هل “يرهب” قيس سعيد معارضيه بما يفعله مع”البحيري”؟
السياسية:
مثَّلت عملية اعتقال نائب رئيس حركة “النهضة”، وزير العدل الأسبق، البرلماني المعتقل نور الدين البحيري، من قبل الأجهزة الأمنية رعباً شديداً في البلاد، وأعادت إلى الأذهان “الفظائع” التي كانت ترتكب في عهد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي قامت عليه ثورة الياسمين في نهاية 2010.
وحذر خبير تونسي من أن ما يحدث لنور الدين البحيري، يمكن أن يحمل سيناريوهات سيئة للبلاد، معتبراً أن رئيسها قيس سعيد يبعث برسالة لـ”إرهاب” معارضيه، ويريد التحكم بنتائج الانتخابات المقبلة.
فيما ذهب آخر إلى أن طريقة إيقاف البحيري (63 عاماً) لم تحترم الإجراءات القانونية، محذراً من أن “الدولة في حالة تفكك تام”، ومشدداً على ضرورة أن يشرع سعيد في حوار مع كافة مكونات المجتمع، والعودة إلى المسار الديمقراطي التشاركي.
ماذا حدث للبحيري؟
وصباح 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استوقفت فرقة أمنية على متن 4 سيارات مدنية البحيري، وزوجته المحامية سعيدة العكرمي، أمام منزلهما في العاصمة تونس أثناء توجههما إلى مقر عملهما.
وقام الأمنيون بزي مدني بـ”اختطاف البحيري وتحويل وجهته إلى مكان مجهول، بعد الاعتداء عليهما بالعنف الشديد والاستيلاء على هاتف سعيدة العكرمي” بحسب تصريح صحفي لهيئة الدفاع عن البحيري.
وفي اليوم نفسه، قالت وزارة الداخلية، عبر بيان، إنه “تم اتخاذ قرارين في الإقامة الجبرية، وهو إجراء ذو صبغة تحفظية أملته الضرورة في إطار حماية الأمن العام، وينتهي بانتهاء موجبه”. ولم يفصح البيان عن هوية الشخصين محل الإقامة الجبرية.
وأشار البيان إلى الفصل القانوني المنظم لحالة الطوارئ، وخاصة الفصل الخامس من الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 يناير/كانون الثاني 1978، “الذي يُخول وضع أي شخص تحت الإقامة الجبرية حفاظاً على الأمن والنظام العامين”.
ومساء الإثنين، أعلن وزير الداخلية توفيق شرف الدين، خلال مؤتمر صحفي، أن وضع البحيري قيد الإقامة الجبرية يتعلق بـ”شبهة إرهاب”، على خلفية استخراج وثائق سفر وجنسية بـ”طريقة غير قانونية”، وفق قوله.
هذه التطورات تأتي ضمن أزمة سياسية حادة تشهدها تونس منذ 25 يوليو/تموز الماضي، حين بدأ سعيد اتخاذ إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإجراء انتخابات مبكرة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة، وتعيين أخرى جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية بتونس، وبينها “النهضة”، صاحبة أكبر كتلة برلمانية بـ53 نائباً من 217، هذه الإجراءات الاستثنائية، وتعتبرها “انقلاباً على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بحكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).
وقال سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر خمس سنوات، إنه اتخذ “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة التونسية من خطر داهم”، مشدداً على عدم المساس بالحقوق والحريات.
وضع صحي هش
والإثنين، قال فتحي الجراي، رئيس “الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب” (غير حكومية)، لمراسل الأناضول: “تقابلنا مع البحيري مساء الأحد في مشفى بمدينة بنزرت (شمال)، صحبة وفد من المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وقد دخل في إضراب عن الطعام”.
وتابع: “البحيري صرح لنا بأنه تم نقله من العاصمة تونس (بعد اعتقاله) إلى مركز الحرس الوطني بمدينة منزل جميل (في بنزرت)، ثم لمركز التكوين المهني الفلاحي في بنزرت، حيث الإقامة الجبرية، وإلى مشفى بنزرت لاحقا”.
وأردف الجراي، أن البحيري “يعتبر نفسه في حالة اختطاف، وله طلب وحيد هو محاسبة مختطفيه.. هو واع لنفسه إلا أن وضعه الصحي هش، ويعاني من آثار عملية جراحية على القلب (أجراها في وقت سابق)”.
وخلال مؤتمر صحفي بالعاصمة، الإثنين، أعلن المحامي سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن البحيري، تقديم شكوى للنيابة العامة بحق كل من رئيس البلاد ووزير الداخلية بخصوص “اختطاف البحيري”.
وزاد بأنه “تم تقديم عدة شكايات أخرى ضد توفيق شرف الدين كمحامٍ لدى الاتحاد الدولي للمحامين واتحاد المحامين العرب والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي (تابع للأمم المتحدة)”.
ووفق مكتب الصحة بحركة “النهضة”، عبر بيان الأحد، فإن “البحيري يعاني من أمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم واضطراب نبضات القلب تتطلب متابعة دقيقة واستعمال أدوية متعددة بشكل يومي”.
سيناريوهات سيئة
واعتبر عادل بن عبد الله، باحث في الشأن السياسي، في حديث للأناضول، أن “استهداف البحيري، القيادي في الصف الأول لحركة النهضة، يعكس إحساس الرئيس بفقدانه أغلب حلفائه الذين يساندونه في (إجراءات) 25 يوليو/تموز لاستفراده بالسلطة”.
وتابع: “الرئيس سعيد يوجه الصراع ليس ضد منظومة الفساد، بل ضد الإسلام السياسي، وبالتحديد حركة النهضة، من أجل استقطاب أطراف في الداخل ومغازلة أطراف إقليمية، ويذهب إلى مواجهة مفتوحة مع حركة النهضة”.
وأردف أنه “من سوء تقدير السلطة القائمة اختيار البحيري ذي الوضعية الصحية الحرجة، ما يدفع إلى سيناريوهات سيئة في صورة حصول مكروه له”.
ورأى أن “الاختيار وقع عليه (البحيري) لإبقائه في الإقامة الجبرية باعتباره شخصية محل انتقاد كبير في علاقته بالسلطة القضائية، وبالتوافق والخيارات الكبرى لحركة النهضة التي يحملها الشعب التونسي المسؤولية (عن أوضاع البلاد الراهنة)”.
و”النهضة”، التي يترأس رئيسها راشد الغنوشي البرلمان المُجمّد، ترفض محاولات تحميلها منفردة مسؤولية الأوضاع الراهنة، وتقول إنها تتحمل جزءاً من المسؤولية بقدر مشاركتها في السلطة مع أطراف أخرى.
“نظام عصابات”
ورأى “بن عبد الله” أن “من تناقضات الرئيس أنه يرفع لواء محاربة فساد المنظومة السابقة والمنظومة السياسية، وكان من الأولى إصلاح القوانين والمراسيم، ولكنه يوظف الترسانة القانونية لما يخدم مصلحته”.
وأكمل أن “هناك فئة تحصر المشكلة في حركة النهضة، وترى أنه من المفروض إيقاف البحيري وتهمش الجانب الإجرائي، لكن من المفروض أن تكون إجراءات الإيقاف قانونية وليس بطريقة الاختطاف التي تعبر عن نظام عصابات، وبالتالي المؤسسة الأمنية هي التي تتولى التحقيق وتكييف الجرائم”.
واستطرد: “هناك رسالة سياسية يريد أن يبعثها الرئيس، وهي نوع من الإرهاب لمعارضيه وأن أي شخص ليس في مأمن من اليد الطولى للدولة، والظاهر أن هناك تحالفاً بين الرئيس والأجهزة الأمنية (القيادات) التي تترأس الوزارة لاستهداف طرف سياسي معين”.
واعتبر أن “الرئيس يريد تشكيل مشهد سياسي بطريقة تمكنه من أن يتحكم في الانتخابات ونتائجها، وإذا لم يتوحد المشهد السياسي وتتوسع الجبهة الوطنية المناهضة له فسيذهب الوضع إلى مزيد من التعقيد والتأزم والاحتراب الأهلي”.
عدم احترام القانون
متفقاً مع “بن عبد الله”، قال شهاب دغيم، محلل سياسي، للأناضول، إن “إيقاف البحيري بهذه الطريقة لم يحترم كل الإجراءات القانونية المعمول بها في البلاد”.
وأضاف: “نريد قضاءً مؤسساتياً وعادلاً لا قضاء انتقام، وبالنسبة للحالة الصحية للبحيري فعلى الدولة توفير كل الظروف الطيبة له، وتعكر (تدهور) حالته تتحمله الجهات التي أوقفته بهذه الطريقة، وكان بالإمكان التعامل معه عن طريق المؤسسات، مثلما صار مع الوزير السابق سمير بالطيب”.
وتابع أن “السلطة الآن في صراع مع كافة مكونات المجتمع، من أحزاب ومنظمات وطنية، والوضع الاجتماعي محتقن، بعد أن تم إرساء ميزانية مجحفة (للبلاد لعام 2022) ستزيد من تفقير فئات بعينها”.
واعتبر أن “الأزمة في تونس اجتماعية واقتصادية بالأساس، وعلى جميع الأطراف إعادة التفكير في حلول، ولكننا اليوم عدنا إلى الاستقطاب الثنائي.. استقطاب بين رئيس الجمهورية وحركة النهضة، في حين وجب أن يعود المشهد السياسي إلى جميع مكونات المجتمع، فلا يمكن لدولة أن تسير نحو الديمقراطية أن تخرق جميع القوانين”.
لا بديل عن الحوار
دغيم قال إنه “على رئيس الجمهورية الجلوس (للحوار) مع جميع مكونات الأحزاب، خاصة مكونات المجتمع المدني، ولا يمكن تقديم تصور لهذه البلاد في إطار رؤية أحادية ومشروع غامض يجول حول الحملات التفسيرية”.
وأردف: “نعتقد أن الدولة في حالة تفكك تام، فالاستقطاب والسلطة التي في يد واحدة لا يخدم البلاد، ولا بد من العودة إلى المسار الديمقراطي التشاركي”.
وتابع أن “الأجندة التي يطرحها الرئيس غامضة، لأنها تستثني الانتخابات الرئاسية وليس هناك تصور انتخابي جديد، حتى الاستشارة الوطنية لا تعتبر ذات جدوى لاعتبارات تقنية ولا يمكن أن تشمل الحساسيات (المكونات) الاجتماعية”.
وتجريبياً، بدأت هذه الاستشارة السبت، وتنطلق رسميا منتصف يناير/كانون الثاني الجاري، لجمع آراء المواطنين حول مواضيع مختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولايعبر عن وجهة نظر الموقع