اليمن.. الكذبة السعودية الأكبر
في حين يغلي الغرب بشكل جماعي بشأن قضية مقتل خاشقجي، إلا أنه فشل طويلا في مجرد التشكيك في جريمة أكبر بكثير
بقلم/ جوين داير:
(موقع صحيفة “سايبرس ميل” اليونانية، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ):
بينما يحاول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشكل فاضح أن يفرك دماء جمال خاشقجي من يديه إلا أن رائحة الدم لا تزال تفوح منهما. لن تتمكن كل عطور الجزيرة العربية من تغيير رائحة يديه. أليس علينا أن نقول كلمة عن الحرب في اليمن؟
في القنصلية السعودية في اسطنبول قبل أسبوعين، قام أتباع ولي العهد بقتل أحد كبار منتقدي حكمه. وفي اليمن الواقعة على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، تقتل قواته الجوية وحلفاؤه حوالي مائة رجل وامرأة وطفل كل أسبوع ولأكثر من ثلاث سنوات حتى الآن. ولا جدوى من الجدال، كما أن لا جدوى من عبث حملة محمد بن سلمان.
عندما تتم مناقشة الحرب في اليمن في وسائل الإعلام الغربية، تتكرر جملتان باستمرار. الأولى هي “الرئيس المعترف به دوليا”، وهي عبارة تعني أن الرجل المعني، عبد ربه منصور هادي، هو على نحو ما الزعيم الشرعي وحتى المنتخب ديمقراطيا في البلد.
كان هادي يعيش في المنفى في المملكة العربية السعودية على مدى السنوات الثلاث الماضية، مع قيامه بزيارات قصيرة من حين لآخر إلى مكان واحد في الأراضي الواقعة في جنوب اليمن وهي فقط التي لا تزال واقعة تحت سيطرة مؤيديه. وهو حاليا في الولايات المتحدة لتلقي العلاج الطبي.
أما العبارة المضللة الأخرى فهي “المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران” ، وهي صياغة تعني أن الحوثيين، الذين سيطروا على معظم اليمن على مدى السنوات الثلاث الماضية، هم مجرد بيادق تابعة للإيرانيين الأشرار.
كما يقصد بـ “المدعوم إيرانياً” الإيحاء بأن المتمردين الحوثيين يتم تزويدهم بالأسلحة من قبل إيران، وهو ادعاء تستخدمه الدول العربية التي تدين بالفضل للمملكة العربية السعودية وموردي الأسلحة الأمريكيين والأوروبيين لتبرير دعمها في الحرب على اليمن. كلتا الجملتين مضللة عن عمد.
تولى عبد ربه منصور هادي السلطة في اليمن في العام 2012 ، عندما كانت ثورة الربيع العربي التي أطاحت بالديكتاتور الحاكم علي عبد الله صالح تهدد بنشوب حرب أهلية. لقد كان صالح يقاوم على الدوام محاولات المملكة العربية السعودية السيطرة على جارتها اليمنية الأكثر فقرا ، واستغل السعوديون سقوطه لتثبيت أقدامهم هناك ووضعوا هادي على دفة الحكم.
كان هادي “رئيسا منتخبا” في العام 2012 ، في تصويت لم يجر فيه ترشيح أي شخص آخر ، ليحكم خلال فترة انتقالية مدتها سنتان، في حين قامت البلاد بإعداد دستور جديد. وتمت الإطاحة به فعلياً من قبل الجماعات القبلية الحوثية المسلحة في العام 2014، جزئيا لأنه كان دمية سعودية، لكن أطيح به في الأساس لأنه دعم مخططاً سعودياً لإنشاء نظام فيدرالي من شأنه إفقار الحوثيين.
إن المرتفعات الشمالية التي يعيش فيها الحوثيون هي أفقر المناطق اليمنية جميعها، لكن النظام الفيدرالي المقترح كان سيحتفظ بالعائدات النفطية الضئيلة للبلاد للمحافظات الجنوبية الغربية ذات الكثافة السكانية المنخفضة حيث يوجد النفط بالفعل.
هل كان السعوديون يحاولون عمداً إيذاء الحوثيين، وهم شيعة وبالتالي غير موثوقين من الرياض؟ هذا بالتأكيد ما رأه الحوثيون، فتمردوا. ولم يكن لهم علاقة بالايرانيين.
إن حرب السعودية في اليمن تدور حول إعادة جنديها الخاص، هادي، إلى السلطة. إنه “معترف به دوليا” (على الرغم من أن فترة حكمه قد انتهت منذ أربع سنوات) ، ولكن هذا ليس إنجازاً كبيراً. فحتى صدام حسين كان “معترف به دوليا”.
من المؤكد أن إيران تؤيد ثورة الحوثي، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الحوثيين هم من الشيعة ولكن أساسا لأنهم أطاحوا بالرئيس الدمية السعودي. لكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن إيران شجعت الثورة على نحو فاعل – فالحوثيون يفهمون مصالحهم الخاصة بشكل جيد – ولا يوجد دليل على الإطلاق على أنها زودت الحوثيين بالسلاح.
فالأمر ليس ضرورياً إذ أن اليمن بلد تغمره الأسلحة. وهذا أمر معروف عنها دائما. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد وسيلة لإيران لإيصال الأسلحة والإمدادات للحوثيين. اليمن تبعد آلاف الكيلومترات عن إيران، وتقع في الوسط بينها السعودية وحلفائها العرب. تسيطر المملكة العربية السعودية وحلفاؤها على البحار المحيطة باليمن والمجال الجوي فوقها. الفكرة كلها مجرد هُراء.
يثير السعوديون ضجة كبيرة حول الصواريخ التي يطلقها الحوثيون أحياناً على أهداف سعودية، في رد انتقامي مثير للشفقة على الهجمات الجوية السعودية المكثفة التي يعيشونها كل يوم. تدّعي الرياض أن الصواريخ إيرانية، لأن اليمنيين بدائيون للغاية في التعامل مع تلك التكنولوجيا.
وهذا أكثر هراءً. الصواريخ هي مجرد تطوير لصواريخ سكود، وهو تصميم سوفياتي تم بيعه في خمسينيات القرن العشرين إلى نصف بلدان العالم الثالث. القوات المسلحة اليمنية كان تمتلك الكثير منها ووقعت في يد الحوثيين والفنيون اليمنيون قادرون تماما على توسيع نطاقهم للوصول إلى الرياض والمدن السعودية الأخرى. لكنهم لم يتمكنوا من جعلها دقيقة في هذه النطاقات إذ نادرا ما يصيبون الهدف.
الحوثيون ليسوا جديرون بالإعجاب، لكنهم يقاتلون من أجل أرضهم. ليس هناك إيرانيين في مرمى النظر هناك ولكن القصص السعودية المحبوكة حولهم تحظى بدعم أميركي لحرب محمد بن سلمان ولكن وسائل الإعلام الغربية لا تشكك أبدا بهذه الأكاذيب على الرغم من حالة الاستنفار الجماعي بسبب مقتل خاشقجي.