بقلم: جيرمان غورايز لوبيز(موقع ” الشبكة الدولية- reseau international” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

إن الهجمات العسكرية اليهودية المتعاقبة على قطاع غزة والضفة الغربية كانت دائماً محمية من خلال “دوامة الصمت” التي تنتهج من جانب وسائل الإعلام الرائدة في العالم والتي يسيطر عليها اللوبي اليهودي العابر للحدود.

هذه النظرية التي صاغتها عالمة السياسة الألمانية إليزابيث نويل-نيومان في كتابه “دوامة الصمت, الرأي العام: بشرتنا الاجتماعية” (1977).

إن هذه الأطروحة من شأنها أن ترمز إلى “صيغة التداخل المعرفي التي تؤسس للرقابة من خلال تراكم مقصود وخانق للرسائل ذات الإشارة الواحدة” والتي من شأنها أن تنتج عملية دوامة أو حلقة ردود فعل إيجابية وما يترتب على ذلك من تلاعب بالرأي العام العالمي من قِبَل اللوبي اليهودي العابر للحدود (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها).

بيد أن عدم التماثل في العقاب الذي يلحق بالفلسطينيين في قطاع غزة مع سقوط نحو 300 شخص ومئات الجرحى، فضلا عن تدمير البنية الأساسية في القطاع، كان من شأنه أن يؤدي إلى إدانة بنيامين نتنياهو على الصعيد الدولي وعلى لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك).

لقد مثلت الحكومة الائتلافية بقيادة الوسيط يائير لابيد واليميني نافتالي بينيت (ائتلاف قوس قزح) الانحدار السياسي لـ “الإمبراطور اليهودي الأخير” بنيامين نتنياهو، بعد 12 عاماً من توليه السلطة.

في أعقاب النزعة الاستبدادية لجميع الحكومات اليهودية، تستمر حكومة بينيت الحالية في الحملة المنهجية لبناء المستوطنات غير القانونية التي ستكون اللبنه ما قبل الأخيرة من الإعلان عن إنشاء مستعمرات جديدة “عسيف ومطار”، بهدف معلن هو “مضاعفة عدد سكان مرتفعات الجولان”، وذلك بعد أن حصلت على مباركة من إدارتي ترامب وبايدن, بعد أن أبرمت تحالفات مع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لتشكيل اتفاق ضد إيران حيث سوف تستخدم مرة أخرى، ديكتاتورية الخوف غير المرئية من المحرقة الثالثة.

إيران تعتبر بمثابة لعنة على دولة إسرائيل ومؤرق لمضجعها, في عام 1978, حيث قال  زبيجينيو برزيزينسكي, مستشار الأمن القومي لرئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر, في كتابه “لوحة الشطرنج الكبرى: أميركا وبقية العالم” (1997) التي نظرت في الكتاب المقدس الجيوستراتيجي في البيت الأبيض وكتاب جانب السرير للأجيال المتعاقبة من الجيوستراتيجية وعلماء السياسة: إن قوس الأزمة يمتد على طول شواطئ المحيط الهندي، ومع هشاشة الهياكل الاجتماعية والسياسية في منطقة ذات أهمية حيوية بالنسبة لنا، مما يهدد بتجزئة كل من تركيا وإيران، وهما البلدين الأقوى على الجناح الجنوبي، وهما من المحتمل أن يكونا عرضة للصراع العرقي الداخلي، وإذا تم زعزعة استقرار أحدهم، فإن مشاكل المنطقة سوف تصبح غير قابلة للسيطرة”.

اكتسب النظام الإيراني بعدا للقوة الإقليمية بفضل سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المتقلبة في العراق (ثمرة القصور السياسي لإدارة بوش المهووسة بـ “محور الشر”) ومن خلال القضاء على منافسيها الايديولوجيين والمتطرفين: “حركة طالبان السُنّية ونظام الرئيس صدام حسين” مع ما ترتب على ذلك من فراغ في السلطة في المنطقة  الذي أكد من جديد حقه غير القابل للتصرف في إضفاء الطابع النووي عليه.

ولكن بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً جديداً لجمهورية إيران، فتح سيناريو جديد مع الفرصة لحل النزاع النووي الأميركي الإسرائيلي.

لذا فإن إيران قد تؤدي من خلال فرض حصار محتمل على مضيق هرمز (الذي يمر من خلاله ثلث حركة الطاقة في العالم) إلى تفاقم الركود الاقتصادي العالمي وإضعاف النظام السياسي الدولي بالكامل إلى حد كبير، الأمر الذي يتطلب من الإدارة الأمريكية أن تعيد النظر في دور إيران كقوة إقليمية وحكم محتمل في الصراع الدائر في سوريا.

ومع ذلك، وبعد موافقة الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي على بيان أعده السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام والديمقراطي روبرت مينينديز، الذي أكد بشكل قاطع أنه “إذا اضطرت إسرائيل إلى الدفاع عن نفسها واتخاذ إجراء (ضد النظام الإيراني) فإن الولايات المتحدة سوف تكون هناك لتقديم الدعم العسكري ودبلوماسي وبالتالي, سوف نشهد زيادة في الضغوط من جانب اللوبي الأميركي (إيباك) المؤيد لإسرائيل من أجل زعزعة استقرار إيران بأساليب سريعة.

على هذا فقد جدد مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع قانون العقوبات المفروضة على إيران, حتى العام 2026, وبعد أن أطلقت إيران صاروخا باليستيا جديدا، صعد دونالد ترامب من العقوبات المفروضة على عدة شركات إيرانية ذات الصلة بصناعة الصواريخ الباليستية دون انتهاك الاتفاق النووي الموقع بين مجموعة الـ 5 بلس وإيران في العام 2015, والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو اتفاق تخلت عنه إدارة ترامب فيما بعد.

كان لهذا التخلي الأثر الجانبي المتمثل في خنق الصادرات الإيرانية من الخام ودخولها إلى مدار النفوذ الصيني، فضلاً عن زيادة تخصيبها لليورانيوم إلى 60%.

ولهذا السبب عملت إسرائيل على نقل أجزائها من الموساد إلى وسائل الإعلام، لتهاجم نظام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يزعزع استقراره بشكل انتقائي، وفي نفس الوقت الذي كان ليختم فيه التحالفات مع الإمارات والسعودية للتوصل إلى اتفاق ضد إيران.

والواقع أن نفتالي بينيت يعتبر إيران “أكبر مصدر للإرهاب وانتهاك الحقوق الأساسية في العالم” من خلال الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، وهي تقترب بشكل خطير من الحصول على قنبلة نووية.

بايدن وانتخابات النصفية للعام 2022, حيث سوف تكون الديمقراطية الأميركية الفريدة من نوعها في الولايات المتحدة بمثابة دعامة لنظامها السياسي وبمثابة التناوب المتتالي على السلطة بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري (وكلاهما التهمه اللوبي اليهودي), حيث كان جو بايدن بمثابة الغطاء الجديد لابياك.

فعلى سبيل المثال، مثل فوز دونالد ترامب المفاجئ على هيلاري كلينتون مثل بالنسبة لإسرائيل “خسارة صديق عزيز للفوز بالصديق المقرب”، دونالد ترامب ، الذي خلق لغز الفوضى الذي انتهى بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي قال في عام 2007: “أنا صهيوني, ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا”.

وبالنظر إلى أن الاحتياطيات الإستراتيجية الأميركية بلغت ذروتها, في حين أن صناعة الصخر في الولايات المتحدة أصبحت مفلسة، مقترنة بالتحدي المتنامي لهيمنة الولايات المتحدة الذي يشكله العملاق الصيني، وهذا من شأنه أن يجبر جو بايدن على استخدام أول هجوم مفاجئ تشنه إسرائيل على إيران من خلال شن حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط بهدف مزدوج يتمثل في تجفيف مصادر الطاقة في الصين وتخفيف وصمة الانقسام في المجتمع الشمالي بسبب الندم الذي عانى منه جو بايدن في أعقاب الفشل المخزي في أفغانستان، وتفاقم الآثار المترتبة على انتشار جائحة الفيروس التاجي واحتمال دخول الاقتصاد في الركود في العام القادم.

وبالمقابل, قد يؤدي هذا إلى فوز الجمهوريين في انتخابات النصفية لعام 2022, والتي من شأنها أن تتوقع العودة المظفرة لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة  والانتصار الجمهوري الأخير في ولاية فرجينيا سيكون نموذجاً.

وعلى هذا فإن إيران سوف تكون الطعم الجديد للخطة المكيافيلية التي حددها التحالف الأنجلو- يهودي في العام 1960, بعد النكسات في كلاً من سوريا وليبيا والعراق، حيث سعى اليهود إلى اجتذاب كل من روسيا والصين وإثارة صراع إقليمي كبير من شأنه أن يؤرخ لمستقبل المنطقة في الأعوام المقبلة.

وهذا سوف يشكل حلقة محلية جديدة من شأنها أن تؤطد نفسها في العودة إلى حالة التوحد المتكررة في الحرب الباردة الروسية الأميركية (الولايات المتحدة والصين وروسيا) مع القوى الإقليمية (إسرائيل، وسوريا، ومصر، والأردن, والمملكة العربية السعودية وإيران) باعتبارها جهات متعاونة ضرورية، تغطي المنطقة الجغرافية الممتدة من قوس البحر الأبيض المتوسط (ليبيا، وسوريا ولبنان) وفي اليمن والصومال, وجعل العراق مركز الصدارة, حيث يذكّرنا هذا بحرب فيتنام مع الولايات المتحدة الأمريكية أثناء فترة ولاية الرئيس ليندون جونسون (1963-1969).

*     المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع