لماذا كسر العرب عزلة الأسد بعد عقد من المقاطعة؟
السياسية:
رغم أن الغرب لا يزال يتحاشى التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد ويُحمّله مسؤولية سنوات الحرب الأهلية القاسية العشر في بلاده، بدأت منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولاً تُعيد من خلاله دول عربية حليفة لواشنطن، العلاقات مع الرئيس السوري بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية، وصل هذه التغيرات إلى أوجها عندما أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، اتصالاً هاتفياً ببشار الأسد، ليكون أول زعيم عربي يكسر عزلة رئيس النظام.
وقد أسفرت انتخابات شهدتها سوريا في مايو/أيار الماضي، عن تمديد رئاسة الأسد المستمرة منذ عقدين، لكن هذا لم يفعل شيئاً لإخراجه من عزلته بين الدول الغربية. غير أن قادةً عرباً بدأوا يتقبلون حقيقة استمرار قبضته القوية على السلطة في بلاده.
وأدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بما صاحبه من فوضى، إلى تعزيز اعتقاد بين القادة العرب بأنهم بحاجة لرسم مسارهم بأنفسهم. ومع توقع نهج تميل فيه واشنطن إلى الوقوف على الحياد؛ لانشغالها الآن بالتحدي الذي تمثله الصين، أصبحت أولويات القادة العرب تحفز خطواتهم وعلى رأسها كيفية إصلاح اقتصادهم الذي كبَّلته سنوات الصراع وجائحة كوفيد-19.
وتلوح في الأفق أيضاً اعتبارات سياسية في عواصم عربية مثل القاهرة وعمّان وأبوظبي. ومن هذه الاعتبارات علاقاتها مع روسيا أقوى الدول الداعمة للأسد والتي تعمل على إعادة دمج سوريا وكذلك كيفية التصدي للنفوذ الذي تحقق لكل من إيران وتركيا في سوريا.
غير أنه في الوقت الذي بدأت تتنامى فيه العلامات على تقارب عربي مع دمشق -إذ أجرى الملك عبد الله عاهل الأردن، اتصالاً بالأسد هذا الشهر، للمرة الأولى منذ عشر سنوات- ستظل السياسة الأمريكية عاملاً مُربكاً، وبعدها محمد بن زايد.
أمريكا ما زالت مقاطعة
فواشنطن تقول إنه لا تغيير في سياستها تجاه سوريا والتي تقتضي تنفيذ انتقال سياسي نصَّ عليه قرار أصدره مجلس الأمن الدولي. ولا تزال العقوبات الأمريكية التي تستهدف دمشق، والتي تم تشديدها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، تمثل عقبة كبيرة أمام حركة التجارة.
غير أن محللين يقولون إن سوريا لا تمثل أولوية بالسياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن. ويشيرون في هذا الصدد إلى تركيزه على التصدي للصين، كما أن إدارته لم تطبق حتى الآن عقوبات بمقتضى ما يسمى قانون قيصر، الذي بدأ سريانه العام الماضي، بهدف زيادة الضغوط على الأسد.
وبعد أن كانت إدارة ترامب تحذِّر الدول العربية من التعامل مع دمشق، بدأت هذه الدول تلحُّ في التقارب معها من جديد.
وقال ديفيد ليش الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأمريكية: “حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بعودة اندماجها في المحيط العربي. ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما”.
ويمثل ذلك تحولاً عن السنوات الأولى للصراع التي عُلقت فيها عضوية سوريا في الجامعة العربية وساندت دول، من بينها السعودية والأردن والإمارات، بعض الفصائل التي كانت تحارب الأسد.
هدم الحواجز
أدى الصراع، الذي بدأ قبل عقد من الزمان وتصاعد بعد أن كان في مهده انتفاضة شعبية على حكم الأسد خلال الربيع العربي، إلى مقتل مئات الآلاف ونزوح نصف سكان سوريا عن ديارهم وأرغم الملايين على اللجوء إلى دول مجاورة وأوروبا.
ولا يزال للمعارضة المناوئة للأسد موطئ قدم في الشمال بدعم من تركيا، فيما تسيطر قوات بقيادة أكراد سوريا على الشرق والشمال الشرقي وتدعمها الولايات المتحدة.
ورغم أن الصراع لا يزال غير محسوم، فقد استعاد الأسد السيطرة على معظم الأراضي السورية بفضل روسيا وإيران اللتين كانتا أكثر التزاماً ببقائه من التزام واشنطن بعزله، حتى عندما تم إطلاق أسلحة كيماوية على مناطق المعارضة.
وقاد الأردن مسيرة التحول في السياسة العربية في وقت يعاني فيه من ضعف اقتصادي واهتزاز في العلاقات مع السعودية.
وأعيد بالكامل فتح الحدود بين سوريا والأردن أمام حركة التجارة في الشهر الماضي، وكانت عمّان القوةَ الدافعة وراء اتفاق لضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا بموافقة أمريكية فيما يبدو.
وقال المحلل السياسي سميح المعايطة، الوزير الأردني السابق، لتلفزيون المملكة التابع للدولة: “عندما يكسر الأردن الحواجز ويقيم علاقات وبهذه الوتيرة، فإن دولاً أخرى ستحذو حذوه”.
كان المعبر الحدودي بين البلدين طريقاً تقطعه مئات الشاحنات كل يوم لنقل البضائع بين أوروبا وتركيا ومنطقة الخليج. وسيكون إحياء حركة التجارة دفعة اقتصادية للأردن وسوريا التي يعاني اقتصادها من أزمة عميقة. كما أن ذلك سيفيد لبنان الذي يعاني الآن من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.
وقال جيم جيفري المبعوث الأمريكي الخاص السابق لسوريا في عهد ترامب، لـ”رويترز”: “أنا واثق تمام الثقة بأن الأردنيين يشعرون بأن الولايات المتحدة لن تعاقبهم”.
وأضاف: “يتردد كلام كثير بين وسائل الإعلام وأصدقاء في المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد تفرض عقوبات بهمَّة ونشاط على الأسد بموجب قانون قيصر أو غيره”.
وانعكس هذا الجو في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، حيث التقى وزيرا الخارجية المصري والسوري للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وفي معرض إكسبو 2020 دبي حيث بحث وزيرا الاقتصاد السوري والإماراتي تنشيط مجلس الأعمال بين البلدين.
السعودية تتردد لكن ربما تفعلها
قال غسان عباس، سفير سوريا لدى الإمارات، لـ”رويترز”، في الجناح السوري بمعرض إكسبو 2020 الذي أقيم تحت شعار (معاً المستقبل لنا)، إن الإمارات دعت سوريا إلى المشاركة في المعرض رغم محاولات “لشيطنة” الحكومة السورية.
وأضاف عباس: “جرت في السنوات العشر ونصف الماضية محاولات كثيرة لشيطنة الحكومة السورية. لكن هناك دولاً مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، ظلت مُصرة على التعامل معنا من باب أننا من ضمن الدول المعترف بها في الأمم المتحدة. وعلى هذا الأساس تم اتخاذ الموقف لتوجيه دعوة إلى سوريا”.
“نعتقد أن أهم نافذة يعطيها إكسبو هي نافذة أمل لكل السوريين بأن هناك شيئاً ما قد تغير… نحن من خلال إكسبو ندعو كل دول العالم لكي تساعدنا في إعادة إعمار البلد، وأن تكون هناك صيغ لنتفاهم بها على أساس الحوار، والمحبة، واحترام سيادة الدول.. لا أن نفرض عليهم صيغاً قد لا تكون مقبولة لشعب أو آخر”.
وأضاف: “هل هناك مقاربة جديدة للتعامل مع سوريا؟ نعم”.
وقال آرون ستاين مدير البحوث بمعهد أبحاث السياسة الخارجية، إن إدارة بايدن “ليست مهتمة باستهلاك رصيد دبلوماسي في منع حكومات بالمنطقة من القيام بما تعتقد أنه الأفضل فيما يتعلق بالنظام”.
وأضاف أن السياسة الأمريكية في سوريا تركز الآن على محاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعلى المساعدات الإنسانية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “ما لم نفعله ولن نفعله هو إبداء أي دعم لجهود التطبيع أو رد الاعتبار للدكتاتور الغاشم بشار الأسد أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا أو تغيير موقفنا في معارضة إعادة إعمار سوريا إلى أن يحدث تقدُّم لا رجعة فيه صوب حل سياسي”.
وفي حين يسعى كثيرون من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لعلاقات جديدة مع دمشق، لاتزال السعودية تبدي تردداً.
قال جوشوا لانديس المتخصص بالشأن السوري في جامعة أوكلاهوما: “الجهد الكبير هو جمع السعودية وسوريا في شكل ما من أشكال المصالحة. وأعتقد أن السعودية ستغير رأيها وأنهم ينتظرون الولايات المتحدة فحسب”.
الفرقاء السوريون يلتقون
لأول مرة منذ اندلاع الحرب الأهلية التقى الوفدان الحكومي والمعارضة في العاصمة السويسرية جنيف وجهاً لوجه ضمن إطار المشاورات الخاصة بمسودة الدستور.
وتحركت المياه الراكدة قليلاً بعد أن قبِل وفد النظام الجلوس إلى طاولة التفاوض مع الأطراف السورية من المعارضة وممثلي المجتمع المدني، ومع جلوس الرئيسين المشتركين وجهاً لوجه.
خطوة إيجابية
وقبل انطلاق الجولة بيوم، عقد المبعوث الأممي غير بيدرسون، اجتماعات مع رئيسَي الوفدين؛ عن النظام أحمد الكزبري، وعن المعارضة هادي البحرة، وأعلن الأحد، عن توافقهما على البدء بكتابة صياغات لمبادئ دستورية.
ورأت أطراف في المعارضة أن انخراط النظام في العملية الدستورية وتبادل النقاشات والأوراق “خطوة إيجابية”، لكن لا يمكن التعويل عليها للوصول إلى تقدُّم إيجابي، بانتظار نتائج الجولة.
اللقاء المباشر هو الأول من نوعه
طارق الكردي، عضو الهيئة المصغرة للجنة الدستورية السورية، قال لـ”الأناضول”، متحدثاً عن جلوس رئيسَي الوفدين بشكل مشترك: “نعم، هي المرة الأولى التي يجتمع فيها الرئيسان المشتركان، وهذا الموضوع موجود في القواعد الإجرائية الناظمة لعمل اللجنة الدستورية والتي أعلنتها الأمم المتحدة مع إطلاق عمل اللجنة، ولكن لم يحصل هذا خلال الجولات الخمس الماضية”.
وأضاف الكردي، أن الاجتماعات بين الرئيسين المشتركين تجري كل يوم؛ حيث جرت الأحد، تحضيراً لجلسة الإثنين، كما جرت الإثنين والثلاثاء، وجميعها بحضور بيدرسون، وهذا تطور إيجابي.
وشدد قائلاً: “لا شك في أن اللجنة بدأت بأعمالها وفقاً لولايتها بصياغة دستور جديد لسوريا، ونأمل الانتهاء من هذه المناقشة حول الصيغ الدستورية قريباً، وتكون حقيقة اللجنة الدستورية مفتاحاً للعملية السياسية، والتطبيق الكامل للقرار 2254 بكل بنوده”.
وختم بالقول: “نستطيع القول إن الطرف الآخر (النظام) يأتي بشكل مختلف عما اعتدناه في الجولات الخمس الماضية، ولكن هذا لا يكفي حتى نقول إن الأمور إيجابية، أو إننا متفائلون، نستطيع القول إننا متفائلون بحذر، لأننا ننتظر النتائج وليس فقط الأقوال”.
النظام يتحدث للمرة الأولى عن الدستور
من ناحيته، قال محمد أحمد، عضو الهيئة المصغرة في اللجنة الدستورية السورية، لـ”الأناضول”: “وصلنا السبت إلى جنيف، والأحد عقد الرئيسان المشاركان لقاءً مشتركاً قبل المؤتمر الصحفي للمبعوث الأممي بيدرسون، واستمر الاجتماع بعد المؤتمر الصحفي وكانت اللقاءات إيجابية”.
وتابع: “لا يمكن اعتبار اللقاء ليونةً من قبل النظام، بل هناك ضغوط مُورست عليه، لأن النظام لم يقترب بشكل إيجابي أبداً من موضوع اللجنة الدستورية، ويمكن أن يكون ذلك نتيجة الضغوط الدولية عليه، وقد يكون هناك تأثير روسي أو تركي”.
وأشار أحمد إلى أن “الاجتماع السابق لنا كان في فبراير/شباط الماضي، والنظام تهرَّب أيضاً، ولم يدخل في موضوع الدستور والمبادئ الأساسية”.
واستطرد: “يبدو أن المبعوث الأممي بيدرسون كان غير مرتاح إلى ذلك، وأفاد بأن الاجتماع كان سيئاً، وقلنا في المعارضة إنه إذا لم يتم البدء بكتابة الدستور والمبادئ الأساسية فإنه لا يمكننا أن نعود إلى طاولة التفاوض”.
وأكمل: “بعدها كانت هناك مفاوضات في موسكو ودمشق، التي لم تستقبل المبعوث الأممي طيلة 4 أشهر، لتقابله بعدها، وعقب ذلك كان هناك حراك دبلوماسي أمريكي روسي تركي، قاد إلى عودة المفاوضات مجدداً”.
وفيما يتعلق بالجديد في هذه الجولة، أفاد أحمد بأن “هذه الجولة يمكن القول إنها مختلفة، لأن النظام بدأ بالحديث عن المبادئ الأساسية للدستور للمرة الأولى، كما بدأت مرحلة الصياغة، والنقاشات”.
وتابع: “يمكن القول بالفعل إننا بدأنا في مفاوضات الدستور للمرة الأولى، فاللجنة الدستورية للمرة الأولى تقوم بمهامها”.
وكشف عضو اللجنة الدستورية، أن “هناك نقطة أو نقطتين للتوافق بيننا وبين النظام، ولكن نحن الآن نعمل على 4 مبادئ أساسية، قدَّم النظام أولها ويتعلق بسيادة الدولة، ونحن قدمنا مبدأ الجيش والقوات المسلحة والاستخبارات، وقدمت منظمات المجتمع المدني مبدأ سيادة القانون والإرهاب”.
وأوضح: “الجمعة الأخيرة سيتم نقاش المبادئ في اللجنة مرة أخرى، وكتابة النقاط المشتركة، والنية الأساسية للنظام يمكن القول إنها ستكون واضحة”.
وبيّن أحمد أن “هناك نقاطاً مشتركة وقدموا مبادئ ونحن كذلك، قدمنا ملاحظاتنا وهم كذلك، والجمعة سنجتمع مع بعض، وكذلك الرئيسان المشاركان، وبناءً عليه سيتم اختيار النقاط المشتركة”.
وختم بالقول: “سنرى ما إذا كان النظام سيتهرب أو أنه سيقول توافَقنا على النقاط التالية، بختام الجولة سيتحدد الموعد الذي قد تستغرقه كتابة الدستور ومواعيد الجولات اللاحقة”.
عربي بوست