هل سيؤدي مؤتمر باريس إلى انتخابات وإنهاء الأزمة في ليبيا؟
السياسية – رصد :
مع بقاء أقل من ستة أسابيع على موعد الانتخابات الوطنية الليبية في 24 ديسمبر 2021، حضر مؤتمر باريس الدولي يوم أمس العديد من المؤثرين الرئيسيين في المعادلة السياسية لهذا البلد. وكان الهدف من المؤتمر “دعم دولي لاستمرار التداول السياسي للسلطة في ليبيا وإجراء الانتخابات في موعدها”.
وحضر المؤتمر مسؤولون من 30 دولة بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونائب الرئيس الأمريكي كامالا هاريس ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، حيث لكل شخص تأثيره الخاص على التطورات في ليبيا. كما حضر القمة قادة تيارات السلطة الرئيسية في الحكومة الليبية المؤقتة، والتي تخضع أيضًا لإشراف الأمم المتحدة. وشدد البيان الختامي للقمة على ضرورة الحفاظ على الوحدة وإجراء الانتخابات في موعدها وتشكيل حكومة شرعية في ليبيا، لكن السؤال الآن هو إلى أي مدى يمكن إجراء الانتخابات في موعدها. وهل يمكن أن يؤدي إجراء الانتخابات في هذا البلد إلى إقامة حكومة شرعية وقوية في طرابلس؟ في معالجة هذا السؤال الأساسي، من الضروري دراسة وتحليل أهم التحديات والعقبات التي تعترض إجراء انتخابات كبرى في ليبيا.
التأكيد على إجراء الانتخابات وإعادة حكم الحكومة الشرعية
في مؤتمر باريس الدولي، تم التطرق إلى عدد من القضايا الهامة، مبنية على التأكيد على إجراء الانتخابات في موعدها. وشدد المشاركون في البيان الختامي للمؤتمر على أهمية إجراء أول انتخابات رئاسية وبرلمانية في تاريخ ليبيا بطريقة “حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية”، وضرورة الاحترام الكامل لسيادة ليبيا، واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، وأكدوا على أي تدخل خارجي في شؤون هذا البلد. ودعا المؤتمر كافة الأطراف المؤثرة والمرشحين الليبيين إلى الالتزام باحترام حقوق خصومهم السياسيين وقبول نتائج الانتخابات. كما حذر مؤتمر باريس من فرض عقوبات على كل من يحاول تعطيل الانتخابات أو تقويض نتائجها داخل ليبيا أو خارجها. يمكن قراءة البنود التي تم التأكيد عليها في مؤتمر باريس للأمن على شكل عودة للشرعية وقبول حكومة موحدة ومركزية، ولكن هناك شكوك جوهرية حول تنفيذ توصيات هذا البيان. في الأساس، يتطلب تنفيذ النظام الديمقراطي وقبول قواعد الديمقراطية في هذا البلد من قبل مختلف الفاعلين الشروط الضرورية التي لا يمكن تنفيذها في ظل الأزمة الليبية.
هل يمكن لمؤتمر باريس العمل؟
فيما يتعلق بإمكانية تحقيق الأهداف المذكورة في مؤتمر باريس للأمن، يبدو من الضروري الانتباه إلى العديد من القيود الهامة.
نشأت الأزمة الداخلية بين رؤساء الدول من حالة الأزمة: الحديث عن قواعد اللعبة الديمقراطية وإجراء الانتخابات وقبول النتائج من قبل التيارات السياسية المختلفة، هو أمر صعب، وذلك في وضع كانت فيه البلاد في كل سنوات ما بعد 2011 في أزمة واسعة وانقسام ليبيا إلى حكومتين منفصلتين، في الواقع، لم تمضي على الثورة الليبية خمس سنوات حتى بلغت الخلافات في قيادة هذا البلد ذروتها. أدى كل ذلك إلى تشكيل حكومة الوفاق المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها طرابلس وتشكيل حكومة أخرى، تعرف باسم الجيش الوطني الليبي، بقيادة الجنرال خليفة حفتر في شرق ليبيا. كما أن الجزء الجنوبي الغربي من ليبيا يخضع لسيطرة قبائل “الطوارق”، وتهيمن قبيلة التوبو على المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التابعة للجنرال حفتر. كما تسيطر القوات المتحالفة مع داعش على جزء كبير من شمال ليبيا.
وبحسب ابن عساف، إثر التدخل الجاد لتركيا في الحرب الأهلية الليبية منذ يونيو 2020 وهزيمة قوات الخليفة حفتر ووصول الطرفين إلى مدينة سرت كنقطة حيوية بينهما وتحذير مباشر من التدخل العسكري المصري أعلنت الأطراف المتحاربة وقف إطلاق النار وطالبوا بحل دبلوماسي. بعد ذلك استمرت المحادثات السياسية حول الأزمة الليبية (أكتوبر 2020 في جنيف ونوفمبر 2020 في تونس). أخيرًا، اتفقت الجماعتان المتنافستان الرئيسيتان في الحرب الأهلية الليبية في 5 يونيو 2020 أخيرًا على تشكيل حكومة انتقالية جديدة. وجاء الاتفاق بعد خمسة أيام من المفاوضات في منتدى نسقته الأمم المتحدة في جنيف. ونتيجة لذلك، رأينا أن محمد يونس منفي، وهو دبلوماسي من شرق ليبيا، قد انتخب رئيساً جديداً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد دبيبه، رجل الأعمال، رئيساً للوزراء. في مثل هذه الحالة، فإن الحديث عن انتخابات ديمقراطية يعني في الأساس تجاهل الخلفية العميقة للأزمة بين التيارات السياسية.
توترات بين القيادة الليبية: انعقد مؤتمر باريس الدولي في وقت من غير المرجح أن تتوصل فيه عملية وطريقة إجراء هذه الانتخابات إلى إجماع على خطة ما قبل الانتخابات، أو بعبارة أخرى الحزبين والتيارين السياسيين الرئيسيين في البلاد. وتشعر بعض الأحزاب أن البلاد ليست مستعدة بعد لخوض الانتخابات. وخلف الكواليس تصاعدت التوترات بين محمد المنفي رئيس مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة. حتى المقربين من الرئاسة غضبوا من حقيقة أن رئيس الوزراء، الذي تتعلق مهامه بشكل أساسي بالشؤون الداخلية، قد تمت دعوته إلى قمة باريس. تقول جماعة المنفي إن إجراء الانتخابات غير منطقي حتى عودة قوة الحكم الليبي، وسيكون من المستحيل تحقيقه حتى يغادر المرتزقة البلاد. كما أن ليبيا ليس لديها قانون انتخاب قبل ما يقرب من شهر من الانتخابات. وقد أقر مجلس النواب في طبرق قانونًا في 4 أكتوبر، لكن طرابلس رفضته في اليوم التالي. ودفع الوضع حتى رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، في كلمة ألقاها في مؤتمر باريس، إلى دعوة المجلس التشريعي لتعديل قانون الانتخابات بشكل توافقي يضمن العدالة والشمول وتكافؤ الفرص.
الغموض في قبول نتائج الانتخابات: التحدي الآخر هو أنه حتى لو أجريت الانتخابات (باحتمال منخفض جدًا)، فإن قبول نتائج الانتخابات من قبل جميع المجموعات السياسية أمر مشكوك فيه. وفقًا للمعلومات المتاحة، لن يخوض المنفى الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر. هناك ثلاثة أسماء بارزة حاليًا: سيف الإسلام القذافي، وخليفة حفتر، وخالد المشري؛ رغم أنهم لم يعلنوا رسميًا بعد عن نيتهم الترشح للرئاسة. المشكلة أنه في حال فوز أي منهم، سيرفض جزء كبير من المعارضة كل منهما، الأمر الذي قد يغرق البلاد في الفوضى مرة أخرى.
استمرار التدخل الأجنبي أصحاب المصلحة في الأزمة: قضية أخرى مهمة في ليبيا في حالة ما بعد الانتخابات، ألا وهي استمرار التدخل الأجنبي في البلاد. حتى مؤتمر باريس أوضح أن قادة ومسؤولي 30 دولة هم من يقررون مستقبل ليبيا. كما أن تركيا وروسيا هما الدولتان الرئيسيتان اللتان نشرتا أعدادًا كبيرة من المرتزقة في ليبيا، رغم أن تركيا لم تشارك في مؤتمر باريس بشكل غير متوقع. بالإضافة إلى هاتين الدولتين، فإن جهات فاعلة مثل الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا وغيرها تعتبر نفسها منخرطة في المستقبل السياسي لهذا البلد، ويبدو أن الخلافات بين هذه الجهات ستستمر في اليوم التالي للانتخابات. والواقع أن فوز أي حزب قريب من إحدى هذه الدول سيواجه معارضة وتدخل من الطرف الآخر.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع التحليل الاخباري