السياسية:

جاء البيان الختامي الصادر عن القمة الخليجية بالرياض، ليكشف عن عودة الروح لمجلس التعاون الخليجي بعد المصالحة التي أبرمت في قمة العلا وأنهت أزمة مزقت الصف الخليجي لنحو أربع سنوات، كما يشير إلى تركيز دول الخليج على التعامل مع الملف النووي الإيراني باعتبارها الأزمة ذات الأولوية.

وإذا كانت قمة العلا الاستثنائية التي استضافتها السعودية مطلع هذا العام يمكن أن يطلق عليها قمة المصالحة أو رأب الصدع الخليجي، فإن قمة الرياض هذا العام يمكن وصفها بقمة ترميم المجلس ذاته.

وكان أبرز ما جاء في بيان القمة الخليجية بالرياض، تأكيد مجلس التعاون الخليجي على أن أي هجوم على أي دولة عضو في المجلس سيعتبر هجوماً ضد جميع الأعضاء فيها.

إذ اتفق زعماء كل من السعودية والإمارات وقطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين، في البيان الختامي لقمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الـ42 والذي تلاه أمين مجلس التعاون الخليجي، نايف فلاح الحجرف، على “التأكيد على ما تضمنته المادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك بأن الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعتبر أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها وأي خطر يتهدد إحداها يتهددها جميعاً”.

كما جددت القمة “ما نصت عليه الاتفاقية بشأن التزام الدول الأعضاء بالعمل الجماعي لمواجهة كافة التهديدات والتحديات”.

وقال نايف الحجرف إن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ، معتبراً الأمن الداخلي الخليجي منظومة مترابطة لمواجهة كل التحديات.

رسالة رمزية لإيران من القمة الخليجية بالرياض

وبالطبع فإن هذا البند موجه لإيران دون أن يذكرها بالاسم.

ومع أن هذا البند لا يعني بالضرورة أن دول الخليج سوف ترد رداً جماعياً على أي اعتداء إيراني على دولة عضو بالمجلس، إلا أنه يشكل تعبيراً عن تضامن ذي مغزى وله أهميته بالنظر إلى أن درجة التوتر بين إيران ودول الخليج تتفاوت من  دولة لأخرى، فهي تصل للذروة مع السعودية التي تعتبر الخصم الأول لإيران في المنطقة، كما أن هناك علاقة شديدة التقلب بين التوتر والتعاون بين الإمارات وإيران، مقابل اتصالات قديمة وعلاقة يسودها التفهم والتنسيق أحياناً مع سلطنة عمان وعلاقة يسودها الهدوء مع الكويت، وقطر التي تتشارك أكبر حقل غاز في العالم مع إيران.

وشدد البيان الختامي لقمة الرياض على أهمية تنسيق الجهود لبلورة سياسة خارجية موحدة تخدم تطلعات شعوب دول مجلس التعاون وتجنب دوله الصراعات الإقليمية والدولية أو التدخل في شؤونها الداخلية.

وبينما قدم البيان رسالة للخارج بتأكيده أن “أمن دول المجلس كل لا يتجزأ”، جاء التأكيد على “احترام مبدأ السيادة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول”، في إطار تعزيز المصالحة الخليجية وإنهاء عصر الشروط والتدخل من قبل بعض الدول في شؤون الأخرى.

الدعوة لفتح ملفها الصاروخي وإشراك الخليج في المفاوضات النووية

وكان لافتاً أيضاً تأكيد دول مجلس التعاون على “ضرورة معالجة البرنامج الصاروخي الإيراني”، وهي مسألة ترفض إيران إدراجها في المفاوضات النووية الإيرانية أو إطلاق مفاوضات خاصة بها.

كما أكد البيان “ضرورة مشاركة دول المجلس بأي مفاوضات مع إيران”.

وتبدو الرسائل المتعلقة بإيران ليست موجهة وحدها لطهران بل للغرب أيضاً، حيث تدعوه إلى ضرورة الأخذ بمخاوف دول الخليج في الاعتبار، سواء فيما يتعلق ببرنامج إيران الصاروخي والذي ترى دول الخليج أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجاهلته عند تفاوضها على الاتفاق النووي أو تفاصيل الملف النووي نفسه.

وإذا تمكنت دول الخليج من جعل الملف الصاروخي الإيراني مطروحاً للنقاش، وهو موقف تؤيده إسرائيل، ولكن يبدو الغرب حتى غير متحمس له أو على الأقل لا يريد المخاطرة بإفشال المفاوضات النووية، بربطها بهذا الملف.

الواضح أن دول الخليج وتحديداً الإمارات والسعودية، أصبحتا تسعيان لفتح مسارات لحوار ومفاوضات جانبية مع إيران مثلما حدث في زيارة الوفد الإماراتي رفيع المستوى لطهران والمفاوضات السعودية الإيرانية في العراق، بمعزل عن الملف النووي الإيراني.

وقد يكون ذلك نابعاً من شعورهما بأن مطالبها المتعلقة بالقضايا غير النووية لا تلقى اهتماماً كافياً من حلفائهما الغربيين، وفي الوقت ذاته فإنهما باتتا تشعران أن  القلق من الملف النووي الإيراني بات هاجساً يسيطر على الغرب دون حاجة لتحريض خليجي أو إسرائيلي في ضوء التقدم المقلق للبرنامج النووي الإيراني منذ بدأت طهران تنتهك شروط الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة في عهد ترامب منه.

 وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أكد في كلمته في افتتاح القمة على ضرورة التعامل مع البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني بما يحقق الاستقرار الإقليمي، وقال: “نتطلع إلى الوصول إلى حل فعال لأزمة النووي الإيراني”.

ورغم  إدانة البيان لاستمرار هجمات الحوثيين بدعم إيراني على السعودية والتأكيد على أنه يهدد الأمن الإقليمي، فإنه شدد على ضرورة التوصل لحل سياسي للأزمة اليمنية.

ودعا البيان لبنان إلى “تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وحصر السلاح بيد الدولة وضبط الحدود”.

العودة للاقتصاد مجدداً 

واستحوذ الملف الاقتصادي على نسبة كبيرة من بنود الدورة الـ42 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في الرياض أمس، حيث ناقشت اللجان الوزارية، برئاسة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري، وبمشاركة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، نايف الحجرف، نحو 30 بنداً تتعلق بآليات تعزيز التعاون الاقتصادي وتعظيم الاستثمارات المشتركة والمبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون.

وأكد البيان الختامي للقمة الخليجية “أهمية متابعة الرؤى الاقتصادية وفرص الاستثمار بين دول المجلس، ومواصلة العمل على تحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية”.

وقال الحجرف إن القادة الخليجيين اتفقوا على “أهمية متابعة إنجاز أهداف الرؤى الاقتصادية لدول مجلس التعاون لتحقيق التنوع الاقتصادي وتعظيم الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية”.

كما أشار إلى الاتفاق على “تطوير تكامل شبكات الطرق والقطارات والاتصالات” بين دول المجلس وتنسيق الجهود لمكافحة “التغير المناخي والأوبئة والأمراض”.

وأكد البيان الختامي الصادر عن القمة الخليجية بالرياض التأكيد على أهمية التحول الرقمي في دول مجلس التعاون، كما لاقى موضوع التغير المناخي اهتماماً في بيان القمة الختامي، علماً بأن هذه القضية باتت تحظى بأولوية في أجندة دول الخليج، مع سعيها للفصل بين عملية الربط بينها وبين التلوث الناتج عن الوقود الأحفوري، وكذلك محاولتها للحاق بالثورة الخضراء التي تمضى قدماً بقوة في السنوات الأخيرة.

كما أكد البيان الختامي للقمة  أهمية وتعزيز دور المرأة والشباب والتحول الرقمي في دول مجلس. 

دعم لمصر والسودان وتأكيد على أهمية الشراكة مع المغرب

وفيما يتعلق بالقضايا غير الخليجية، أكد البيان الختامي للقمة الخليجية التي عقدت بالرياض اليوم الثلاثاء على دعمها لحقوق مصر والسودان في مياه النيل، وهو موقف له أهميته في ضوء بعض الانتقادات التي توجه لمواقف دول الخليج من الأزمة والحديث عن محاباتها لإثيوبيا، وهو الاتهام الذي يوجه تحديداً للإمارات التي أفادت تقارير بأن دعمها لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وصل إلى مساندة الجيش الإثيوبي في حربه على التيغراي.

كما أكد البيان “أهمية الشراكة الاستراتيجية مع المغرب وتنفيذ خطة العمل المشتركة  بين الجانبين”، ومن المعروف أن المغرب تقليدياً بعلاقة وثيقة مع دول الخليج رغ  المسافة وذلك بالنظر إلى أن نظامه ملكي مثل دول الخليج، الأمر الذي جعل هناك علاقة وثيقة خاصة تربط الرباط بالعديد من العواصم الخليجية وصلت للتنسيق الأمنى والعسكري في كثير من الأحيان، ولكن اللافت أن علاقة المغرب بالإمارات والسعودية كانت تراجعت لفترة، وكان أحد أسباب ذلك على ما يبدو رفض الرباط المشاركة في الحصار على قطر، ضمن أسباب أخرى، ولكن عادت العلاقات بين الإمارات والمغرب تحديداً مع قيام أبوظبي بقيادة عملية التطبيع مع إسرائيل التي شملت المغرب.

ومن المنتظر أن تصبح العلاقات الخليجية المغربية أفضل بعد المضي قدماً في المصالحة الخليجية.

عربي بوست