هل سيكون العام الجديد عام “الحسم” للحرب اليمنية؟
السعودية تهدد بالتصعيد عسكريا والحوثيون يردون بالتوغل جغرافيا.. هل سيكون العام الجديد عام “الحسم” للحرب اليمنية؟ وما علاقة هذا التصعيد بالحرب الامريكية المتوقعة ضد ايران واستعداد الأمير بن سلمان للقفز الى العرش؟
عبدالباري عطوان*
المؤتمران الصحافيان المضاضان اللذان عقدهما الناطقان العسكريان باسم القوتين المتحاربتين في اليمن لأكثر من سبع سنوات مساء السبت، يعكسان تصعيدا جديدا في الحرب، ويرسمان خريطة جديدة للحرب ومعادلات القوة والضعف في العام الجديد، مثلما يعكسان قواعد جديدة للاشتباك.
العميد تركي المالكي المتحدث باسم التحالف بقيادة السعودية (لم يبق فيه الا الرياض تقريبا)، كشف النقاب عن معلومات عسكرية “صادمة” ابرزها اطلاق تحالف حركة “انصار الله” الحوثية اكثر من 430 صاروخا باليستيا، و851 مسيرة ملغمة، ومئة زورق و247 لغما بحريا منذ بداية عام 2015، وعرض فيديو قال انه يوثق ما وصفه بقيام عناصر من “حزب الله” بتدريب أعضاء في الحركة الحوثية على اطلاق الطائرات المسيرة، واتهم السيد حسن ايرلو السفير الإيراني في صنعاء بقيادة الحرب في اليمن، ومدينة مأرب بالذات (مات قبل أيام لإصابته بفيروس الكورونا)، وقال ان مطار صنعاء المدني تحول الى قاعدة عسكرية لشن الهجمات الصاروخية على المملكة.
اما العميد يحيى سريع المتحدث العسكري باسم حركة “انصار الله” فقد كشف عن شن قواته هجوما واسعا على محافظة الجوف المحاذية للحدود السعودية الجنوبية، واحكام السيطرة عليها، وعلى منطقة اليتمة المجاورة بمساحة تزيد عن 1.2 الف كيلومتر مربع، وهدد بعمليات عسكرية نوعية في المرحلة المقبلة داخل الحدود السعودية.
***
بعد متابعة دقيقة للمؤتمرين الصحافيين وقراءة لما بين سطور ما ورد فيهما يمكن الخروج بخمس محطات رئيسية:
الأولى: بدا الغضب والإحباط واضحين على المتحدث السعودي وهو يسرد الأرقام حول اعداد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي استهدفت أهدافا حساسة في العمق السعودي، والمدن الرئيسية، ومنشآت الصناعة النفطية.
الثانية: محاولة الزج بحزب الله وايران في حرب اليمن لهذه الدرجة من الوضوح، وللمرة الأولى، ربما تعكس وتمهد لدور سعودي في أي حرب مقبلة التي تهدد “إسرائيل” وامريكا بشنها لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، فالتوقيت هنا، والمعلومات الواردة في المؤتمر الصحافي للمتحدث السعودي ربما تهدف الى تهيئة الرأي العام السعودي لدخول السعودية هذه الحرب، وفتح اجوائها بالتالي لاي طائرات إسرائيلية مغيرة على ايران، واحتمالات حدوث رد إيراني انتقامي، وتأليب حلفاء السعودية في لبنان لإشعال فتيل الحرب الاهلية لتوريط “حزب الله” فيها، فحتى هذه اللحظة لم يعد السفير السعودي الى بيروت، وما زالت العلاقات اللبنانية السعودية متوترة.
الثالثة: تهديد العميد المالكي برفع الحصانة عن أي منطقة مدنية تستخدم كقاعدة انطلاق للهجمات، او تخزين للأسلحة، يعني ان الغارات الجوية السعودية ستعود الى سيرتها الأولى في بداية “عاصفة الحزم” من حيث قصف هذه المناطق، سواء كانت الاتهامات صحيحة او غير صحيحة، بما يؤدي الى قتل عشرات او آلاف المدنيين، (اسفرت الحرب حتى الآن عن مقتل 570 الف مدني وثلاثة اضعاف هذا الرقم من الجرحى).
الرابعة: محاولة سعودية “يائسة” لإبراء الذمة من قصف طائراتها لمطار صنعاء “المدني” بذريعة تحوله الى قاعدة لقصف السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة، فالمطار تتواجد فيه منظمات الأمم المتحدة وممثليها، ويقتصر استخدامه على طائراتها ليلا ونهارا، ولم تتحدث هذه المنظمات مطلقا عن اطلاق صواريخ او مسيرات منه، مضافا الى ذلك ان اطلاق الصواريخ لا يحتاج الى مطارات، ويمكن ان تتم هذه العملية من مناطق جبلية محاذية للحدود السعودية، والشيء نفسه يقال عن المسيرات.
الخامسة: اعلان العميد سريع عن اكمال السيطرة على محافظة الجوف والمناطق المجاورة لها قرب الحدود السعودية، والاستعداد لبدء “مرحلة جديدة” عنوانها الأبرز شن عمليات نوعية على المدن السعودية، له تفسير واحد، وهو نقل المعارك الى جيزان ونجران وعسير الحدودية، والتوغل فيها اكثر، واحكام السيطرة عليها ومطاراتها ومنشآتها الاقتصادية والنفطية تحديدا، الامر الذي قد يؤدي الى موجات هجرة من قبل مواطنيها السعوديين الى مناطق آمنة في الشمال، بما في ذلك مدن أبها وجدة والرياض.
***
اتهام المتحدث العسكري السعودي ايران مجددا بنشر الطائفية، ودعم الاذرع العسكرية، و”حزب الله” “الإرهابي” بالتورط بشكل مباشر في حرب اليمن ودعم حركة انصار الله، وفي مثل هذا التوقيت، حيث يتصاعد الحديث عن عدوان إسرائيلي على ايران، وفي تزامن مع شن السيد المعلمي سفير السعودية الدائم في الأمم المتحدة هجوما شرسا تطاول فيه على سورية وقيادتها، كلها مؤشرات توحي بحدوث انقلاب معاكس مفاجئ للقيادة السعودية يظهر العداء للمحور الإيراني، ربما جاء بتعليمات أمريكية إسرائيلية استعدادا للحرب، او للضغوط على ايران قبل جولة المفاوضات الخامسة المتوقع انعقادها في بغداد على مستوى وزيري الخارجية في البلدين في الأيام القليلة المقبلة، ان لم تكن هناك محاولة لإجهاضها كليا قبل بدئها.
الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، ووزير الدفاع، شن حرب “عاصفة الحزم” قبل سبع سنوات بحثا عن انتصار سريع لتكريس نفسه حاكما للسعودية، والظهور بمظهر القوي، واقدامه على التصعيد الآن “مقامرة” أخرى قبل اعلان نفسه ملكا للمملكة العربية السعودية، بعد اقصائه المتدرج لوالده الملك سلمان، ووضعه تحت الإقامة الجبرية في قصره بمدينة نيوم الساحلية شمال البحر الأحمر، حسب التقارير الصحافية الغربية.
مغامرة الأمير بن سلمان الأولى، أي شن “عاصفة الحزم” على اليمن عام 2015 أعطت نتائج عكسية تماما، وورطت المملكة في حرب استنزاف مادي وسياسي لا تلوح أي نهاية لها في الأفق، فهل تكون نتائج “المقامرة” التصعيدية الحالية لهذه الحرب مختلفة وافضل حظا في النجاح؟
نترك الإجابة لتطورات العام الجديد التي قد تكون حافلة بالمفاجآت، ولا نعتقد انها ستكون سارة.. والله اعلم.
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع