عز الدين أبو عيشة

في 20 يوليو (تموز) 2014، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية أثناء العملية العسكرية التي أقرتها تل أبيب حينها ضد قطاع غزة، هجوماً على منزل لعائلة زيادة، وأسفرت الغارة على نسف المبنى بأكمله ومقتل سبعة أفراد بداخله.

هذه الغارة دفعت المواطن إسماعيل زيادة لرفع دعوى مدنية في المحكمة الجنائية الدولية، ضد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس والذي كان يشغل آنذاك قائد العملية العسكرية ضد قطاع غزة، إلى جانب أمير إيشيل مدير عام وزارة الدفاع، وحينها كان قائد القوات الجوية الإسرائيلية.

قصف متعمد وتبرير

وتأتي الدعوة المدنية لزيادة، بموجب قواعد عالمية الاختصاص القضائي، وعلى أساس هذا المبدأ يمكن للسلطات القضائية التحقيق في جرائم الحرب والتعذيب ويحق لها ملاحقة الأفراد المتورطين بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، للوصول إلى العدالة. وعادة ما يجري ذلك في حال لم يستطع المتضررون من الجرائم الحصول على العدالة في بلد المتهمين.

يقول زيادة إنه يسعى لمحاسبة المتهمين بإصدار قرار القصف المتعمد الذي تعرض له منزل عائلته في قطاع غزة، وهذا الهجوم يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني ولمبادئ حقوق الانسان المتعارف عليها دولياً.

إلا أن وزارة العدل الإسرائيلية بررت قصف منزل عائلة زيادة بأن الجيش أجرى تحقيقاً داخلياً، تبين من خلاله أن الغارة الجوية المذكورة أدت إلى مقتل أربعة مقاتلين كانوا في داخل منزله وبهذه الحالة فإن القوانين الدولية تسمح بالهجوم.

وفي العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة صيف 2014، قتل الجيش 2174 فلسطينياً بينهم 530 طفلاً و302 امرأة، فيما أصيب ما يزيد على 10 آلاف آخرين بجروح مختلفة، أما إسرائيلياً فقتل 70 شخصاً وأصيب 720 آخرين.

نفذوا الهجمة التزاماً بعملهم الحكومي

واستمرت العملية 51 يوماً وتعد الأطول زمنياً بين الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة، وانتهت بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار كانت السلطة الفلسطينية شريكة في إبرامه إلى جانب الفصائل الفلسطينية.

ولرفض اتهامات زيادة وكّل غانتس وإيشيل محامية لرد الدعوى، وتقول لاريسا أولين إن “قضيته مدنية وهي لا تقع ضمن اختصاص الجنائية الدولية التي عادة ما تحقق في المسؤولية الجنائية وليس المدنية، وفي إسرائيل نظام قضائي متاح للفلسطينيين، إلى جانب إن الجنرالين يتمتعان بحصانة من الملاحقة، وحوادث القتل حصلت في إطار الالتزام بواجبهم تجاه الدولة وفي إطار عملهم الحكومي”.

لكن زيادة يرد على ذلك بأنه لا يمكنه رفع دعوى مدنية ضد الجناة في إسرائيل، “إذ من المستحيل الحصول على حكم عادل حينها، كون القضاء في تل أبيب يميز ضد الفلسطينيين الساعين لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب”. لافتاً إلى أن أفراد أسرته مدنيون فقط، ونتيجة القصف قتلت والدته التي كان عمرها يزيد على 60 سنة آنذاك.

وبحسب المعلومات، فإنه من المقرر أن تعقد الجنائية الدولية في لاهاي الخميس المقبل جلسة استماع في القضية التي رفعها زيادة، وتعد هذه المرة الأولى التي يتمكن فيها فلسطيني من تقديم دعوى في محافل لاهاي، بعدما أقرت الولاية القضائية الدولية على الأراضي الفلسطينية.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أقرت المحكمة الجنائية الدولية بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية، وحينها قالت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا إن القرار استند إلى قواعد الاختصاصات القضائية المنصوص عليها في وثائق تأسيس المحكمة، وهذا الاختصاص يشمل الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة.

الجنائية في مرحلة التحقيق الابتدائي ولا تعتد بالحصانة

وأضافت بنسودا “أن هناك أساساً معقولاً للاعتقاد بأن جرائم قد ترقى لتكون جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة”. إلا أن إسرائيل رفضت الولاية القضائية للمحكمة، على الرغم من أنها ليست عضواً في الجنائية الدولية.

وعلى ضوء اختصاص الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية، أحالت السلطات العاملة ملف انتهاكات إسرائيل بحق المشاركين في احتجاجات الحدود 2018 (مسيرة العودة) إلى جانب ملف الاستيطان إلى المحكمة.

بعيداً من قضية زيادة، يقول الباحث القانوني صلاح عبد العاطي إنه في حال بدأت الجنائية الدولية التحقيق بملفات الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فإن ميثاق روما المؤسس للمحكمة في لاهاي لا يعتد بالحصانة أو الصفة الرسمية للمتهمين بجرائم قد ترقى لجرائم حرب.

وبحسب عبد العاطي فإن الجنائية الدولية بعد إقرار اختصاصها الجغرافي القضائي على الأراضي الفلسطينية، باشرت الآن في مرحلة التحقيق الابتدائي، وفي حال انتهى ذلك نكون أمام المحاكمة لكن ذلك يتطلب وقتاً.

ويوضح عبد العاطي أن الملفات الفلسطينية أمام الجنائية هي التي أحالتها السلطة الفلسطينية فقط، مشيراً إلى أن الجهات الحكومية لم ترفع قضايا أو دعاوى ضد تل أبيب في المحكمة الدولية، ولكنها أحالت ملف الاستيطان وانتهاكات الجيش بحق المشاركين في مسيرات العودة للمحكمة، من دون إحالة ملف حرب 2014، والاعتداء على الأسرى، وغيرها من الانتهاكات المتعلقة بالأفراد.

إلا أن وزير العدل الفلسطيني محمد شلالدة يقول إن الجنائية الدولية ستقوم بالنظر في ملفات الحرب على قطاع غزة والأسرى والاستيطان، والخطوة الأولية التي ما زالت تجريها المحكمة هي “تصنيف الجرائم، ثم توجيه لائحة اتهام بحق الأفراد المسؤولين، أي من خطط ووافق ونفذ، ومن كان على علم بتلك الجرائم”.