(صحيفة ” أبيني – ” Ebene  الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

نظراً للنهج الوحشي لسلفه، توقع الكثيرون من الرئيس جو بايدن الابتعاد عن أسوأ ممارسات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والحدود على مدى السنوات الأربع الماضية.

والواقع أن إدارة الرئيس بايدن أبلغت في الأسابيع الأولى من رئاستها عن حدوث تغييرات, ففي أول إحاطة إعلامية لوزير الخارجية أنتوني بلينكين، أعلنت وزارة الخارجية أنها تعيد النظر في مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان شنتا حرباً كارثية ضد اليمن بشراكة أمريكية رئيسية.

وبعد أسبوع، قال الرئيس بايدن في خطابه الأول عن السياسة الخارجية “إننا ننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة”.

وفيما يتعلق بممارساته الحدودية، وعد مسؤولو إدارة بايدن بالابتعاد عن ممارسات ترامب المتمثلة في الفصل بين الأسر وحبس الأطفال، ووصفها “بالفشل الأخلاقي”, وقال إن البيت الأبيض الجديد “سوف يتعامل مع الهجرة بطريقة شاملة وعادلة وإنسانية”.

لكننا في نهاية العام 2021, نشهد الجزء الأخير من المسار الذي يستقر في العسكرة المألوفة والكارثية.

باعت الولايات المتحدة الأمريكية ما قيمته 650 مليون دولار من الصواريخ إلى السعودية, كما شملت الصفقة 500 مليون دولار على شكل صيانة للطائرات المصنعة في الولايات المتحدة والتدريب وغير ذلك من أشكال الدعم لعملياتها العسكرية.

تأتي هذه الترتيبات مع تكثيف السعودية لقصفها المدمر لليمن, الذي بدأته في أواخر مارس من العام 2015, ففي نوفمبر المنصرم، نفذت القوات السعودية أكبر عدد من الغارات الجوية مقارنة بالعام الأخير من فترة حكم ترامب.

إعلان بايدن المبكر عن نهاية الدعم الأمريكي للحرب في اليمن ودعمه المادي القوي اللاحق لتلك الحرب، نتوءات تجسد مجموعة كاملة من الممارسات التي ينتقل إليها بايدن، ليس فقط في اليمن، ولكن أيضاً في ميدان الحرب والإمبريالية بشكل عام.

ولنتأمل هنا تأييد البيت الأبيض لبيع أسلحة إلى دولة الإمارات بقيمة 23 مليار دولار، حيث شملت الصفقة على تزويد الإمارات بطائرات بدون طيار هجومية وطائرات مقاتلة من طراز F-35.

سبق وأن تم التفاوض على هذه الصفقة في ظل إدارة الرئيس ترامب كمكافأة لدور الإمارات في تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين دولة إسرائيل، بالإضافة إلى البحرين والمغرب والسودان، على الرغم من تصاعد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

ومن جانبها, تبنت إدارة بايدن اتفاقيات التطبيع، فضلاً عن الإجراءات الأخرى التي اتخذها ترامب لتوطيد الدعم الأميركي وبسط الشرعية على إسرائيل في الوقت الذي يشكل الاحتجاج الفلسطيني تحدياً مستمراً للفصل العنصري الإسرائيلي.

كما اكتسبت الحملات العالمية للتضامن مع القضية الفلسطينية المزيد من الأهمية أكثر من أي وقت مضى.

لقد حقق ترامب الرغبات القديمة لليمين الإسرائيلي، بما في ذلك نقل السفارة الأميركية إلى القدس من تل أبيب، وإعلان شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة, بالرغم من كون هذا الإعلان يعتبر غير قانوني بشكل لا لبس فيه بموجب القانون الدولي, أضف إلى ذلك الموافقة على الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية.

إن القسوة التي نفذ بها ترامب هذه الأعمال  والتي يصورها على أنها تغري الناخبين المسيحيين الإنجيليين اليمينيين ويعلن نفسه “ملك إسرائيل”, من الممكن أن تتناقض مع خطاب بايدن.

ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بعمل ملموس، قبل الرئيس بايدن بذلك واتبع طريق سلفه.

تتجلى هذه الاستمرارية أيضاً بشكل مؤلم في تصرفات بايدن تجاه المهاجرين, الذين تشرد العديد منهم بسبب السياسة الإمبريالية الأميركية.

فعلى سبيل المثال، في مواجهة الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الخطيرة في أمريكا الوسطى الناجمة عن عقود من السياسات الاقتصادية التي تقودها واشنطن والقمع الوحشي من جانب الأنظمة المسلحة للولايات المتحدة, في الهندوراس و وغواتيمالا والسلفادور.

قالت كامالا هاريس، في مدينة غواتيمالا في أول جولة دولية لها كنائب للرئيس، سياسة القسوة في الولايات المتحدة “لا تأتي”.

وبمجرد اقتراب المهاجرين من البلد أو دخولهم إليه، يواجهون مجموعة من القوات التي لا تزال قائمة لاحتجاز المهاجرين وترحيلهم ومنع دخولهم إلى الولايات المتحدة.

حافظ الرئيس بايدن على استخدام القانون 42 – وهو قانون يمنح الحكومة سلطات خاصة في حالة الطوارئ الصحية العامة – لحرمان المهاجرين المكسيكيين، بمن فيهم ملتمسو اللجوء، من الوصول إلى حدود الولايات المتحدة – في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

يواصل بايدن نهج سلفه في استخدام هذا التدبير الذي احتج به في بداية وباء كوفيد -19.

في المقابل, احتج العاملون في مجال الصحة العامة والأكاديميون بأن هذا التدبير لا يمكن تبريره باسم الصحة العامة ودعوا الإدارة إلى وضع حد له.

كما أعاد الرئيس بايدن فتح بعض من أكثر مواقع الاحتجاز سيئة السمعة التي سلطت عليها الأضواء في فترة حكم ترامب، بما في ذلك مأوى فلوريدا المنزلي للأطفال غير المصحوبين.

منذ يوم تولي الرئيس الجديد منصبه, ارتفع عدد الأشخاص الذين تحتجزهم قوة الهجرة والجمارك إلى 22 ألف شخصاً تحت حكم إدارة بايدن، وهو ما يمثل زيادة قدرها 56% .

كان من أكثر الأعمال إثارة التي قام بها الرئيس بايدن على الحدود هذا العام هو إدارته لوصول الآلاف من طالبي اللجوء في هايتي إلى ديل ريو تكساس، في سبتمبر, حيث عمل ضباط دوريات الحدود وهم على ظهر الخيل بجلد المهاجرين السود وحبسهم في ظروف سيئة على ضفاف النهر.

شاركت الحكومة الأمريكية وقوات الشرطة التابعة لها في أعمال عنف عنصرية، حيث اعتبرت الهايتيين تهديداً إجرامياً, بدلا من احتواء الأشخاص المستضعفين الذين لهم الحق في التماس اللجوء.

قام بايدن بترحيل الآلاف من الأشخاص إلى هايتي في عملية كشفت عن القدرة اللوجستية المتاحة له والتي يمكن استخدامها.

بالطبع، بدلا من ذلك، للترحيب بالناس ودعم بقائهم على قيد الحياة.

وأخيرا، أعادت إدارة بايدن تأكيد سياسة ترامب السيئة السمعة المتمثلة في “البقاء في المكسيك” والتي تتطلب من طالبي اللجوء على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك التقدم بطلب في المكسيك والانتظار هناك أثناء معالجة مطالبهم.

هذه السياسة تتعارض مع قانون الولايات المتحدة الذي يضمن للأفراد الحق في طلب اللجوء في الولايات المتحدة, بغض النظر عن كيفية دخولهم, ففي بادئ الأمر, عارض الرئيس بايدن البرنامج وعلقه في فبراير.

وفي مواجهة قرارات محكمة الاستئناف للدائرة الخامسة والمحكمة العليا  تفاوض البيت الأبيض مع الحكومة المكسيكية على صيغة جديدة للسياسة والبدء في إدارتها.

هذا البرنامج ــ الذي جعل عشرات الآلاف من ملتمسي اللجوء عرضة لعمليات الاختطاف والاعتداءات وغيرها من المخاطر في المكسيك تحت قيادة ترامب ــ هو الآن برنامج بايدن.

بايدن أوفى بوعده بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان, ولكن حتى هذه البادرة التي طال انتظارها والضرورية لحرب كانت ظالمة منذ اليوم الأول لها، قد صدرت بازدراء أرواح الأفغان لدرجة أنها تسببت في أزمة إنسانية جديدة ومتفاقمة.

بل إن القوات الأمريكية قتلت العديد من الأفغان – بمن فيهم سبعة أطفال من أسرة واحدة – أثناء الانسحاب الفوضوي للقوات البرية.

وبينما أخفق مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية في جعل الأفغان فجأة عرضة للخطر بسبب الانسحاب العشوائي, دون خطة لإجلاء العدد الكبير من الأشخاص الذين يسعون إلى المغادرة, ضمن البنتاغون قدرته على مواصلة القيام بالمهام الجوية في أفغانستان من خلال قواعده في المنطقة ومن خلال تحديد مواقع الطائرات في بحر عمان قبل أسابيع.

وفي الوقت الراهن، تواجه أفغانستان مجاعة هائلة وكارثة اقتصادية، بينما توجد ملايين الدولارات التابعة للبنك المركزي الأفغاني في الولايات المتحدة والمجمدة بأمر من إدارة بايدن.

ولكن في خضم هذه المحاكمات الصارخة لعنف الدولة، كان للضغوط الشعبية تأثير واضح على السياسة الأميركية.

كانت رغبات الرئيس بايدن البلاغية لإنهاء تورط الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب في اليمن، على سبيل المثال، فارغة كما قد تكون استجابات إلى حد كبير للتحدي الثابت للدعم الأمريكي للحرب لسنوات.

قاد ذلك نشطاء يمنيون في الولايات المتحدة وصحفيون وعاملون في المجال الإنساني من الأمم المتحدة وغيرهم في اليمن، ولفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية الكارثية هناك والدور المركزي للولايات المتحدة.

استمر النشاط مع بايدن في البيت الأبيض، بما في ذلك إضراب عن الطعام في وقت سابق من هذا العام بقيادة نشطاء من حركة تحرير اليمن.

وعلى نحو مماثل، شهد العام 2021 تحدياً بالغ الأهمية وواسع النطاق للدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لدولة إسرائيل، وخاصة أثناء هجومها المروع على قطاع غزة وقمع الفلسطينيين في القدس خلال شهر رمضان الموافق لشهر مايو.

ولم تعد شركة بن آند جيريز للمثلجات قادرة على التوفيق بين علامتها التجارية وأنشطتها في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي المحتلة، حيث قالت الشركة في بيان لها إن بيع منتجاتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية لم يكن “متسقا مع قيمنا”، وهو الأمر الذي رحب به الفلسطينيون.

وعلى الرغم من اعتماده في النهاية، وافق الكونغرس على مليار دولار إضافي لإسرائيل لإعادة بناء صواريخها بعد الهجوم, حيث كان هذا القرار أكثر إثارة للجدل وواجه معارضة مباشرة أكثر من أي اقتراح لتمويل إسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة.

تنبع هذه التحديات الهائلة التي تواجه الدعم الأمريكي للفصل العنصري الإسرائيلي من سنوات عديدة من تنظيم التضامن مع فلسطين، فضلا عن زيادة انتشار الوعي المناهض للعنصرية في الولايات المتحدة.

وفيما يتصل بالمقاومة الشعبية، من المهم أن نتذكر أن أعظم لحظات التراجع عن أجندة ترامب المناهضة للمهاجرين قد حدثت حين حشد الناس, كان هذا رداً على حظر السفر مسلمون، عندما ذهب آلاف الناس إلى المطارات للإعراب عن تضامنهم مع المستهدفين.

ثم مرة أخرى في تجمعات في جميع أنحاء البلد رداً على فصل الأسر والاحتجاز القاسي للأطفال على الحدود, وقد أدت لحظات الاحتجاج هذه إلى تعطيل هذه السياسات ولو بشكل مؤقت.

ومع دخولنا سنة جديدة، نواجه تحديا يتمثل في إنشاء حركات لديها القدرة الكافية على تعزيز التضامن مع أولئك الذين تستهدفهم سياسات الولايات المتحدة وتشردهم والحفاظ على ذلك التضامن.

وهناك حاجة إلى تعبئة جماهيرية لوقف العنف الذي تقوده الولايات المتحدة وتدعمه في جميع أنحاء العالم وحدوده.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع