كما غيّر الربيع العربي بشكل جذري ميزان القوى في المنطقة وأسفر عن صعود إيران وتركيا كمنافسين إقليميين غير عربيين، وزاد من فراغ السلطة في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وجنوب شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي.
يمكن لتحركات ومحادثات المصالحة بين السعودية وإيران أن تحيي حلم تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
في الذكرى الخامسة لمشروع رؤية الطموح للمملكة العربية السعودية 2030 في أبريل من هذا العام، أعرب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن رغبة بلده في تخفيف التوترات مع إيران وأعرب عن أمله في إقامة علاقة جيدة ومميزة مع إيران.
يرى بن سلمان استقرار وازدهار الشرق الأوسط في تحسن العلاقات مع إيران، وهو واثق من أن المصالح المشتركة للرياض وطهران يمكن أن تسرع من نمو وازدهار المنطقة والاقتصاد العالمي في نهاية المطاف.
يشار إلى أن إيران رحبت بشدة بتغيير لهجة الأمير بن سلمان.
وعلى الرغم من أن الطريق أمام البلدين طويل لتطبيع العلاقات، إلا أن محادثات بغداد التي عقدت في أبريل الماضي بوساطة وزير الخارجية العراقي، حظيت حتى الآن بتقييم إيجابي من قبل الطرفين، ولكن دون أي نتائج ملموسة.
كان هذا قبل عام مضى، وبدت مثل هذه الإنجازات مستحيلة.
في ضوء تغيير النظام الإقليمي، من المتوقع أن يسعى كلا البلدين إلى حل النزاعات طويلة الأمد، وإقامة نظام جديد ومستقل في نهاية المطاف عن القوى الخارجية من خلال سياسات بناءة قائمة على المصالح والقيم المشتركة.
إن طريق المصالحة وعر وطويل ولكنه يؤدي إلى مزيد من الاستقرار في المنطقة.
* تيموثي هوبر: خريج العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع