رأى هذا الطراز النور كحركة فنية على يد المعمار الألماني والتر غروبيوس عام 1919

نيرمين علي

نشأت الباوهاوس (Bauhaus) في الألمانية أو (Building house) في الإنجليزية، كحركة جمالية تصميمية وظيفية وعقلانية، مُتخذة شعار الشكل يتبع الوظيفة والأقل هو الأكثر، ومحملة بأفكار ونظرة جديدة كلياً للجمال.

أيدت حركة باوهاوس أسلوباً هندسياً تجريدياً يتميز بالقليل من العاطفة والبعد عن التاريخ، ورغم أن الحركة نفسها لم تستمر لأكثر من 14 عاماً، فإن تأثيرها امتد ليشمل الأثاث والأدوات المنزلية والطباعة وفن الغرافيك والبناء، ولا تزال جمالياته تؤثر على أجيال من المعماريين والمصممين والفنانين حول العالم.

والتر غروبيوس

رأى هذا الطراز النور كحركة فنية وتصميمية على يد المعمار الألماني والتر غروبيوس عام 1919 في فايمار- ألمانيا، بعد ستة أشهر من نهاية الحرب العالمية الأولى، وسعى إلى إنشاء شكل جديد جذري في عالم التصميم والهندسة المعمارية، للمساهمة في إعادة بناء مجتمع ما بعد الحرب.

انتقلت المدرسة إلى ديساو في عام 1925، ثم إلى برلين في عام 1932، وبعد ذلك تم إغلاق باوهاوس من قبل النازيين في عام 1933، غادر غروبيوس وغيره من مصممي باوهاوس البارزين ألمانيا ونشروا أفكار باوهاوس حول العالم، وحولوها إلى حركة عالمية وعززوا إرثها باعتبارها أكثر مدارس الفنون والتصميم تأثيراً في تاريخ العالم.

لقد ساعدت هجرة معماريي الباوهاوس القسرية من ألمانيا النازية على انتشار مبادئها وأفكارها وفلسفتها خارج ألمانيا وكانت أكثر المناطق تبنياً لهذا الفكر هي الولايات المتحدة الأميركية، حيث اشتهرت فيها أسماء كل من غروبيوس والألماني فان در روه والمجري مارسيل بروير والهنغاري الأميركي موهولي ناغي.

ملامح

يتميز تصميم باوهاوس بأنه عقلاني وبسيط وعملي وشامل، يمزج بين الممارسة التطبيقية والتجربة اليدوية والتركيز على الخطوط الواضحة التي تختزل الأشكال إلى عناصرها الأساسية.

وقد تمثلت مبادئ الباوهاوس في الربط بين الفن والتكنولوجيا أو الحرفية والصناعة، واهتمت بمبدأ “Truth to materials” أي استخدام المواد في أكثر حالاتها طبيعية وبساطة ومن دون تنميق، واستخدمت تصميمات الباوهاوس في أوائل القرن العشرين مواد حديثة مثل الزجاج والفولاذ والبلاستيك وغيرها.

توحيد العمل الفني

كُرست المدرسة لتوحيد جميع فروع الفنون تحت سقف واحد، كما أوضح غروبيوس في البيان التأسيسي للمدرسة “أن الهدف النهائي هو العمل الفني الموحد total work of art”، وأعلن أن هدف المدرسة تعليم الطلاب من أجل خلق مجتمع جديد من الفنانين والحرفيين تجمعهم روح واحدة في تصميم طراز مستقبلي جديد.

لقد تطلع غروبيوس إلى المفهوم الألماني الذي يجمع العديد من الأشكال الفنية في شكل واحد، واقتبس فكرة gesamtkunstwerk “العمل الفني الكلي” أو “جمع وتوليف الفنون”، من المؤلف الموسيقي ريتشارد فاغنر، ودعا إلى الابتعاد عن المفاهيم الزخرفية الجمالية التي راجت في الثقافات الماضية، عبر دراسة “طبيعة” الأشياء والتصميم انطلاقاً منها.

أشكال وألوان أساسية

أخدت هذه الفلسفة على عاتقها إحياء الحرفة من جديد وتحرير الفن من الفكر الصناعي، فأوصت بالابتعاد عن الزخرفة الفنية المبالغ بها، التي ميزت الفن الأوروبي في فترة ما قبل القرن العشرين، ودعت إلى التبسيط والتجربة والرجوع إلى الأساس في الأشكال (الدائرة والمربع والمثلث) والألوان (الأحمر والأزرق والأصفر)، فتركز الاهتمام على استخدام الأشكال الأساسية الهندسية في التصميم، وتحرير التصميم من التكديس المبالغ به للعناصر وتوسيع المساحات السلبية.

العمل اليدوي

شملت معايير الباوهاوس ضرورة إتقان العمل اليدوي كشرط أساسي للتشكيل الفني، فطُمس الخط الفاصل بين الفنان والحرفي وبين الفنون التطبيقية والفنون الجميلة، ويتضح اهتمام الباوهاوس بالعمل اليدوي بشكل واضح في الشق التعليمي، عبر تدريس الطلاب كل أنواع الفنون العملي منها والنظري، لتخريج فنان حرفي craftsman، يعمل بيديه ويستكشف المواد وطبيعتها ليتمكن من توظيفها بأفضل شكل ممكن في التصميم، فابتكرت أساليب جديدة في التعليم والتدريب الفني بإلزام الطلاب الراغبين بتعلم هذه الفلسفة من خلال إخضاعهم لدورة تأهيل تمكنهم من الأسس النظرية ومبادئ الشكل واللون على النحو الذي يحتاجه كل حرفي وفنان بذات الوقت، وأصبح لزاماً على كل طالب يجتاز دورة التأهيل، العمل في المحترفات تحت إشراف حرفي أو فنان قدير، فعمل طلبة الباوهاوس في محترفات النحت والتصوير الضوئي والنجارة والخزف والطباعة والدعاية وتنظيم المعارض وغيرها، وكانت الدراسة تنتهي بامتحان يمنح الطالب بعده شهادة “معلم حرفة”.

مختصر القول، إن الباوهاوس فرضت نفسها بقوة كواحدة من أهم مدارس التصميم في أوروبا، ونواة أساسية في تشكيل الحداثة، وغالباً ما تُذكر الباوهاوس اليوم كمحفز في العمارة الحديثة وتصميم الأثاث، وكمؤثر أساسي في الرسم والنحت في منتصف القرن العشرين.