بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عطشى.. أزمة المياه تتفاقم وتنذر بحروب وموجات لجوء جديدة
السياسية – رصد :
في أحدث أزمة باتت تعاني منها الجزائر، تشكو مناطق عديدة من شح المياه وانقطاعها، حيث جفت الصنابير بضواحي العاصمة، فيما ارتفعت درجات الحرارة وزاد الغضب بين الناس. فأغلق المحتجون الطرق الرئيسية والسكك الحديدية. ويقول صحفي محلي، مُعبِّراً عن المحتجين لمجلة The Economist البريطانية: “إذا توقف تدفق الماء، سيتوقف كل شيء آخر”.
والجزائر ليست وحدها؛ إذ اندلعت في الأشهر القليلة الماضية احتجاجات بسبب نقص المياه في إيران والعراق والسودان واليمن. وقد أُردي محتجان قتيلين في إيران في 16 يوليو/تموز. ويسهم نقص المياه في الاضطرابات بمناطق أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
التغير المناخي يتسبب بأشد أزمة جفاف للمياه في الشرق الأوسط
تقول المجلة البريطانية، إن الجفاف كان سمة مميزة للمنطقة منذ وقت طويل. لكنَّ التغيُّر المناخي الآن يتسبب في مواسم جفاف أطول، فضلاً عن موجات حر أكثر حرارة وترتفع درجات الحرارة بشكل قياسي. ويُتوقَّع أن يتراجع سقوط الأمطار، على نحو شديد في بعض المناطق؛ الأمر الذي سيدفع المزارعين لحفر المزيد من الآبار؛ وهو ما سيُجفِّف طبقات المياه الجوفية ويتسبب ربما في ضرر بيئي لا يمكن إصلاحه. وبالنسبة لمعظم المنطقة، يتجه المسار نحو مستقبل أكثر جفافاً وحرارة ومعاناةً.
تتعامل بعض الحكومات مع المشكلة؛ إذ تعتمد إسرائيل ودول الخليج على محطات تحلية مياه البحر، التي يمكن أن تعمل بالطاقة الشمسية وتنتج متراً مكعباً من المياه العذبة (يكفي لملء 3000 زجاجة مياه صغيرة) بمبلغ ضئيل يصل إلى 50 سنتاً أمريكياً. لكنَّ بعض الحكومات تجعل الأمور أسوأ. إذ يلقي المحتجون باللائمة في الجزء الأكبر من هذه المعاناة على سوء الإدارة والفساد. يقول حسن الجنابي، وهو وزير سابق للموارد المائية في العراق: “قطاع المياه ينهار. سيحدث انفجار”.
يقول البنك الدولي إنَّ الزراعة تمثل الحصة الساحقة من المياه العذبة المسحوبة من الموارد المائية السطحية أو الأرضية عالمياً (نحو 70%). وهذه النسبة أعلى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (نحو 80%). إذ تعتمد المحاصيل بصورة كلية على الري في هذه المنطقة القاحلة، ويقول المسؤولون إنَّ دعم الزراعة يُوقِف الهجرة الريفية ويقلص الحاجة لاستخدام العملة الصعبة لشراء الواردات الغذائية. لذا، تسمح مصر على سبيل المثال لمزارعيها بسحب المياه من النيل مقابل لا شيء باستثناء تكلفة الضخ.
ولطالما شجع هذا الدعم المزارعين في المنطقة على إهدار المياه على نطاق واسع كما تقول المجلة البريطانية. مع ذلك، يحب القادة استغلال المياه الرخيصة كوسيلة لشراء الدعم أو تعزيز مصالحهم. فيستخدمها النظام في الأردن، وهو واحد من أكثر بلدان العالم جفافاً، لتهدئة المزارعين من القبائل القوية في غور الأردن. وفي إيران، عدَّل الحرس الثوري مسار أحد الأنهار لتبريد مصانع الصلب التابعة له في أصفهان، بل يُقال إنَّ رئيساً سابقاً، هو أكبر هاشمي رفسنجاني، بنى سداً لري محصوله من الفستق.
شح المياه يقود لاضطرابات سياسية في الشرق الأوسط
اندلعت الاحتجاجات في إيران في محافظة خوزستان، التي تضم معظم سكان البلاد العرب. واعتادت معظم المياه العذبة الإيرانية أن تمر عبر المحافظة. ويتذكر كبار السن حين كانت السفن المتجهة لأمريكا تبحر في نهر قارون. لكنَّ عشرات السدود قد تسببت بجفاف أنهار ومستنقعات خوزستان. ويتهم السكان الغاضبون النظام بتحويل المياه إلى المدن الفارسية والسعي لإخراج العرب من الأرض بهدف التنقيب عن مزيد من النفط. ويهتف المحتجون: “لا للتهجير القسري”.
كثيراً ما يلوم الجزائريون الفساد على مشكلاتهم المائية؛ إذ أنفقت الحكومة أكثر من 50 مليار دولار على مشروعات المياه على مدار العقدين الماضيين، لكنَّ معظم هذه الأموال تبخَّر. وحُكِمَ على أحد وزراء الموارد المائية السابقين بالسجن بتهمة اختلاس الأموال، وأُلقي خلال الأسبوعين الماضيين القبض على المزيد. وتوجد 11 محطة تحلية بنتها شركة تابعة للدولة في حالة سيئة.
والقصة في الجزائر هي نفسها تقريباً في العراق؛ حيث تأجل بناء محطة تحلية كبيرة لسنوات في ظل تنازع الفصائل الحاكمة في البلاد أيَّها يحصل على العقد.
جعلت الحرب من الصعب على بعض البلدان الحفاظ على بنيتها التحتية المائية. واستُخدِمَ الماء أحياناً كسلاح. فحاول مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” حجز مياه نهر الفرات في محاولة لتجويع خصومهم في العراق. ويقدر تقرير من جامعة صنعاء أنَّ 70% من الاشتباكات الريفية في اليمن، قبل الحرب الأهلية، بدأت باعتبارها خلافاتٍ حول الماء.
المياه تنذر بصراعات وحروب جديدة
بل يمكن أن تصبح المياه السبب الرئيسي لصراعات المستقبل؛ إذ تتنازع مصر والسودان مع إثيوبيا حول ملء أحد السدود العملاقة على النيل. ويقول الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، مُهدِّداً، إنَّ “كل الخيارات مفتوحة”. وتبني تركيا وإيران أيضاً سدوداً من شأنها أن تستنزف المياه المتدفقة إلى جوارهما. ويضمن الحصار الإسرائيلي لغزة ألا يكون لدى القطاع الأدوات لإنتاج ما يكفي من المياه الصالحة للشرب.
لكنَّ مراقبين آخرين “أكثر تفاؤلاً”؛ إذ يقول الباحث الإسرائيلي عيران فيتلسون من الجامعة العبرية بإسرائيل للمجلة الأمريكية، إنَّ “تحلية المياه أرخص من القتال عليها”. مع ذلك، يمكن أن يكون للاضطرابات المرتبطة بالمياه تداعيات عالمية؛ إذ يهجر اليمنيون على سبيل المثال قراهم الجافة. وبدون وجود استثمارات وإدارة وتقاسم أفضل للمياه، هناك خطر بأن يصبح الملايين من سكان المنطقة “لاجئين مناخيين”.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من عربي بوست