السياسية:

يعيش السودان مرحلة تحولات وسط صراعات بين القوى السياسية التي تسعى إلى حسم الصراع في الشارع عبر حشد انصارها حيث تدفق يوم 21 اكتوبر الحالي مئات الآلاف من السودانيين إلى الشوارع في عدة مدن في العاصمة الخرطوم وغيرها من مدن البلاد في مظاهرات احتجاجية للمطالبة بالتحول الديموقراطي وتسليم السلطة للمدنيين.

وفي المقابل، توافد المئات للانضمام للمعتصمين أمام القصر الجمهوري للمطالبة بحل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وتسليم السلطة للجيش.

ووسط كل ذلك تحل ذكرى إلغاء الحكم الثنائي والذي كان يقضي بتقاسم السيادة على السودان بين مصر وبريطانيا في 27 اكتوبر عام 1951.

ففى أكتوبر/تشرين الأول من عام 1951 شجبت الهيئة التشريعية السودانية اتفاقية السيادة المشتركة بين مصر وبريطانيا ومعاهدة 1936.

وفى الـ 27 من الشهر ذاته قام رئيس الوزراء المصري حينئذ مصطفى النحاس بالغاء معاهدتى 1936 و1899 من جانب واحد، ولم تعترف بريطانيا بهذا الإلغاء.

فما هي قصة السودان مع الحكم الثنائي الأنجلو مصري؟

تقول دائرة المعارف البريطانية إن البداية تمثلت في الحكم المصري العثماني، ففي يوليو/تموز من عام 1820، أرسل محمد علي والي مصر في عهد الإمبراطورية العثمانية جيشا بقيادة ابنه إسماعيل لغزو السودان.

وكان محمد علي مهتما بالذهب والسيطرة على المناطق النائية الشاسعة في جنوب مصر.

وبحلول عام 1821 استسلم الفونج وسلطان دارفور، وأصبح السودان النيلي من النوبة إلى التلال الأثيوبية ومن نهر عطبرة إلى دارفور جزءا من إمبراطورية محمد علي. بحسب دائرة المعارف البريطانية.

وقد أفرط نظام محمد علي في تحصيل الضرائب إلى حد مصادرة الذهب والماشية والعبيد، واشتدت معارضة حكمه مما أدى في النهاية إلى التمرد وقتل نجله إسماعيل وحارسه الشخصي. لكن المتمردين كانوا يفتقرون إلى القيادة والتنسيق، وتم قمع تمردهم بوحشية.

واستمر القمع حتى تم تعيين علي خورشيد أغا حاكما عاما في عام 1826 حيث شكلت إدارته حقبة جديدة في العلاقات المصرية السودانية، فقد خفض الضرائب واستشار السودانيين عبر القائد السوداني الذي حظي باحترام كبير عبد القادر ود الزين.

وعندما تقاعد علي خورشيد أغا في عام 1838 وغادر عائدا إلى القاهرة ترك وراءه بلادا مزدهرة. بحسب دائرة المعارف البريطانية.

وقد واصل خليفته في المنصب أحمد باشا أبو ودان سياساته، ولكن محمد علي شك في ولائه فاستدعاه إلى القاهرة في خريف عام 1843 ولكنه توفي قبل أن يغادر السودان ويعتقد الكثيرون أنه مات مسموما.

وخلال العقود التالية أصاب البلد الركود بسبب الحكومة غير الفعالة في الخرطوم فحتى لو كان خلفاء أحمد باشا أبو ودان يمتلكون الموهبة الإدارية، فنادرا ما كانوا قادرين على إثباتها حيث لم يشغل أي حاكم عام منصبه لفترة كافية لتنفيذ خططه الخاصة، ناهيك عن الاستمرار في خطط سلفه.

الخديوي إسماعيل

وفي عام 1863 بات إسماعيل باشا واليا على مصر (حمل لاحقا لقب خديوي)، وقد عمل على مواصلة السياسة التوسعية في الجنوب فكلف الإنجليزي صموئيل وايت بيكر بقيادة رحلة استكشافية إلى النيل الأبيض لوضع أساس الهيمنة المصرية على المناطق الاستوائية في وسط إفريقيا والحد من تجارة الرقيق في أعالي النيل.

معركتان خاضتهما مصر ضد إثيوبيا عبر التاريخ وخسرتهما

وقد ظل بيكر في أفريقيا الاستوائية حتى عام 1873 حيث أسس مقاطعة الاستوائية كجزء من السودان المصري. لقد بسط نفوذ مصر وكبح تجار الرقيق على النيل، لكنه عزل أيضا بعض القبائل الأفريقية.

في عام 1877 عين إسماعيل غوردون حاكما عاما للسودان والذي قاد حملة ضد تجارة الرقيق، ولمساعدته في هذا المشروع الإنساني أحاط نفسه بكادر من المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين.

وفي نفس العام أيضا وقع إسماعيل اتفاقية تجارة الرقيق الأنجلو-مصرية ، والتي نصت على إنهاء بيع وشراء العبيد في السودان بحلول عام 1880، وقد شرع غوردون في الوفاء بشروط هذه المعاهدة حيث قام خلال جولات سريعة في أنحاء البلاد بتفكيك الأسواق وسجن التجار.

وبحلول عام 1879، كان رد الفعل القوي ضد إصلاحات غوردون يسري في جميع أنحاء البلاد.

حكاية السلطان الذي صار ملك مصر والسودان وسيد النوبة وكردفان ودارفور

وبطبيعة الحال، انقلب تجار الرقيق الأقوياء ضد الإدارة، في حين سارع القرويون والبدو، الذين اعتادوا إلقاء اللوم على الحكومة في أي صعوبات، إلى ربط الكساد الاقتصادي بمسيحية غوردون.

ثم فجأة، في خضم السخط المتصاعد في السودان، انهار المركز المالي لإسماعيل الغارق في الديون حيث لم يعد بإمكانه دفع الفائدة على الدين المصري. وانتهى أمر إسماعيل بعد 16 عاما من الإنفاق الباذخ بالنفي واستقال غوردون.

الثورة المهدية

تنسب تلك الثورة إلى زعيمها محمد أحمد بن عبد الله، وهو نجل أحد صانعي المراكب في دنقلهوي.

وكان محمد احمد متدينا بعمق منذ شبابه، وتلقى تعليمه في إحدى الطرق الصوفية، لكنه عزل نفسه لاحقا في جزيرة أبا في النيل الأبيض لممارسة الزهد.

وفي عام 1880 قام بجولة في كردفان حيث علم بسخط الناس ولاحظ تصرفات الحكومة التي لم يستطع التوفيق بينها وبين معتقداته الدينية.

وعند عودته إلى جزيرة أبا بات يدعو إلى تجديد الدين وأعلن أن رسالته هي إصلاح الإسلام وإعادته إلى صيغته الأصلية التي مارسها نبي الإسلام.

وانتشرت دعوة محمد أحمد وصار “المهدي” في نظر أنصاره، وعلى رأسهم عبد الله التعايشي، والذين تطلعوا إليه لتطهير السودان من غير المؤمنين.

وبحلول سبتمبر/أيلول من عام 1882، سيطر أنصار المهدي على كردفان بأكملها.

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1883، دمروا جيشا مصريا قوامه 10 آلاف رجل بقيادة كولونيل بريطاني.

ولم تستطع الحملة التي قادها غوردون والتي أُرسلت على عجل إلى الخرطوم السيطرة على الوضع.

ففي 26 يناير/كانون الثاني من عام 1885 استولى المهديون على الخرطوم وقُتل غوردون.

وفي 22 يونيو/حزيران من عام 1885 توفي المهدي وخلفه عبد الله التعايشي الذي سعى لمواصلة سياسة الجهاد فلقي هزيمة في الشمال على يد القوات الأنجلو مصرية عام 1889 كما لقي هزيمة أخرى في الجنوب على يد القوات البلجيكية في الجنوب في الكونغو عام 1897.

غزو السودان

احتلت بريطانيا مصر في عام 1882 ومن ثم سعت إلى تأمين منابع النيل، وبالتالي تفاوضت الحكومة البريطانية على اتفاقات مع الإيطاليين والألمان لإبقائهم خارج وادي النيل.

وكانت بريطانيا أقل نجاحا مع الفرنسيين الذين أرادوا من البريطانيين الانسحاب من مصر، ومن ثم فكر البريطانيون في غزو السودان لحماية منابع النيل من الفرنسيين وخاصة في عام 1896 عندما تحركت حملة كشفية فرنسية عبر إفريقيا من الساحل الغربي إلى فشودة (كودوك) في أعالي النيل حيث كان يُعتقد أنه يمكن بناء سد لعرقلة تدفق مياه النيل.

ومع وصول التقارير إلى لندن خلال عامي 1896 و 1897 عن تلك الحملة الفرنسية إلى فشودة، أصبح عجز بريطانيا عن عزل وادي النيل مكشوفا بشكل محرج.

السودان: هل نجح الجنرالات في شق صفوف شركائهم المدنيين في الحكم؟

أنصار الجيش في السودان يتظاهرون ضد الحكومة

وقد حاول المسؤولون البريطانيون بشكل يائس أن يثنوا الفرنسيين عن فشودة لكن دون جدوى.

بي بي سي