جمال شنيتر

لا تذكر حضارة اليمن القديم، إلا وتذكر معها حالة الرخاء الاقتصادي الذي عاشته الدول اليمنية القديمة، لاعتمادها بشكل أساس على وقوعها في طريق التجارة العالمي المعروف بطريق بخور اللبان.

وعلى الرغم من مرور قرون طويلة على خروج اليمن من خريطة تجارة البخور الدولية، يحاول اليمنيون استعادة مجدهم وحضورهم التجاري في الصنعة، من خلال إعادة إحياء وتنشيط صناعة البخور، لكن الأمر ليس سهلاً بسبب كثرة الصعوبات والمعوقات أمام يمنيي اليوم.

طريق اللبان

يوضح عبدالله أبو الغيث، أستاذ التاريخ القديم وحضاراته بجامعة صنعاء، أن بداية طريق اللبان القديم كانت من منطقة ظفار العُمانية الواقعة على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، سلطنة عُمان حالياً، حيث يخرج منها طريقان إلى اليمن، الأول بري ويتجه صوب وادي حضرموت، والثاني بحري ويتجه إلى ميناء قنا بئر علي، التي تسمى شبوة اليوم.

وأضاف “يلتقي الطريقان في مدينة شبوة عاصمة دولة حضرموت القديمة، ومنها يتجه الطريق إلى تمنع عاصمة دولة قتبان، ومن ثم إلى مأرب عاصمة سبأ، ومنها ينتقل عبر جوف المعينيين إلى نجران، ويتفرع  إلى اليمامة وساحل الخليج العربي حتى يصل إلى سواحل المتوسط”.

ويلفت أبو الغيث إلى أن تسمية “طريق اللبان والبخور” أطلقها المؤرخون على طريق التجارة الدولي الذي ربط بين عالم المحيط الهندي وعالم البحر المتوسط، وذلك نسبة لسلعتي اللبان والبخور اللتين كانتا أشهر السلع التي تنقل عبر هذا الطريق، إلى جانب سلع أخرى ذات منشأ عربي وشرقي مثل المر والصمغ العربي والقرفة والفلفل وأنواع التوابل وغيرها من البضائع مرت به.

ويربط الباحث اليمني بين “أهمية الطرق التجارية التي كانت تصل المحيط بالبحر بشقيها البري والبحري، والصراع الدولي المتشعب بغرض السيطرة عليها، الذي امتد من أواخر القرن الرابع قبل الميلاد بظهور ألكسندر المقدوني في الشرق، وانتهى في مطلع القرن السابع الميلادي بظهور الإسلام، مروراً بالبطالمة والرومان والبيزنطيين، ومن عاصرهم من الفرس والأحباش والعرب، وهيمنة الدول اليمنية القديمة على طريق اللبان قرابة ألفي عام، حتى انتهى ذلك قبيل بداية العصر الميلادي”.

إيلاف قريش

ويخلص أستاذ التاريخ القديم بجامعة صنعاء، إلى القول بأن نشوء “إيلاف قريش” في العهود التي أخذها هاشم بن عبد مناف وإخوته من ملوك الروم البيزنطيين واليمن والحبشة والعراق لتأليف رحلتي الشتاء والصيف المذكورة في القرآن كان عاملاً مهماً في تراجع هذا الدرب، مشيراً إلى أن “نشوء الإيلاف في أوائل القرن السادس الميلادي كان على أنقاض الشبكة التجارية اليمنية القديمة (طريق اللبان)، عندما استغل المكيّون سقوط اليمن في يد الأحباش، وأصبحت مدينتهم مركز التجارة الأول في غرب الجزيرة العربية، واستطاع الإيلاف أن يعيد تنشيط التجارة الدولية للجزيرة العربية مع محيطها، إلى جانب تنشيط تجارة عربية داخلية روجتها الأسواق العربية الموسمية التي قامت في طول الجزيرة العربية وعرضها، وكان على رأسها سوق عكاظ”.

ونظراً للأهمية الاقتصادية والاستراتيجية الكبيرة التي شكلها هذا الطريق، يوصي أبو الغيث بضرورة العمل على إحياء طريق اللبان التجاري التاريخي بشكل معاصر للربط بين الدول العربية، أسوة بما تفعله الصين من إحياء طريق الحرير التاريخي، داعياً إلى “تكثيف التعاون بين دول حوض البحر الأحمر للمحافظة على أمنه بشكل مشترك، وزيادة التعاون والتنسيق بين دوله، في مختلف المجالات الاقتصادية بشكل خاص، وتجنيبه التدخلات الدولية القادمة من خارج المنطقة”.

البخور العدني

يعد البخور العدني أشهر أنواع البخور اليمني وأجودها، لارتباطه بشكل كبير بالمجتمع العدني، لا سيما في المناسبات والأعياد.

وازدهرت صناعته في مدينة عدن التي يتم فيها تحضيره وتسويقه وتصديره إلى البلاد الأخرى من قبل السيدات وربات المنازل، وحظي بشهرة واسعة توارثته الأسر عبر الأجيال، الأمر الذي جعل منه مصدراً لرزق عديد من الأسر.

وتتنوع أشكال البخور العدني، غير أن أهمها البخور الأبيض العرائسي، إضافة إلى البخور البني والأسود، كما أن محافظات يمنية عدة لديها معامل لصناعته، لا سيما في صنعاء وحضرموت وتعز والمهرة وشبوة.

رائحة متوغلة في القدم

خور العود أحد أشهر أنواع البخور في اليمن (اندبندنت عربية)

وقالت كلثوم الناصري، رئيسة اتحاد مالكات المشاريع الصغيرة وسيدات الأعمال في عدن، إن صناعة البخور في عدن واليمن بشكل عام صناعة متوغلة في التاريخ القديم “كان يتم تصدير بخور اللبان إلى البلدان التي كانت تستعمله للطقوس الدينية وفي المناسبات الاجتماعية والروحانية”، لافتة إلى شهرة اللبان السقطري الذي كان مطلباً يدر المال على مداخيل الدولة، وعليه فإن صناعة البخور تكاد تكون امتداداً تاريخياً وموروثاً شعبياً لليمن بشكل عام.

وتابعت “مدينة عدن تميزت بصناعة البخور المستحدث الذي أصبح ميزة من مميزات مدينة عدن، فقد شجعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة، نتيجة الأزمات المالية التي مرت بها البلاد على توجه كثير من النساء إلى عالم صناعة البخور ومرفقاته من المخمريات والعود الأخضر ودهن الزباد والمسك والعطور، وتفننت النساء في إنتاج أنواع متفاوتة من البخور، وأضافت إلى العود لمسات عصرية ومواد عطرية وزيوت وماء الورد، حتى أصبح برائحة نفاذة لا تقاوم، ونشرن باحترافية هذه المنتجات في الأسواق المحلية، بل وتصدير بعضها إلى الأسواق المجاورة من دول القرن الأفريقي، مثل تنزانيا وجيبوتي وكينيا”.

معوقات ومصاعب

وتحقق تجارة وصناعة البخور فوائد اقتصادية عدة، إلا أن رئيسة اتحاد مالكات المشاريع، تستدرك بالحديث عن عدد من المعوقات التي تواجه الصناعة، ومنها معاناة من يشتغلون في هذه المهنة من قلة الطلب وغزارة الإنتاج.

وأضافت “تم إغراق السوق بهذه البضائع، بالتالي تدني ثمنها، فقد أدى تدهور الأحوال المعيشية للأسرة اليمنية وتنامي معدلات البطالة ونتائج الحرب بشكل عام، إلى التحاق كثير من الفتيات بالعمل في  صناعة البخور وأخذ دورات تدريبية في هذا المجال، إضافة إلى مشكلة غلاء المواد الخام، وعدم السماح بتصدير هذه المواد إلى الخارج، وتوقف عمل شركات نقل البضائع، وتدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، كما أن ظهور جائحة كورونا زاد من المشكلات والصعوبات التي تواجه البخور”.

وتقترح  الناصري على الحكومة اليمنية تنفيذ حزمة من الإجراءات التشجيعية لتطوير وإنعاش تجارة وصناعة البخور، منها “إنشاء مؤسسات تمويل بالقروض الميسرة دون إضافة فوائد وأرباح، حتى يتسنى للمستثمرين الصغار تطوير وتوسيع صناعاتهم وتجارتهم”.

لكن على الرغم من المعوقات، يتمسك المجتمع اليمني باستخدام البخور ومشتقاته نظراً لارتباطه الوجداني عند اليمنيين منذ الأزل.

المصدر: ذي اندبندنت

المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع