وسام أبو شمالة*

مضى ما يزيد على 4 أشهر على معركة “سيف القدس” بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية، شهدت خلالها هذه الفترة مواقفَ وتوجُّهات متعددةً، للسياسة الإسرائيلية تجاه غزة، عكستها نتائج المعركة التي اختلفت الجهات والأطراف الإسرائيلية في تقييم نتائجها.

التساؤل الأبرز، والذي طُرح على طاولة مؤسسات صنع القرار الإسرائيلي، ومراكز الأبحاث والتفكير فيها، هو: هل حقّقت “إسرائيل” الردع تجاه المقاومة الفلسطينية في غزة، بعد معركة “سيف القدس”؟

اعتقدت قوات الاحتلال الإسرائيلي، بُعيدَ إعلان وقف إطلاق النار، أن “حماس” والمقاومة الفلسطينية في غزة تم ردعهما، ولن تجرؤ “حماس” على مواجهة “إسرائيل” وإطلاق الصواريخ في اتجاه المستوطنات طوال سنوات مقبلة، وهو التقييم الذي شجّع وزير أمن العدو، بيني غانتس، على إعلان عدد من السياسات “الردعية” تجاه غزة.

أعلن غانتس “نظريته”، ومفادها أن ما كان قبل المعركة لن يكون بعدها. وربط التقدُّم في ملف الإعمار وتخفيف الحصار عن غزة، بالتقدم في ملف جنود الاحتلال الأسرى والمفقودين الصهاينة، وقال إنه لن يسمح بسياسة تنقيط الصواريخ وإطلاق البالونات الحارقة (البالون كالصاروخ)، وإن الردّ عليها سيكون قوياً.

سعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي لفحص مواقفها تجاه غزة ورد فعل قيادة المقاومة عليها، من خلال رسائل شفوية، نقلها الوسطاء إلى قيادة حركة “حماس”، وعُقدت عدة لقاءات واتصالات بين قيادة الحركة وممثِّلين عن الأمم المتحدة ومصر وقطر.

رفضت “حماس” الربط بين الملفات، وأعلنت أن مسار مفاوضات تبادل الأسرى منفصلٌ عن مسارَيِ الإعمار وكسر الحصار، وهدّدت بأنها ستترك القرار والخطوات المتعلّقة بموضوع كسر الحصار للفصائل الوطنية وللشعب الفلسطيني.

وعلمتُ من مصادر خاصة بأن قائد حركة “حماس” في قطاع غزة، يحيى السنوار، نقل رسالة تهديد شفوية إلى رئيس وزراء العدو نفتالي بينيت، عبر أحد الوسطاء، خلال لقاء جمعهما بعد وقف إطلاق النار، مفادها أن حكومة بينيت ستُدخل مواد الإعمار والمساعدات الإنسانية لغزة “خاوة”، أي رُغماً عنها.

بالفعل، نفّذت الفصائل الفلسطينية تهديداتها، واستثمرت ذكرى إحراق المسجد الأقصى في 21 آب/أغسطس، وأطلقت برنامج فعاليات شعبية بالقرب من الجدار العازل، الذي أقامته قوات الاحتلال الاسرائيلي شرقيَّ قطاع غزة، لمواجهة تهديدات المقاومة الفلسطينية، بهدف الضغط على العدو من أجل التراجع عن ممارسة ابتزازه عبر ربط الملفات الإنسانية بملف تبادل الأسرى.

سلسلة من الفعاليات الشعبية، والتي تخلَّلتها مواجهات من مسافة صفر، أسفرت عن مقتل قناص صهيوني بمسدس فلسطيني، وإطلاق البالونات الحارقة على المستوطنات الإسرائيلية شرقي قطاع غزة وشماليه، ولم تخلُ من إطلاق عدد محدود من الصواريخ على مستوطنة “سيدروت” التي تبعد بضعةَ كيلومترات عن غزة. وقصفت طائرات الاحتلال مواقع عسكرية للمقاومة الفلسطينية.

عكست الأحداث إصراراً فلسطينياً على الموقف الرافض للعودة عن تفاهمات ما قبل 11 أيار/ مايو، وإصراراً على تطويرها، على نحو يؤدّي إلى كسر حقيقي للحصار عن غزة، وفصل الملفات والمسارات، وعدم قبول سياسة الابتزاز، بل أطلقت المقاومة تهديدات، عبر الوسطاء، بأنها قد تلجأ إلى تصعيد عسكري إنِ استمرّت المعاناة الإنسانية في غزة.

خلال الأيام الأخيرة، شهدت المواقف الصهيونية تراجعاً ملحوظاً في السياسات والمواقف والإجراءات، عبَّرت عنه تصريحات لقادة وأقطاب في حكومة الاحتلال الإسرائيليّ، أبرزهم رئيس وزراء الاحتلال ووزيرا الخارجية والأمن. وبالتوازي، نُفِّذَ عدد من الإجراءات والخطوات العملية على الأرض، والتي عكست هذا التراجع.

تخلّى وزير الأمن في حكومة الاحتلال، بيني غانتس، عن تصريحاته السابقة، والتي مفادها أن ما كان لن يكون، وسمح بإدخال المنحة المالية لإغاثة العائلات الفقيرة في قطاع غزة، عبر الأمم المتحدة. وأعلن رئيس وزراء العدو، نفتالي بينيت، في تصريحات للتلفزة الإسرائيلية، أن مسار مفاوضات إعادة الأسرى والمفقودين منفصل عن مسار إعادة إعمار قطاع غزة.

وأعلن وزير خارجية العدو، يائير لابيد، خلال “مؤتمر هرتزليا” الصهيوني، خطةَ وزارته المقترحة تجاه قطاع غزة، والتي تتخلى “إسرائيل” بموجبها عن شرط نزع سلاح “حماس” والمقاومة العسكرية ومقدّراتهما، وتكتفي بمنع تعاظمها، في سياق ما سمّاه خطة الأمن في مقابل الاقتصاد. وأعلن أيضاً، لأول مرة، وعلى نحو علني، فشل كل السياسات الإسرائيلية السابقة تجاه غزة، وهو ما يُعتبر سابقة تؤكد حالة الإحباط الإسرائيلي المتزايد تجاه غزة!!

على صعيدَي الخطوات والإجراءات، رضخت “إسرائيل” لشرط قيادة المقاومة، بشأن رفع كلّ القيود الإسرائيلية على إدخال مواد الإعمار، بعد منع استمرّ قرابة 4 أشهر. وبدأ تدفُّق المواد، من دون الشروط والمعايير التي كانت مفروضة بعد معركة “العصف المأكول” عام 2014، وسُمِح بإدخال الأموال الإغاثية للفقراء، وزادت مساحة الصيد البحري إلى ما يقرب من 15 ميلاً، بعد أن حُدِّدت بـ 6 أميال بعد معركة “سيف القدس”.

على نحو متوازٍ، استمرت مفاوضات تبادل الأسرى، وحقَّقت المقاومة هدفها المتمثّل بفصل الملفات وعدم الربط بينها، واستمرت في تطوير مقدِّراتها العسكرية، والتي عكستها التجارب الصاروخية المستمرة، على مسمع ومرأى من العدو الصهيوني.

يخشى العدو، حتى هذه اللحظة، الإقدامَ على هدم البيوت المقدسية في حيّ الشيخ جراح في القدس. وحذّرت المقاومة الفلسطينية، عبر الناطق باسم كتائب “القسام”، أبي عبيدة، من أنها لن تقف مكتوفة اليدين، إذا اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين، ووعد بأن صفقة التبادل المقبلة ستشمل أسرى سجن “جلبوع” الستة، الأمر الذي يعني فشل العدو في سعيه لفصل جبهة غزة عن ساحة الضفة والقدس المحتلة.

المشهد بعد معركة “سيف القدس” يؤكد، بما لا يدع مجالاً للشكّ، أن “إسرائيل”، عبر “جيشها” وحكومتها، باتت مرتدعة أمام المقاومة الفلسطينية في غزة، وتخشى تطور الموقف إلى مواجهة عسكرية ستُفقدها مزيداً من هيبتها وصورتها، وهو ما عبَّر عنه عدد وازن من الاستراتيجيين العسكريين، بحيث أكدوا أن “إسرائيل” لم تَتَأَكَّلْ قوة الردع لديها فحسب، بل إنها فقدت أيضاً الردع بالكامل. وهو عكس الاستنتاج الذي عبَّر عنه رئيس أركان العدو، أفيف كوخافي،أعلى النموذج بُعَيدَ انتهاء معركة “سيف القدس”، عبر ادّعائه أنّ نتائج المعركة ستحقّق الردع أمام “حماس” لعدة سنوات مقبلة!!

* المصدر : الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع