علي الدرواني*

مثّلت عملية البحرية اليمنية بالسيطرة على سفينة الشحن العسكرية في المياه الإقليمية اليمنية، خطوة صادمة للعدو، وعكست قرارًا جريئًا، بما تضمنته من دلالات هامة، أشار إليها كثير من الخبراء.

تُعَدّ العملية تحولًا نوعيًا في مسار الصراع على أعتاب دخول العدوان عامه الثامن، وهو تحوّل يسجّل لصالح الجيش اليمني واللجان الشعبية، لا سيما أن العملية تمّت رغم انتشار مجموعة كبيرة من القطع البحرية المتعددة الجنسيات التي تشارك في العدوان وفرض الحصار البحري على الشعب اليمني ومراقبة حركة السفن على أنواعها بدقة. كما تعكس العملية قدرة عمليّة للبحرية اليمنية على التوغل في عمق المياه الاقليمية اليمنية ومحاصرة سفينة بهذا الحجم ومن ثم اقتيادها الى مكان آمن في ميناء الصليف على ساحل البحر الأحمر.

هذه الدلالات سبّبت صدمة كبيرة لدى تحالف العدوان، فتغيير قواعد الاشتباك البحرية، إضافة الى تغييرها في البحر والجو، يُبرز الى جانب القدرة العملية لتنفيذ هكذا عمليات، القدرة الاستخباراتية في رصد وتتبع هذه السفينة، وبالتالي اختيار الوقت والمكان المناسبين للتنفيذ.

تحت تأثير الصدمة، صدر بيان عن تحالف العدوان السعودي الأمريكي، تضمن مغالطات لم تصمد أمام الوقائع والمشاهد التي نشرت للسفينة “روابي” التي كانت تحمل علم الامارات، وما تحمله من معدات عسكرية متنوعة، بين المدرعات وناقلات الجند، والأسلحة الرشاشة والذخيرة، وأجهزة الاتصالات العسكرية.

الوضع القانوني لسفينة روابي وفقًا لدليل سان ريمو بشأن النزاعات في البحار:

دليل سان ريمو أعده عدد من القانونيين الدوليين والخبراء البحريين الذين دعاهم المعهد الدولي للقانون الإنساني للاجتماع، بشأن القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة في البحار بين عامي 1988 و1994، وأشرف على إعداده فريق من الخبراء في القانون الدولي والملاحة البحرية، واعتمد النص في يونيو/ حزيران 1994.

هذا الدليل كان واضحًا في الفرع الثاني منه في التشديد على حق الدفاع عن النفس، وأوضح التدابير المتبعة أثناء النزاعات والحروب، والمعايير التي تجب مراعاتها أثناء تنفيذ الهجوم على الأهداف العسكرية، بعد تعريفات واضحة لطبيعة تلك الأهداف. ويمكن اعتبار السفنية روابي وفقًا للفقرة (ح) من الفرع الخامس للدليل سفينة مساعدة للسفن الحربية، فتنص هذه الفقرة على أن (السفينة المساعدة هي كل سفينة – بخلاف السفينة الحربية – تملكها القوات المسلحة لدولة ما أو توضع تحت مراقبتها وحدها وتستخدمها الحكومة لأغراض غير تجارية لمدة محددة). فالسفينة روابي اذًا كانت تحت تصرف القوات المسلحة السعودية، وتقوم بمهمة نقل عسكرية، وتكون وفقًا للفقرة 40، من الدليل، هدفًا عسكريًا. فالفقرة 40 تنص على أنه “تنحصر الأهداف العسكرية في الأعيان التي تسهم من حيث طابعها أو موقعها أو الغاية منها أو استعمالها إسهامًا فعليًا في العمل العسكري، ويوفر تدميرها الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تحييدها في هذه الحالة فائدة عسكرية أكيدة”.

لم يتوقف دليل سان ريمو في تشريع الاستيلاء على السفينة روابي عند هذه النقطة، بل يُجَوِّز استهداف السفن التجارية، وفقًا للفرع الرابع الفقرة 60، حيث تتحول هذه السفن الى أهداف عسكرية في أحد هذه الأحوال:

أ – قيامها بأعمال حربية لحساب العدو.
ب – عملها كسفينة مساعدة للقوات المسلحة المعادية بنقل جنود مثلاً أو بإمداد سفن حربية بالمؤونة.
ز – إسهامها بأي طريقة أخرى إسهامًا فعالًا في العمل العسكري بنقلها معدات عسكرية مثلًا.
ومن الواضح أن روابي قد جمعت كل تلك الشروط وفقدت أي حماية، وتحولت الى هدف عسكري، يتاح استهدافه بهجوم أو الاستيلاء عليه كغنيمة.

وحتى على افتراض صحة ادعاءات تحالف العدوان أن “روابي” هي سفينة تجارية، كانت تحمل مستشفى ميدانيًا، فإن دليل سان ريمو قد أوضح في الفرع الثالث من الجزء الثالث الفقرة 52 أنه إذا خالفت سفينة من أي فئة أخرى من السفن التي تستثنى من الهجوم أحد شروط استثنائها المنصوص عليها في الفقرة 48 فإنه لا يجوز الهجوم على هذه السفينة إلا في حال:

أ – إذا لم يكن بالإمكان تحويل طريقها أو احتجازها.
ب – إذا لم يكن هناك أي سبيل لممارسة المراقبة العسكرية.
ج – إذا كانت الأحوال التي لا تحترم فيها السفينة القواعد خطيرة بما يخوّلها أن تُعتَبر بصورة معقولة هدفًا عسكريًا.

مصير السفينة “روابي”

النصوص المنقولة من دليل سان ريمو تؤكد مشروعية الاستهداف أو الهجوم على السفينة “روابي”، في حال عدم التمكن من الاستيلاء عليها، بعد استيفاء كل الشروط، وانتفاء كل الموانع، وتحولها الى هدف عسكري. ويبقى أن نستشهد بالفقرة 135 المتعلقة بالضبط والاستيلاء على السفن التجارية: يجوز ضبط السفن المعادية، سواء كانت تجارية أو غير تجارية، وبضائعها خارج المياه الحيادية، دون ضرورة الزيارة والتفتيش مسبقًا.

وهذا هو الأمر الذي تم تطبيقه بالفعل، وأصبحت السفينة في قبضة البحرية اليمنية، ووصلت بسلام الى مراسي ميناء الصليف، وأصبحت في حكم غنيمة الحرب، وفقًا للفقرة 138، ونصها: “يتمثل ضبط أي سفينة تجارية في الاستيلاء عليها كغنيمة. وإذا حالت الظروف العسكرية دون الاستيلاء على السفينة في البحر، جاز تحويل وجهتها إلى منطقة مناسبة أو إلى ميناء مناسب لاستكمال ضبطها. وكحل بديل للضبط، يجوز تحويل أي سفينة تجارية عن وجهتها المعلنة”.

وبهذا تكون السفينة الآن تحت تصرف القوات المسلحة اليمنية، يجوز لها فيها كل تصرف، بناء على الفقرة 139، والتي تجيز: “تدمير أي سفينة تجارية ضبطت للعدو كتدبير استثنائي إذا حالت الظروف العسكرية دون الاستيلاء عليها أو إرسالها للحكم عليها كغنيمة للعدو، مع التأكيد على الحفاظ على الوثائق والأوراق المتعلقة بالغنيمة، وكذلك صون الأمتعة الشخصية لركاب وطاقم السفينة بقدر الإمكان”.

كل هذه المواد والنصوص تؤكد مشروعية العمل اليمني، في الاستيلاء على السفينة التي كانت ترفع علم الامارات، وهي دولة معادية بطبيعة الحال، وكانت السفينة تقوم بأعمال مساعدة للسفن الحربية، وتم اغتنامها أثناء قيامها بنقل عتاد عسكري خطير، وأيضًا أثناء وجودها في المياه الاقليمية اليمنية، ويتبين أن كل الإجراءات تتوافق مع القوانين الدولية، ولا تنتهك أيًا من قواعد دليل سان ريمو، وتسقط كل ادعاءات العدوان.

* المصدر : موقع العهد الإخباري