المغرب والجزائر.. ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، فلماذا يتزايد التوتر بين الحين والآخر؟
السياسية:
“ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا”، بهذه العبارات الجامعة الساحرة، يواجه الحالمون بمشروع التكامل المغاربي والوحدة المغاربية تغوّل لغة “التوتر” بين المغرب والجزائر.
كلما ارتفع منسوب التوتر في العلاقات بين البلدين.. طفت في الأوساط الشعبية، وحتى وسط بعض المثقفين والصحفيين، لغة “المشترك” بين الشعبين اللذين يتقاسمان إلى جانب الحدود أشياء أخرى.
وحتى عندما يعتقد العديد من المراقبين أن كابوس المواجهة العسكرية بات وشيكاً، كما كان الأمر أخيراً، غداة اتهام الجزائر للمغرب في بداية نوفمبر/تشرين الثاني باغتيال 3 من مواطنيها كانوا على متن شاحنات تجارية تنقل سلعاً إلى موريتانيا، ظلت دعوات التهدئة مستمرة ومستحضرة لكل ما يجمع البلدين من تاريخ وعادات وروابط الدم.
وعلى الرغم من انسداد العلاقات الجزائرية المغربية على خلفية ملفي الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وقضية إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”، المدعومة من الجزائر، فإن الشعبين يبديان رسائل إيجابية، تظهر من خلال عدد من المجالات مثل الرياضة والفن ومنصات التواصل الاجتماعي..
وكانت الجزائر قررت الشهر الماضي غلق المجال الجوّي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، رداً على “الممارسات العدائية من الجانب المغربي”، وفق تعبير بيان للرئاسة الجزائرية.
بالمقابل، أعلن المغرب رفضه القاطع للمبررات “الزائفة والعبثية” التي بنت عليها الجزائر قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة.
تعدد المشترك
بالقدر الذي باعدت السياسة بين البلدين، قرّبت التقاليد وعلاقات الدعم والمصير الاقتصادي المشترك أبناء الشعبين الشقيقين.
لم يجد الناشط المدني إدريس هادف، نجل الشاعر الجزائري سعيد هادف، أدنى صعوبات في الاندماج داخل مدينة وجدة شرقي المغرب.
ويقول هادف، لـ”الأناضول”، إنه عندما دخل وجدة وهو صغير، لم يحس أنه دخل مجالاً ومجتمعاً غريباً عليه، وسار اندماجه سلساً للغاية.
كطفل صغير، لم يجد هادف صعوبات في التعبير عما يخالجه، لأن الأهالي يتكلمون لغة واحدة، ويحتفلون بعيدي الفطر والأضحى بالتقاليد والعادات عينها، بل يكادون يحضرون جميع الأطباق بالطريقة ذاتها.
هذا التشابه إلى حد التطابق، حاضر بقوة في الشرق المغربي والغرب الجزائري، نظراً إلى الحدود المشتركة، التي طالما تجسّدت بقيام علاقات قرابة ودم مختلطة بين الضفتين.
وتبعاً لذلك، لم يكن مستغرباً أبداً في المناطق الحدودية تبادل الأطباق بين ضفتي الحدود، وقد استمر هذا الوضع حتى السنوات القليلة الماضية، ولم يتوقف إلا بعد إقرار تجهيزات هندسية جديدة على خط الحدود بين البلدين.
وتأكيداً على متانة الأواصر المشتركة بين الشعبين، يتذكّر هادف عدداً من اللقاءات الدولية التي جمعته بجنسيات مختلفة، وكيف يمر تيار التواصل بسلاسة بينه وبين المغاربة والجزائريين بعكس جنسيات أخرى، ويشبّه ذلك الانجذاب بمفعول المغناطيس!
الأمر لا يختلف كثيراً على مستوى الاهتمامات اليومية، وبخاصة عند الشباب، على صعد العمل والهجرة والمقاولات الصغرى، مع اختلافات بسيطة قد تمليها بعض القوانين والأنظمة.
الراي.. المشترك الفني
كثيراً ما أثير المشترك الفني بين البلدين بمنطق التنازع، خاصة على مستوى التناول الإعلامي، شأنه شأن المشترك من الطعام، كالكسكس الذي يتجدد الجدل حوله بشكل مستمر!
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، حسمت “يونيسكو” (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) الجدل الدائر بين البلدان المغاربية حول هوية طبق “الكسكس”، وقالت إنه طبق مغاربي (ينتمي إلى الدول المغاربية)، مصنفة إياه ضمن لائحة التراث الثقافي غير المادي للمنظمة الأممية.
لكن ذلك لم يكن يحظى باهتمام جدي لدى الشعبين، على اعتبار أن إثارة الأمر بمنطق من صاحب الفضل فيه، كان الغرض منه تعزيز بعض المواقف السياسية.
تبقى موسيقى “الراي” أبرز تعبير فني مشترك بين الجارين الشقيقين، وهي موسيقى في الأصل تنهل من الموروث الثقافي البدوي لقبائل الحدود بين الجارين.
وفي المهرجان السنوي في مدينة وجدة، والذي توقف خلال السنتين الماضيتين بفعل جائحة كورونا، تُرسم الكثير من الصور المشتركة، سواء وسط الجمهور الذي يضم جزائريين أو الفنانين الذين يكونون في معظمهم جزائريين.
الاقتصاد والتكامل
قبل 6 سنوات، انخرط البلدان في إجراءات جديدة على مستوى الحدود البرية؛ إذ شرعت الجزائر في تشييد خنادق على طول الشريط الحدودي، في المقابل شيد المغرب سياجاً حديدياً.
قبل هذه الإجراءات، كانت هناك تجارة حدودية مشتركة مزدهرة للغاية، بين سكان المناطق الحدودية، بل إن عمق تأثير هذه التجارة تعدى المناطق الحدودية إلى الحواضر الوسطى للبلدين.
يقول محمدي البكاي، أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الأول بوجدة، لـ”الأناضول”، إنه في إطار الاقتصاد المعولم، هناك اتجاهان يؤسسان للعلاقات الدولية، الأول توحيدي على مستوى المناطق والجهات، والثاني تنافسي تبحث فيه الدول عن المناطق الأكثر مردودية.
والمنطقة المغاربية، بحسب الباحث المغربي، وبحكم موقعها الاستراتيجي وإمكاناتها الطبيعية، فإن عملية الاتحاد والتكامل تمكنها من لعب أدوار كبرى في إطار استغلال الموارد التي تتوافر فيها.
وهذا سيمكنها أيضاً من الوصول إلى مكانة مناسبة، وقوة تفاوضية مع التكتلات الأخرى، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي، الذي يعد الشريك الأبرز للبلدين معاً.
والحقيقة أنه إلى جانب ما تفرضه الجغرافيا المشتركة والتنوع في الإمكانات الطبيعية، يرى البكاي أن التاريخ المشترك بحمولته الثقافية والاجتماعية والسياسية، والذي تعزز حضوره في علاقة الشعبين بالمواجهة المشتركة للاستعمار الفرنسي، كفيل بالسير رأساً نحو تثمين “المشترك” لبناء اقتصاد متكامل.
قاطرة مشتركة
والمشترك بين البلدين، يحتّم مصيراً مشتركاً أيضاً، وهو ما يدفع هادف إلى القول إن المغرب والجزائر، بمثابة قاطرة المنطقة المغاربية، في علاقتهما مع الدول الإفريقية أو باقي العالم.
والسير إلى الأمام يقتضي، بحسب هادف، القبول بالاختلاف والخلاف، على اعتبار أن نقاط الالتقاء أكبر مما قد يفرق البلدين والشعبين، لا سيما في التاريخ المشترك على صعيد مواجهة الاستعمار (ذاته)، ما يحفز على استثمار القواسم المشتركة بين البلدين الجارين.
وينظر هادف إلى الرهانات المشتركة للشباب في المغرب والجزائر، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، كعامل مهم لتوفير دينامية شبابية قادرة على تعميق الأواصر المشتركة، لا سيما مع استغلال الفضاء الرقمي وما يتيحه من فرص لتقريب وجهات النظر وتسهيل عملية التواصل.
خاوة خاوة
وترى يسرا أفريط، مهندسة مغربية أن الشعبين الجزائري والمغربي إخوة، والأمر لن يتغير بتغيُّر حكام قصر المرادية، فعندما كان بوتفليقة كنا شعبين جارين، ونحن كذلك اليوم عندما جاء عبد المجيد تبون، والأمر لن يتغير مهما أمسك الحكم.
وقالت المتحدثة في تصريح لـ”عربي بوست”: “أنا لا أفهم في السياسة كثيراً، فهي بعيدة عن مجال اهتمامي، لكن أتابع ما يحصل وأقرأ عن الأزمة بين الجارين، وأعتقد أنها كان لها حل، لولا وجود طرف ثالث بيننا، هو الذي يُؤزّم الأوضاع”.
مقابل ذلك، ترى يسرا أن “الجيش الجزائري ليس له أية مشروعية تاريخية أو ديمقراطية، لكنه يتمسك بتسيير دواليب الحكم عن طريق حكومات صورية، وخلقِ عدوّ افتراضي على حدود البلاد، ليجعل من هذا العدو أداةً تُسهل له البقاء في الحكم، وهذا شيء قد وعى له الشعب الجزائري، الذي لم يعد يطيق هذه المناورات الزائفة”.
“الراي” يجمعنا
وبعيداً عن الأزمة السياسية بين الجارين، يرى حمزة أهبيل، طالب مغربي، أنه لا يعرف شيئاً عما يحصل غير أنه يسمع الموسيقى الجزائرية بحب كبير، فعِشْق حمزة لفن الراي جعله يتجاهل الأزمة السياسية بين الطرفين.
يقول حمزة في حديثه مع “عربي بوست”: “أعلم أن هناك أزمة سياسية، وتابعت الخطاب الملكي الأخير، الذي مدّ يد الصلح إلى جارتنا الجزائر، والاتهامات التي كَالَتها لنا في المقابل، لكن كل هذا لا يهمني، ما يهم هو أنني أحب تلك البلاد وشعبها الطيب، وأحب ثقافتهم وموسيقاهم”.
من جهتها، ترى شيماء مزيان، مهندسة مدنية مغربية، في حديث مع “عربي بوست”، أن “المغرب والجزائر شعب واحد قسمته الجغرافيا، فالطرفان يتشابهان في كل شيء، العادات والتقاليد، وحتى طريقة الاحتفال بالمناسبات والأفراح متشابهة”.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع