باريس ( افتتاحية صحيفة ” le monde “الفرنسية, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ):———–

 

بينما تدعو المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” إلى وقف عمليات بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية, يرى الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” أن المطالب بوقف بيع الاسلحة إلى الرياض على خلفية مقتل الصحفي “خاشقجي” بأنها “ديماغوجية” محضة.

 

حيث أثارت وحشية عملية الإغتيال المعارض والصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في الثاني من شهر أكتوبر, استياء واسع النطاق, حيث لا يمكن للعواصم الغربية أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام هذا الحدث الجلل، في حين تراكمت ولمدة ثلاثة أسابيع التفاصيل البشعة لهذه العملية, في حين أن العناصر والدلائل تدل على تورط المملكة السعودية في عملية التصفية الجسدية على أعلى مستوى.

 

تعتبر الرياض أكبر مصدر للنفط في العالم, بالإضافة إلى أنها أكبر مشتري للأسلحة على مستوى العالم, ناهيك عن كونها القوة الرائدة في منطقة شبه الجزيرة العربية والتي لا يمكن المساس بها نظراً لاعتمادها الكامل على الدعم الذي يوليه الرئيس الامريكي “دونالد ترامب” لها في حربها لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.

وتحت صدمة هذه الجريمة الشنيعة والبشعة التي ارتكبت في مقر القنصلية السعودية في اسطنبول من قبل الكوماندوز السعودي، بدء النقاش حول العقوبات بملف صفقات بيع الأسلحة.

 

أسوأ مأساة إنسانية حالية:

 

لقد تم التهرب من هذا السؤال لفترة طويلة جدا، بينما تقود الرياض على مدى أربع سنوات وبمبادرة من الأمير “محمد بن سلمان” نفسه حرباً قذرة على اليمن للتخلص من المتمردين الحوثيين الذين تحميهم طهران.

نددت الأمم المتحدة بالوضع الإنساني الذي تعيشه اليمن, إذ أعلنت أن هذا البلد يعيش في خضم أسوأ مأساة إنسانية عرفها العالم، وبالرغم من ذلك  لم تنجح حتى الآن- الامم المتحدة- في تحريك الرأي العام الغربي أو حكوماته, في حين تكافح المنظمات غير الحكومية وحدها في ظل لامبالاة عامة للمطالبة بوقف شحنات وصفقات بيع الأسلحة التي تغذي المذابح والمجازر التي لا نهاية لها.

ومن جانبها, أكدت المستشارة الألمانية “انجيلا ميركل” أن الحكومة الالمانية لن تعاود تصدر أسلحة إلى السعودية طالما لم يتم الكشف عن كل النقاط التي لا تزال غامضة بشأن جريمة قتل الصحافي “جمال خاشقجي” في مدينة اسطنبول التركية, كما أشارت أيضا إلى أن السعودية يجب أن تفعل كل شيء حيال حل الأزمة الإنسانية في اليمن” إلا أن موقفها حيال الأزمة مجرد موقف يتسم بالخداع لا أكثر, حيث أن اتفاقية الائتلاف الحكومي مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي تمنع بشكل صريح أي صفقات بيع للأسلحة للدول المشاركة في الحرب على اليمن، وبالرغم من ذلك فقد أبرمت السلطات الألمانية بداية العام الجاري صفقات وعقود تسليح مع الرياض بلغت قيمتها 416.4 مليون يورو.

 

الديماغوجية النقية:

 

يتمثل هذا التحدي للسلطات الفرنسية على نطاق مختلف تماما, حيث كانت الرياض هي من يقف وراء دخول مصر “العميل رقم اثنان” في العام 2017 مجال استيراد الأسلحة الفرنسية.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن التحول الكبير المؤيد للسعودية الذي بدأ في عهد الرئيس السابق “فرانسوا هولاند” يعد “شراكة استراتيجية”، حتى لو كانت باريس ستعيد توازن علاقاتها مع طهران.

 

ومن جانبه, يرى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أنه من الديماغوغية البحتة أن نتحدث عن وقف بيع الأسلحة إلى الرياض, حيث أشار إلى انه يتفهم العلاقة مع قضية اليمن, ولكن في المقابل لا يوجد شيء مع “خاشقجي”, ففي حال تم تحديد المنفذين والجهات الراعية لعملية الإغتيال, سيتم توجيه عقوبات فردية.

 

موقف مشابه تماما لتلك التي أبداها الرئيس “ترامب” الذي هدد أيضا بالقيام بذلك عن طريق استبعاد مسألة عقود الأسلحة التي تبلغ قيمتها 110 مليار دولار والمزمع عقدها مع  الرياض.

 

يمكن للمرء أن يشكك في أهمية هذا الخيار المفترض للسياسة الواقعية، ومن الخطأ عدم التواصل مع الرأي العام وخاصة مع شريكنا الأوروبي الرئيسي.

 

إن قضية إغتيال “خاشقجي” تعتبر بمثابة ورقة ضغط على المملكة العربية السعودية في حربها على اليمن, حيث إن فرض حظر على مبيعات الأسلحة للرياض سيكون بمثابة انتصار بعد وفاة الصحفي “خاشقجي”، الذي كان لفترة طويلة مقرب من العائلة المالكة في السعودية ومن شخص الأمير محمد بن سلمان نفسه, قبل أن يصبح المنتقد الشرس للمغامرات الجيوسياسية للرجل القوي في الرياض.