أعراس فوق أسطح المنازل بدل القاعات، والعزاء عبر الهاتف ونزوح للقرى.. كيف غيرت الأزمة لبنان؟
السياسية -رصد :
يعيش الشعب اللبناني أياماً صعبة يئنُّ فيها تحت وطأة أزمة اقتصادية ومالية هي الأسوأ في تاريخه، إذ تتكدس الأزمات وتتزايد على كافة الاتجاهات، يرافقها انسداد سياسي وحكومي مع تعطُّل جلسات مجلس الوزراء وربطها بملفات قضائية وسياسية ومصالح شخصية وحزبية.
ومع استمرار الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار معظم السلع، اضطر اللبناني إلى تغيير كثير من العادات والتقاليد والممارسات اليومية التي كان يعتادها.
الجلسات العائلية في خبر كان
فالجلسات الصباحية التي تتميز بها النساء اللبنانيات على وجه الخصوص، سواء في المنازل أو في المقاهي، تراجعت بنسبة كبيرة جداً، بسبب غلاء السلع ابتداء من البن والشاي وحتى الحلويات مثل الكعك المُحلى، والبتي فور، والبسكويت وغيرها، والتي بات شراؤها شبه مستحيل ومن الكماليات؛ نظراً إلى ارتفاع أسعارها.
وبالتالي أصبحت ربة المنزل تفضّل شراء الطعام لعائلتها بدل هذه السلع التي باتت باهظة جداً، وحُرمت كثير من النساء من الجلسات الصباحية، وبعضهن لجأن إلى الجلسات “الناشفة”، أي من دون ضيافة.
وتقول أسيل وهي صبية لبنانية، إنها كانت متعودة أن تجلس كل صباح مع صديقاتها في الحي ويشربن النسكافيه معاً ويتناولن الحلوى، ولكن مع ارتفاع الأسعار بدأن يخففن هذه الجلسات وأصبحت ثلاث مرات في الأسبوع، وتضيف أنهن في هذه الأيام مع اشتداد الأزمة يلتقين فقط في آخر الأسبوع مرة واحدة، وتضيف بين المزاح والحزن: “أصبحت الجلسة تكلّف نصف راتبها لشهر كامل!”.
من الفخامة إلى البساطة
لطالما عُرف اللبنانيون بأعراسهم الفخمة منذ عقود طويلة، وتمّيزت حفلات الزفاف في لبنان بالديكورات الأنيقة، وتبدأ التحضيرات للأعراس قبل أشهر لناحية المكان والمعازيم والطعام والحلويات والزهور والزخرفات والموسيقى والأغاني وفستان العروس وبدلة العريس وغيرها من التفاصيل التي تعني اللبنانيين بشكل كبير.
ولكن هذه الأعباء الاقتصادية جعلتها في آخر الأولويات، إذ لم يعد اللبناني قادراً على الحفاظ على المستوى نفسه من نمط العيش، وأصبح مُجبراً على تغيير هذا النمط والعادات والتقاليد، وذهب بعضهم باتجاه إلغاء حفل الزفاف من أساسه، وبعضهم يؤجل خطوة الزواج، بشكل عام. وتحوّلت حفلات الزفات إلى أسطح الأبنية والحدائق العامة وساحات الأبنية بدلاً من الفنادق.
يقول “أحمد”، وهو شاب ثلاثيني يستعد للزواج، إنه كان يخطط هو وخطيبته لإقامة حفل زفاف في صالة للأعراس بمنطقة الجية، ولكنّه اليوم لم يعُد قادراً على تحمُّل كل الأعباء والضغوطات، بسبب الغلاء الحاصل وارتفاع الدولار إلى أرقام صادمة وخيالية، ويضيف بين المزاح والغضب: “أصبح عرسي على السطح بدل البحر”.
حتى مراسم العزاء أصبحت بالشكل ذاته، يقول سليم- وهو شاب عشريني تُوفي والده مؤخراً- إن مراسم الدفن اقتصرت على المقربين فقط؛ نظراً إلى ارتفاع تكلفة التنقل، ويشير إلى أنهم تقبَّلوا التعازي عبر الهاتف!
النزوح العكسي من المدينة إلى الريف
حوّلت الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان، المدن من ملجأ لسكان الأرياف والقرى البعيدة، إلى مكان يهجره اللبنانيون، بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة في هذه المدن نتيجة ارتفاع إيجارات الشقق السكنية إلى حدود خيالية، والتكلفة الباهظة لاشتراكات المولدات الكهربائية الخاصة.
أجبرت الأزمة المواطن اللبناني على كسر القاعدة التي كانت مُتبعة في السابق وهي النزوح من الريف إلى المدينة؛ نظراً إلى توافر الخدمات الأساسية كالكهرباء والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات التي كانت تفتقدها الأرياف والقرى البعيدة، وأصبحت تكلفة المعيشة في الأرياف أقل من المدن، حيث يتوافر منزل للعائلة في معظم الأحيان، وفي حال افتقاده فإن إيجارات المنازل أقل تكلفة بكثير من المدن.
“وسام”، وهو مواطن لبناني وأب لطفلين، كان يعمل محاسباً بشركة خاصة في بيروت ويعيش بشقة سكنية في منطقة “رأس النبع” بالعاصمة بيروت، يقول إنه اضطر إلى ترك الوظيفة والمنزل الذي كان يعيش فيه، وانتقل هو وعائلته إلى قريته في قضاء مرجعيون جنوب لبنان على الحدود مع فلسطين المحتلة، للسكن مع أهله في منزل العائلة، لأنه لم يعد قادراً على تحمُّل الأعباء التي تخطَّت راتبه الذي يتقاضاه، بضعفين وأكثر.
ويضيف أنه يعمل حالياً موزِّع بضائع لإحدى المؤسسات في المنطقة التي يعيشها فيها، موضحاً أن أعباء المعيشة في الريف أصبحت أقل بكثير من المدن، سواء لناحية المسكن أو اشتراك الكهرباء والمدارس وغيرها الكثير.
وفي هذا السياق، نشرت “الشركة الدولية للمعلومات”، وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلة، تقديراتٍ لأعداد العائدين من المدن إلى القرى، فأشارت إلى أن نسبة العائدين تراوحت “ما بين 5% و7% من السكان في تلك القرى”.
وبعدما قدَّرت “الدولية للمعلومات” في دراستها، عدد المُقيمين بالقرى والأرياف بـ”نسبة 25% من اللبنانيين المُقيمين، أي نحو 1.1 مليون لبناني”، استنتجت أن عدد العائدين يراوح “ما بين 55 ألف فرد و77 ألف فرد”، لافتةً إلى أن الأعداد مُرشَّحة للازدياد مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وتَفشّي البطالة وارتفاع تكلفة المعيشة في المدن مقارنةً بالقرى والأرياف.
عربي بوست