السياسية:

شهد الأردن عام 2021 أحداثا داخلية لم يعهدها منذ تأسيس الدولة قبل قرن كامل، وضعت المملكة على المحك، وكانت بمثابة اختبارات حقيقية لتماسكها، خاصة مع ما تركته من تداعيات وآثار وردود فعل على الصعيدين المحلي والخارجي.

خلال النصف الأول من العام، مرت المملكة بأزمات ثقال، حبست الأنفاس، خاصة مع ما رافقها من إجراءات وقرارات غير مسبوقة، سعت إلى إعادة ضبط الأمور، ووضع حد لها، بما يضمن الحفاظ على أمن واستقرار الأردن.

 حادثة السلط

بدأت سلسلة الأحداث بانقطاع الأوكسجين عن مرضى مستشفى السلط الحكومي في شهر مارس/أذار، والتي أسفرت عن وفاة 10 مواطنين، لتبدأ تداعيات الأزمة الأولى بأحداث شغب لذوي المتوفين، دفعت بعاهل البلاد الملك عبد الله الثاني إلى التدخل، وزيارة المكان، وإقالة وزير الصحة نذير عبيدات.

قضية أدت إلى خروج المواطنين إلى الشارع في معظم محافظات المملكة؛ للمطالبة بإقالة الحكومة وتغيير النهج في إدارة شؤون البلاد، لكنها انحسرت بعد أن أوقفت النيابة العامة في البلاد المتورطين، وحولتهم إلى القضاء لتتم محاكمتهم.

  قضية “الفتنة”

أما أبريل/نيسان، فكان شهراً عصيباً مضى بشق الأنفس؛ إذ جرى الإعلان عن توقيف رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، وأحد أفراد العائلة المالكة ويُدعى الشريف حسن بن زيد، وآخرين، في قضية ارتبطت بالأخ غير الشقيق لملك الأردن، الأمير حمزة بن الحسين.

وآنذاك وُجهت اتهامات للأمير بالتورط مع “جهات خارجية” في “محاولات لزعزعة أمن البلاد” و”تجييش المواطنين ضد الدولة”، وهو ما نفاه الأمير.

وتدخل الأمير الحسن، عم الملك، لاحتواء الخلاف داخل الأسرة الهاشمية، لتجنب محاكمة الأمير حمزة، وهو ما حدث بالفعل؛ حيث أسفر هذا المسعى عن توقيع الأخير رسالة أعلن فيها الولاء للملك عبد الله الثاني.

وراهن مراقبون على إتمام ملف القضية التي عرفت بـ”الفتنة”؛ لحساسية الموقوفين، إلا أن القضاء أصدر أحكاماً بحقهم قضت بسجن باسم عوض الله، والشريف عبد الرحمن حسن بن زيد، المتهمين الرئيسيين في القضية المذكورة، 15 عاماً.

  أزمة النائب أسامة العجارمة

وفي 21 مايو/أيار الماضي، انقطع التيار الكهربائي بشكل تام في عموم الأردن، وأعلنت شركات توزيع الطاقة أن سبب ذلك يعود إلى عطل في شبكة النقل التابعة لشركة الكهرباء الحكومية.

إلا أن أسامة العجارمة، أحد أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، كان له رأي آخر، فقد اعتبر في مداخلة له داخل المجلس بأنه متعمد؛ لمنع مسيرات تضامنية للعشائر مع فلسطين، ليطالبه زملاؤه حينها بإثبات صحة ما يقوله.

واعتبر رئيس مجلس النواب السابق، عبد المنعم العودات، خلال الجلسة، أن “حديث العجارمة يخالف النظام الداخلي؛ لأنه خارج عن مضمون الجلسة”.

ليرد العجارمة على ذلك بعد أن غادر مكانه قائلاً: “طز (تبًا) بمجلس النواب وطز بالنظام الداخلي”، وفق مقطع مصور تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعقب انتهاء الجلسة، اعتذر العجارمة في مكتب رئيس المجلس عما بدر منه، إلا أن زملاء له وقعوا مذكرة لتحويله إلى لجنة تأديبية، لتصل الأزمة إلى تجميد عضويته.

وترافقت تلك الحادثة مع شغب واسع في مسقط رأسه بمنطقة “ناعور” التابعة للعاصمة عمان، وحدثت اشتباكات مع قوات الأمن، إلا أن انتشار فيديو مسجل للعجارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، أثناء وجوده بين جمع من أقاربه، توعد خلاله بمهاجمة عاهل البلاد، عجَّل في فصله، وعودة الهدوء، ليتم الإعلان فيما بعد عن توقيفه وتحويله للقضاء.

  المنظومة السياسية والعلاقات الخارجية

الأحداث السابقة وتداعياتها، ولدت، بحسب مراقبين، قناعة لدى صاحب القرار بضرورة الحفاظ على استقرار البلاد، والسير بإجراءات تطمس آثارها، وتحول دون تكرار مشاهدها.

إذ أصدر العاهل الأردني في يونيو/حزيران قراراً بتشكيل لجنة خاصة لتحديث المنظومة السياسية، وتعزيز المشاركة الفاعلة عبر تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، وجرى تحويلها للبرلمان من أجل العمل على مناقشتها لإقرارها كقوانين نافذة.

المُطالبة الشعبية بتغيير نهج إدارة شؤون الدولة في مختلف الأحداث السابقة وطريقة التعاطي معها، وما نتج عنها من ضغوطات واسعة، حملت بعمق الدولة إلى التوجه نحو السياسة الخارجية، حيث شهد النصف الثاني من العام لقاءات وتحولات كبيرة في هذا الشأن، تضمنت اجتماع الملك عبد الله مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كما تضمنت تطبيعاً متسارعاً في العلاقات مع سوريا، وصلت إلى حد تلقي عاهل الأردن اتصالاً هاتفياً من رئيس النظام بشار الأشد في أكتوبر/تشرين أول، في خطوة تأمل من خلالها عمّان في التخفيف من تداعيات أزمة أرهقته أمنياً واقتصادياً.

  ترتيب البيت الداخلي 2022

الكاتب والمحلل السياسي سعد حتر، قال للأناضول إن “الأردن شهد عام 2021 محاولة للخروج من عنق الزجاجة محلياً وإقليمياً، رغم استمرار تأثير جائحة كورونا وجفاء دول عربية مجاورة (لم يسمها)”.

وأضاف: “سعت عمّان إلى إعادة التموضع وتوسيع دائرة خيارات التحالفات الإقليمية، بما في ذلك الانفتاح على سوريا، وتعزيز العلاقات مع قطر، وإقناع الولايات المتحدة بأن عقوباتها تجاه دمشق تضر بالمملكة، واللعب على التوازنات بين واشنطن وموسكو، واستثمار نفوذ الأخيرة على الساحة السورية”.

واعتبر حتر أن “الأردن يحاول الخروج من عشر سنوات عجاف؛ نتيجة إغلاقات بكل الجهات”.

وفيما يتعلق بـ”إعلان النوايا” بشأن مقايضة الكهرباء بالمياه مع إسرائيل، أشار إلى ما أسماه بـ”تململ حراكي في الشارع، بالتزامن مع الحديث عن تعديلات دستورية، بما فيها إنشاء مجلس أمن وطني”.

وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقع الأردن والإمارات وإسرائيل “إعلان نوايا” ينص على أن تعمل عمّان على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لمصلحة تل أبيب، بينما تعمل الأخيرة على تحلية المياه لمصلحة الأردن الذي يعاني من الجفاف ويحصل بالفعل على مياه من إسرائيل.

وقوبل الإعلان الأردني بغضب شعبي واسع، ودعوات إلى تظاهرات احتجاجية ضد الاتفاقية.

وعلى صعيد الأزمات الداخلية، أوضح حتر بأنها “عمَّقت أزمة الثقة بين الشعب ومنظومة الحكومات، ولا بدّ من إعادة بنائها كي لا تتفاقم الأمور”.

وأردف: “في وقت دار الحديث عن تحديث المنظومة السياسية، وما لها من دور مفترض في رفع سقف الحريات والتخفيف من حدة الاحتقان الشعبي، وصدور عفو خاص عن متهمي إطالة اللسان على الملك، كان هناك عدة اعتقالات لناشطين وحراكيين، وهو ما أعطى رسالة متناقضة عن توجهات راسمي السياسات ومقاصدهم”.

وحول رؤيته لمستقبل المملكة خلال العام القادم 2022، أكد حتر على ضرورة “إعادة ترتيب البيت الداخلي، وتخطي حالة الاحتقان عبر إيجاد حلول لثالوث المعادلة الاقتصادية وهي البطالة والفساد والفقر من جهة، وموضوع الحريات من جهة أخرى في ظل قبضة أمنية مشددة، وبخلاف ذلك، نحن مقبلون على مزيد من الاحتقان وعدم الثقة”.

وتوقع حتر “حل مجلس الأمة (البرلمان بشقيه) وإجراء انتخابات مبكرة، الخريف المقبل، بعد إقرار قوانين تحديث المنظومة السياسية المتعلقة بقانوني الانتخاب والأحزاب، وفق ما تشير إليه التسريبات المتعلقة بهذا الشأن”.

 تحسين الأوضاع

محمد المومني، الوزير الأسبق وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، قال في حديثه للأناضول “إن الأزمات التي مرت بها المملكة خلال العام 2021 كانت دخيلة على مجتمعنا، ولكننا عبرناها أكثر قوة وصلابة”.

وتابع “وعي الشعب الأردني، أحبط كل المخططات التي تُحاك ضد أمن المملكة واستقرارها، مدفوعاً بقيادة قادرة على تجاوز الصعاب، مهما تعددت أشكالها ومسبباتها”.

جانب من احتجاجات المعلمين الأردنيين المطالبين بعلاوتهم في سبتمبر، أيلول 2021 – الأناضول

وزاد المومني: “هناك جدية واضحة من الملك عبد الله صوب تحسين وتطوير الأوضاع على مختلف الصعد، وأعتقد بأننا سنلمس ذلك خلال العام القادم”.

وعن السياسة الخارجية لبلاده، أشار إلى أنها “تراعي مصالح الدولة، وتولي الوصول إلى إقليم آمن ومستقر أهمية كبرى، مع التأكيد على عدم التدخل بشؤون الغير”.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن راي الموقع