بقلم: نجم الدين أكار

السياسية: ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”

 

في الأسبوع الماضي، سربت وكالات المخابرات الأمريكية معلومات كشفت أن السعودية تطور صاروخاً باليستياً بدعم من الصين.

بعد ذلك بوقت قصير، أدت حقيقة قيام إيران بتدريبات أطلق عليها “النبي العظيم 17″، والتي استخدمت فيها أيضاً الصواريخ الباليستية، إلى إعادة الخليج إلى موقع الصدارة الدولي.

تشكل حقيقة أن كلا البلدين يحصلان على مساعدة من الصين في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية وتعد هذه المسألة مشكلة خطيرة لسياسة الولايات المتحدة الأخيرة المتمثلة في تطويق الصين.

يشعر العالم بالفضول حيال موقف الولايات المتحدة، التي ردت بحدة على حقيقة أن حلفاءها في المنطقة طوروا ترسانتهم العسكرية بالتعاون مع الصين في المجالات الاستراتيجية حتى الآن، خاصة للسعوديين.

في الواقع، يمكننا القول إن الوضع الحالي يرجع إلى عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة وإصرار الصين على متابعة مصالحها الحيوية في الخليج.

 

بحث السعوديين عن بديل أمن:

نظراً لأن الولايات المتحدة لا تزال غير أخلاقية بشأن منع الأنشطة النووية وقبولها كعضو كامل في منظمة شنغهاي للتعاون، فقد اكتسبت إيران راعياً قوياً في الصين.

نتج عن ذلك انفتاح كامل لعدم تكافؤ القوة ضد السعوديين في التنافس الإيراني السعودي في الخليج.

عدم استعداد الولايات المتحدة للرد على التهديدات الإيرانية للنظام السعودي، والتخلي عن السعوديين في حرب اليمن وحدها، وانسحاب أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية من جنوب العاصمة السعودية الرياض، في سبتمبر، أجبر السعوديين على البحث عن بدائل لتوفير أنظمة الدفاع.

بصرف النظر عن الصواريخ الباليستية Dongfeng-3 التي تم استيرادها من الصين في عام 1988، كان السعوديون يقومون بجميع مشترياتهم من الأسلحة من الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، مع ولاء كبير لها منذ عام 1932.

يحمل تحول السعوديين إلى الصين، أكبر منافس للولايات المتحدة في صناعات الدفاع والأسلحة، رسائل مهمة في هذه العملية.

حدث تغيير مهم في سياسة الولايات المتحدة التي اعتبرت في الماضي الشرق الأوسط سياسة خارجية ذات أولوية لمحاصرة السوفييت وضمان أمن الطاقة ودعم أمن إسرائيل.

حتى بداية عام 2010 كانت أمريكا الضامن الأهم للاستقرار السياسي لدول الخليج ووحدة أراضيها، لكنها بدأت منذ ذلك الحين في الخروج من دورها كضامن في المنطقة.

مع هذا التوجه للولايات المتحدة، التي لم تعد تعتمد على موارد الطاقة في المنطقة مع ثورة التكسير الهيدروليكي واعتمدت هدف السياسة الخارجية ذي الأولوية المتمثل في تقييد الصين باستراتيجية “المحور الآسيوي”، بدأت منطقة الخليج تفقد أولويتها.

ومع ذلك، مع مذاهب أيزنهاور (1957) ونيكسون (1969) وكارتر (1980)، أعلنت الدولة منطقة الخليج منطقة حيوية لمصالح الولايات المتحدة وأعلنت أن أي تحديات تواجه المصالح الأمريكية في هذه المنطقة سيتم الرد عليها باستخدام كل المعاني.

إن تآكل مهمة الولايات المتحدة كضامن لأمن الأنظمة في دول الخليج وإجبار حلفائها في المنطقة على الدفاع عن أنفسهم هو أهم سبب وراء بحث السعوديين عن بدائل مختلفة.

 

سياسة الصين في دخول الخليج:

لقد خلق الفراغ الإقليمي في القوة الذي أحدثه تجريد الولايات المتحدة من دورها كضامن للأمن في المنطقة فرصة مهمة للصين التي ظلت لسنوات عديدة تبحث عن مكان في المشهد السياسي العالمي.

تتحول الصين إلى استراتيجية في شكل أمن الطاقة والتجارة والاستثمار، والرد على الأنشطة العسكرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، وإنشاء تحالفات إقليمية بشأن قضية الأويغور.

تعتبر منطقة الخليج ذات أهمية لا غنى عنها من حيث أمن الطاقة بالنسبة للصين، التي تتزايد احتياجاتها من الطاقة بسبب اقتصادها سريع النمو.

منطقة الخليج التي تمتلك ثلثي احتياطيات النفط والغاز الطبيعي العالمي وهي قريبة جداً جغرافياً من الصين، تمثل اليوم وحدها 55٪ من واردات النفط الصينية.

كما أن الطلب على الغاز الطبيعي آخذ في الارتفاع بسبب الحساسية تجاه استهلاك الطاقة النظيفة.

ومن المتوقع أن تزيد الصين، التي استهلكت 15 مليون برميل من النفط يومياً في عام 2021، استهلاكها إلى 20 مليون برميل يومياً، ويكاد يكون من المستحيل تلبية هذا الطلب المتزايد من منطقة أخرى خارج الخليج.

وهذا وحده يجعل منطقة الخليج في غاية الأهمية بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية.

عنصر آخر يجعل منطقة الخليج مهمة بالنسبة للصين هو المزايا الاقتصادية والجيوسياسية الفريدة التي تقدمها المنطقة من حيث الاستثمار والتجارة.

لنجاح مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تم الإعلان عنها في عام 2013، تعتبر منطقة الخليج ذات أهمية لا غنى عنها.

إضافة إلى ذلك، فإن دول الخليج التي تمتلك احتياطيات نفطية غنية وتتجه إلى مشاريع بنية تحتية مهمة باستخدام الأموال الضخمة لديها، تقدم مزايا كبيرة من وجهة النظر الصينية، التي تعتبر الاستثمار والتجارة أهم عنصر في السياسة الخارجية.

ثالثاً، الصين التي استُهدفت في الأشهر الأخيرة من قبل الاتفاق النووي الفرعي بين (المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة) الذي يهدف إلى تدمير الصين في بحر الصين الجنوبي، تريد أيضاً التغلب على هذا الحصار من خلال إقامة علاقات وثيقة مع دول الخليج.

على وجه الخصوص، فإن التعاون مع إيران، الفاعل الوحيد الذي لديه القدرة والدافع لتحدي الوضع الإقليمي الراهن الذي حددته الولايات المتحدة، فهذا المحور مهم للغاية بالنسبة للصين.

أخيراً، تحاول الصين معالجة المشكلات الناشئة عن قضية الأويغور، والتي وضعتها في موقف صعب في السياسة الداخلية والخارجية، من خلال إقامة تحالف مع دولتين (إيران والمملكة العربية السعودية) تدعيان أنهما تقودان العالم الإسلامي في منطقة الخليج.

من وجهة نظر الصين، فإن احتمال تحول قضية الأويغور إلى جهاد عالمي، كما حدث في أفغانستان في الثمانينيات، هو أهم تهديد داخلي.

بفضل العلاقات الوثيقة التي طورتها مع إيران و السعودية، تأمل الصين في الحصول على دعم من دولتين مهمتين في العالم الإسلامي لوجهة نظرها الخاصة بشأن قضية الأويغور والتي ظهرت مؤخراً في المقدمة في الغرب.

 

التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين في الخليج:

خلال الفترة التي نحن فيها، أصبحت السياسة العالمية مسرحاً لمنافسة جيوسياسية شديدة بين الولايات المتحدة والصين.

في هذه المنافسة، تبرز منطقة الخليج كمنطقة مهمة للغاية بسبب موقعها الجيوسياسي ومزاياها الأيديولوجية وموارد الطاقة الغنية.

لسنوات عديدة، عارضت الولايات المتحدة بشدة تعاون حلفائها في المنطقة مع الصين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وصناعة الدفاع.

لكن عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الآن أجبر حلفاءها، الذين لديهم تصور متزايد بالتهديد على البحث عن بدائل.

من المعروف أن الصين تدعم منذ فترة طويلة برنامج الصواريخ الإيرانية، لكن السعوديين اليوم، مثل إيران، يضطرون إلى اللجوء إلى الصين في مجال المنتجات الدفاعية، الأمر الذي يشكل مخاطر كبيرة على مستقبل الهيمنة الأمريكية في منطقة الخليج.

إن حرص الصين على ملء فراغ السلطة الذي خلفته الولايات المتحدة، والتي أظهرت مؤخراً علامات على الانسحاب من منطقة الخليج، يشير إلى أن هناك تحولات مهمة في السياسة الإقليمية في المستقبل القريب.

 

  • المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع
  • موقع “ميدل ايست مينتور”