السياسية – متابعات :

يبدو أنّ العام الميلادي الجديد 2022 ربّما يكون نذير “شُؤم” بالنّسبة للمملكة العربيّة السعوديّة، ففي الأيّام العشرة الأُولى منه فقط، جرى احتِجاز سفينة شحن إماراتيّة مُحمّلة بالأسلحة السعوديّة كانت في طريقها إلى مدينة جازان جنوب المملكة، وضجّت وسائل التّواصل الاجتماعي بانتِقاداتٍ ساخرة لمُؤتمر صحافي للعميد تركي المالكي، النّاطق باسم قوّاتها المُسلّحة، وتحالفها في حرب اليمن، استَعان فيه بفيديو قال إنه يُوَثِّق مخزونًا للصّواريخ اليمنيّة في ميناء الحديدة اليمنيّة ليُثبِت لاحقًا أنّ هذا المقطع المُصوّر مأخوذٌ من فيلم أمريكي موجود على “اليوتيوب” جرى تصوير بعض لقطاته في العِراق، واعتبرها الكثير من المُعلّقين على هذه الوسائط بأنّها سقطة أو فضيحة كبيرة.

لكن الأزمة الصاروخيّة الأكبر التي تُعاني منها المملكة هذه الأيّام أكثر خُطورةً من هذا الكشف الفضيحة، فقد نشرت صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانيّة تقريرًا استندت فيه إلى مصادر أمريكيّة رفيعة يُؤكّد أن السعوديّة تُعاني من عجزٍ كبير في مخزونها من صواريخ “باتريوت” الاعتراضيّة، ولهذا طلبت من دولٍ خليجيّة مِثل قطر والإمارات دعمها بشَكلٍ عاجل بأكبرِ قدرٍ منها، لأن مخزونها قد ينفد في غُضونِ ثلاثة أشهر.

الحُكومة السعوديّة اشترت صفقة صواريخ من الولايات المتحدة بقيمة 650 مِليون دولار وافق عليها الكونغرس، لكنّ تسليم هذه الصّواريخ قد يستغرق أشهرًا وربّما سنوات، ولهذا تمّ اللّجوء إلى الدول الخليجيّة لتزويدها بما لديها، وبشَكلٍ عاجل.

الشّروط المُتعلّقة ببيع هذه الصّواريخ الأمريكيّة للمملكة أو أيّ دولة أُخرى، تنص على حتميّة الحُصول على مُوافقةٍ أمريكيّة مُسبقة في حالِ رغبتها في إرسالها، أو بيعها لطَرفٍ ثالث، ويبدو أن هذه المُوافقة قد صدرت لدولتيّ قطر والإمارات وربّما الكويت أيضًا، ولكن ما زال من غير المعروف ما إذا كانت هذه الدّول قد تجاوبت إيجابيًّا مع الطّلب السعودي، وأرسلت شُحنات من الصّواريخ إلى الرياض، فهذه أُمورٌ تتّسم بالسريّة والتكتّم، وما علينا إلا انتظار تقارير الصّحافة الغربيّة أو تسريبات المسؤولين الأمريكيين.

المخزون السعودي من صواريخ “الباتريوت” أوشك على النّفاد بسبب تزايد الهجمات اليمنيّة الحوثيّة على أهدافٍ في العُمُق السعودي بالصّواريخ الباليستيّة، والطّائرات المُسيّرة في العامين الماضيين، فلندر كينغ المبعوث الأمريكي إلى اليمن قال إن عام 2021 المُنصرم شهد 375 هجومًا صاروخيًّا باليستيًّا على السعوديّة انطِلاقًا من الأراضي اليمنيّة، بينما أحصت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة 29 ضربة بالطّائرات المُسيّرة و11 هُجومًا صاروخيًّا في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي فقط.

تكلفة الصّاروخ الباتريوت “الواحد”، وحسب الصحيفة المذكورة آنفًا تزيد عن مِليون دولار، وهذا عدا قيمة منظومات الإطلاق، بينما يُكَلِّف الصّاروخ اليمني المُصنّع في “كُهوف” جبال صعدة أقل من عشرة آلاف دولار، والشّيء نفسه يُقال عن الطّائرة المُسيّرة، والأمر الذي يكشف أحد أبرز مُفارقات الحرب اليمنيّة.

تكثيف سلاح الجو السعودي لغاراته على قوّات حركة أنصار الله الحوثيّة (الجيش اليمني ووحدات المُقاومة) في الأسابيع الأخيرة لمنع تقدّمها، والسّيطرة على مدينة مأرب الاستراتيجيّة، وعودة هذه الغارات بقُوّةٍ أيضًا لقصف العاصمة صنعاء، ومطارها ربّما يستدعي ردًّا صاروخيًّا باليستيًّا كبيرًا ومن أسراب الطّائرات المُسيّرة للعُمُق السعودي، في وقتٍ يقترب فيه المخزون من صواريخ “باتريوت” من النّفاد ممّا قد يُؤدّي إلى كارثةٍ كبيرة للسعوديّة، من حيث احتِمال إصابة هذه الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة المُوازية لها، لأهدافٍ استراتيجيّة سعوديّة مِثل مُنشآت أرامكو النفطيّة، والمطارات، والبُنى التحتيّة الأُخرى، وربّما وقوع خسائر بشريّة أيضًا.

الأشهر القادمة قد تكون صعبةً جدًّا بالنّسبة إلى المملكة خاصَّةً أن جميع الخطوات التي اتّخذتها قِيادتها للوصول إلى اتّفاقِ وقف إطلاق النّار في حرب اليمن، بِما في ذلك أربع جولات من الحِوار مع إيران في بغداد لم تُحَقِّق أيّ نجاح، وسحب إدارة بايدن لجميع بطاريّاتها الدفاعيّة الصاروخيّة (باتريوت وثاد) من القواعد الأمريكيّة لحِماية مُنشآت نفطيّة في بقيق وخريص وراس تنورة.. واللُه أعلم.

* المصدر : رأي اليوم