أحمد يحيى الديلمي——-

جريمة اغتيال الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي     

 الحلقة السادسة

  • امريكا خططت
  • روسيا باركت
  • السعودية مولت
  • العملاء من الداخل نفذوا                                                                                                          
  • تفاصيل الجريمة :

تعددت واختلفت الروايات حول تفاصيل النهاية المؤلمة للرئيس الذي استأثر بشغاف القلوب واستطاع خلال السنوات التي امضاها في الحكم ان يضع اسس الانتقال الى عصر الدولة والتنمية مع ان التباين وتعدد الروايات كثيرة الا انه حدث شبه اتفاق على التفاصيل كما هو حال لحظة وصول الحمدي الى حوش المنزل على سيارة خاصة ذكر البعض انها سيارة كريمته ،واترك الرواية هنا للاستاذ المرحوم عبدالله الاصنج عندما كما التقيته في القاهرة بعد صدور العفو عنه من الرئيس صالح والسماح له بمغادرة اليمن في رده على السؤال الذي وجهته اليه بدأ الاجابة بإعلان البراءة من جرم المؤامرة قال نعم اقنعنا الحمدي بحسن نية وبقصد اذابه التشنج الذي كان يسود الاجواء ولم استوعب من كلامه طريقة الاقناع هل تمت عبر الاتصال بالتلفون ام انهم ذهبوا اليه بحسب الروايات الاخرى ،المهم في ذلك انه كان شاهد اثبات على لحظة وصول الرئيس الحمدي حيث قال كنا ننتظر في حوش المنزل مع صاحبه الغشمي وقادة عسكريين اخرين بما فيهم علي عبدالله صالح ،اما الملحق العسكري السعودي صالح الهديان فقد كان يقف بعيدا لم يقترب من الحمدي ولم يصافحه كما فعلنا ،المهم ان الغشمي طلب منا العودة الى بقية الضيوف في الديوان وبعد لحظات دعينا لتناول طعام الغداء دون ان يحظر الحمدي والغشمي وفي بقية رواية الاصنج دحض ادعاءات البعض الذين قالوا انهم لم يعرفوا بما جرى الا من التلفزيون مع انهم كانوا حاضرين وان الغشمي ابلغهم بكل شيء .

حول هذا الجانب اضاف الاستاذ الاصنج دخل علينا الغشمي محاط بعدد من الضباط والجنود مدججين بالسلاح قال ان استمرار الحمدي في الطيش وعدم الارتقاء الى مستوى المسؤولية كان سبب الكارثة وافصح عما حدث وطلب من الجميع مباركة ماحدث كتسليم بالامر الواقع وهو ماحدث بالفعل وهذه الرواية هي الاقرب الى الحقيقة جميع المسؤولين عرفوا بما حدث في زمن مبكر لا استثني الا الاخ حسن اللوزي نائب وزير الاعلام آنذاك فقد تركناه في مكتبه انا والاستاذ المرحوم عبدالله الرديني وهو في غاية السعادة يقرأ بيان الرئاسة عن نزول الرئيس الحمدي صباح اليوم التالي الى عدن ، والدليل القاطع انه ارتبك وتفاجأ عندما اتصل به الغشمي وطلب منه كتابة بيان النعي مما اضطرالغشمي الى تكليف علي عبدالله صالح بالذهاب الى المرحوم الاستاذ احمد الرعيني لأحضاره وبالفعل حضر وقام بالمهمة وتم تكليفه بالاشراف على الاعلام وظل كذلك الى ان تعين وزيرا للاعلام في الحكومة التي اقترحها الغشمي برئاسة الاستاذ المرحوم عبد العزيز عبد الغني وضمت وزراء كان لهم دور في اسناد الانقلاب مثل الدكتور الفاضل احمد محمد الاصبحي فقد اسندت اليه حقيبة وزارة الصحة لانه كتب التقرير الصحي المكمل للتقرير الجنائي بينما تمسك الاصنج بحقيبة الخارجية وعين احمد عبده سعيد وزيرا للدولة وتسلم الاستاذ محمد سالم باسندوة حقيبة التخطيط والتعاون الدولي بالمقابل بدأ اقصاء المحسوبين على الحمدي ومنهم الاستاذ المرحوم محمد عبد الوهاب جباري وزير الاقتصاد والصناعة والدكتور المرحوم الشهيد محمد عبد الملك المتوكل وزير التموين والتجارة كما اسندت حقائب اخرى الى اشخاص اخرين اكثر ميلا للسعودية وحركة الاخوان المسلمين اضطررت لحشر هذه الفقرة في موضع متقدم للتديل على التوجه الفعلي للرئيس الجديد وكيف ان العملية مهدت لفرض قوه حضور جماعات التطرف الديني بناء على هذه الوقائع اكدت الادلة الظرفية تورط حركة الاخوان المسلمين في اغتيال الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي اما بدافع الانتقام او تنفيذا لتوجيهات السعودية كما اشارت الى ذلك بعض الفتاوى التي اعتبرت اغتيال الحمدي انتصارا للدين انا في الاساس لا اميل في الغالب الى الاستعانة برواية الشارع والحكايات الشعبية عند اثبات حقيقة هامة كهذه التي نحاول اجلا الغموض التي يكتنفها مع ذلك ارى اني مضطر للاستعانة بها للاستدلال على اهم حلقة ممثلة في لحظة تصفية واغتيال الرئيس الحمدي لان الروايات تعددت واختلفت .

هذا النوع من المعلومات يتصف بالضعف وعدم المصداقية لان العاطفة ومشاعر الحب والبغض تتحكم في تفاصيلها ويكون التشويش وعدم الدقة والتحري لاي معلومة قبل الافصاح عنها عندما يسود الخوف والرعب واستهداف من يفصحون باي شيء عما حدث وتعريض الانصار الموالين للضحية للعقاب بالسجن والتعذيب او الاقصاء من الوظيفة او التصفية الجسدية  كل هذه العوامل تقلل من مصداقية أي رواية اضافة الى عامل اخر اكثر اهمية وخطورة في حالة التوظيف السياسي للمعلومة وهذا ما سنوضحه بالتفصيل في ملحق التداعيات ، واعود الى محور الروايات كما يقول المثل (مكره اخاك لا بطل )لكني اعتقد ان الاستعانة بهذه الروايات لن يخل بالمضون لأننا ومن خلال شهادة الاصنج تابعنا العملية الى ان وصل الشهيد الحمدي الى حوش منزل الغشمي واصطحب الحمدي الى مكان اخر وبالتالي تظل القرائن ثابته والادلة واضحة تحدد الجناه والمستفيدين الحقيقيين مما جرى على المستويين الاقليمي والدولي  .

اتفقت الروايات في جوهرها على معلومة هامة وضحت الموقف قبل الاغتيال حيث تقول : اصطحب الغشمي الشهيد الى البدروم فوجد كل شيء معد لتنفيذ جريمة الاغتيال مالفت نظر الشهيد الحمدي انه وجد اخاه المقدم عبدالله محمد الحمدي ملقى على الارض جثة هامدة استفزه المشهد التفت الى الغشمي يعاتبه (ياسبحان الله يا احمد فعلتها خنت الاخوة والصداقة والعيش والملح لماذا لم تخبرني انك تطمع الى الرئاسة وانا كنت ساتركها وارحل كلام كثير اختلف حوله الرواة لا ارى ضرورة لنشر هذه التفاصيل لان المعلومات والادلة التي حصلت عليها كشفت ادق التفاصيل عن بواعث الجريمة والمدى الزمني الذي استغرقته فترة الاعداء .

  • من المباشربالقتل

انتقل الى النقطة الاكثر حساسية وتتعلق بمن باشر القتل والخلاف واسع الا انه لم يتجاوز ثلاثة اشخاص فالغشمي لم يسمح للحمدي بالاستمرار في الحديث بعد ان شاهد الارتخاء والاقتناع بالكلام في وجوه الحاضرين فأشار الى الشخص المعني بسرعة التنفيذ وهنا يكمن الخلاف فالقتل تم بهرواه  حادة  بضربة خلف راسه الى ان سقط على جثة اخيه المسجى امامه فمن الشخص الذي نفذ الضربة ؟

الرواية الاولى من سدد  الضربة :علي عبدالله صالح .

الرواية الثانية من سدد الضربة :محمد يحيى الحاوري .

الرواية الثالثة من سدد الضربة محمود مانع صاحب بني حشيش .

وانا ارجح الثالثة لان الرجل قام بعده مهام مماثلة كان ابرزها اغتيال قاسم منصر بمساعدة احمد مساعد واخرين مع ذلك فأن هذا الترجيح لايعني تبراءه صالح والحاوري فهما مشاركان بشكل مباشر فيما جرى لأني عندما تحدثت في موضع سابق ان علي عبدالله صالح كان في الاذاعة فأنا اقصد في مساء نفس اليوم بعد ان كانت الجريمة قد تمت وما وجوده في الاذاعة وتصرفه بذلك الاسلوب الا دليل واضح بانه الرجل الثاني في الانقلاب لان الاذاعة من خلال تجارب الانقلابات السابقة كانت تمثل اهم الحلقات ولا توكل مهمة السيطرة عليها الا لمن هم موضع الثقة المطلقة لدى القوى الانقلابية خاصة ان بث التلفزيون في تلك الفترة كان محدود الى جانب انه كان متواجد في القيادة العامة للقوات المسلحة كما اشار الى ذلك اللواء علي محمد صلاح في الجزء الثاني من مذكراته وفي اعتقادي ان مشاركة الرجل ودورة البارز في ماحدث لايحتاج الى ادلة اثبات لان السعودية ورجلها القوي في تلك الفترة صالح الهديان كان يتعاطى مع صالح بعد نجاح الانقلاب باعتباره الرجل الثاني (5) .

نعود الى سياق الموضوع بعد عملية الاغتيال حرصت الخطة المعدة سلفا بان تتحمل الاجهزة المعنية مسؤولية الخطوات اللاحقة حتى يكون كل شيء رسمي وبالفعل تولى المقدم محسن اليوسفي بمشاركة مجموعة من الحرس الخاص للغشمي نقل الجثث وترتيب الامور الكفيلة باقناع الناس ان ماجرى حادث عرضي نتج عن طيش ومغامرات الشهيد على ذلك الاساس تم ابلاغ المباحث الجنائية وعقب البلاغ حدث السيناريو التالي :

ضابط المباحث الذي تم تكليفه بمداهمة المنزل المشبوه للتأكد من البلاغ اندفع بحماس لتنفيذ المهمة استنادا الى بلاغات وشكوك سابقة كانت تأتي تعليمات عليا بتجاهلها لان المستأجر للمنزل هووزير الخارجية عبدالله الاصنج استاجره كاستراحة للخطوط الجوية اليمنية باعتباره المشرف بشكل مباشر على الشركة من بعد ان دخلت السعودية شريك في راس مال الشركة وتشكل مجلس الادارة من الجانبين والمنزل في الاساس ملك المقاول العبيدي قال احد الجنود الذي رافق الضابط اندفع الفندم بقوة الى داخل المنزل الا ان المفاجئة كانت مذهلة عندما اطل من باب الغرفة وراى المنظر كان وجه الرئيس الحمدي محروف الى امام الباب عقب اخذ الصور الفوتغرافية انهار الضابط تراجع وهو يصرخ بطريقة هستيرية كذب كذب مابش قازلي ببيادة .

  • البيادة اول شبهة دحضت الزيف :

موضوع البيادة اكده احد المشائخ فقد طلبه الغشمي في نفس الليلة ووضع امامه عدة رزم من المال وفوقها صور للحمدي وشقيقه عبدالله مع الفرنسيات في وضع غير طبيعي قال : ابسر هذا رئيسكم سار في فروقها بسبب طيشه طالما نصحناه لم ينتصح وجود البياده اضعف الرواية واكد ما عندي من معلومات باغتيال الرئيس اخذت المال والصور وانا في حالة خوف ورعب الشر والاجرام يطلان من عيني الغشمي وقفت وطلبت منه الاذن وقبل ان ينطق بالسماح لي بالمغادرة رن جرس التلفون واذا به يصرخ بعلو صوته قلت لكم السرحي هذا مجنون غيروه عرفت انه يقصد المصور الفوتغرافي الخاص به انهى المكالمة بسرعة وخاطبني عفوا ياشيخ لاداعي لاخذ صور الرجل كان رئيس اليمن والناس انخدعوا به لاداعي لنشر الغسيل بادرت الى وضع الصور امامه واثنيت على موقفه وحرصه على القيم والاخلاق كان كل همي في تلك اللحظة الظفر بالسلامة من ذلك اليوم لم اعد الى مكتبه اطلاقا .

الا انه بعد ثلاثة ايام زارني احد الاخوه الاصدقاء وهو شيخ من سنحان كأن الامر انطلى عليه وجه ابشع الشتائم الى المرحوم استمعت اليه على مضض خفت ان يكون مرسل من الغشمي لمعرفة موقفي اخذت الصور عندما دققت في الصورة عرفت انه تم اخذها في وقت لاحق بعد نزع البيادة اضطررت الى مجارات الواقف امامي اتقائا لشره قلت بذهول وانهيار ب ب ب هذا انحلال يستاهل ماجرى له .

اقتضى السياق ايراد المعلومة السابقة لاثبات ماقبلها واثبات حقيقة هامة يغفل عنها الكثير وهما ان الخطة اعدت بدقة عالية لم تترك أي فرصة للشك فحتى المنزل الذي نقلت اليه الجثث اختير بعناية وان الشبهات تحيط به استنادا الى بلاغات سابقة عن الليالي الحمراء التي تتم فيه ومشاهدة الناس لمضيفات الطيران يترددن عليه وفي هذا دليل اثبات لايقبل الشك بان الخطة وضعت من قبل مخابرات اجنبية كانت على علم بشعبية الحمدي ومستوى حب اليمنيين له فأهتمت بادق التفاصيل الكفيلة بتشويه صورة الرجل واضعاف رد فعل الشارع ومثل هذه التفاصيل تتجاوز مستويات الفهم والقدرات الذهنية لدى الغشمي والمشاركين له في الجريمة .

ونعود الى مصير ضابط البحث قال الجندي ظل الضابط يصرخ بجنون وفي حالة انهيار تام ،هذا كذب مابش قازلي ببيادة الى ان استمعه ضباط وجنود الحرس امرونا بالخروج ونزلوا عيه ركلا بالأقدام وضرب باعقاب البنادق بعدها تم اخفائه الى عام 1984م استدعى الرئيس علي عبدالله صالح والده وقدم اليه مبلغا من المال وتوجيه الى وزير الداخلية بترقيته وتجنيد ابنه مع ان عمره انذاك لم يتجاوز الخامسة المهم ان الاب قرأ الرسالة فأخذ اسرته الى انس واقام العزاء في مسقط راسه خشية ان يتعرض للاذى ان اقامها في صنعاء وهكذا طويت فترة الازدهار والطفرة التي احدثها الرئيس الشهيد في فترة رئاسته التي لم تتجاوز ثلاث سنوات في كل الاحوال ماحدث كان فاجعة وكارثة عظيمة قال عنها الاستاذ محمد عودة الصحفي المصري الكبير “ما حدث لم يكن جريمة بشعة فحسب لكنه مثل انتكاسة ستعيد اليمن الى الوراء خمسين سنة لقد احسست بالندم والحسرة وانا اشاهد موجات الحزن والاسى تعلو وجوه كل اليمنيين الذين قابلتهم في الشارع تمنيت لو اني لم اوافق الرئيس الشهيد على تمديد الزيارة لكني وافقته على امل المشاركة في الفرحة الكبرى التي لمح اليها فكانت النتيجة للاسف ان الاعداء المتربصين باليمن استبقوا ذلك الحلم قتلوه في المهد “انا حزين لان الجرح سيضل نازف والواقع مفتوح على كل الاحتمالات لايمكن لاي عاقل ان يصدق بان الشعب الهائج الذي خرج يودع زعيمه المحبوب سيتصالح يوما مع القتله ويمد يده لمصافحة تلك الايادي القذرة انا شخصيا احس بالهزيمة والفشل فالحمدي لم يكن خسارة على اليمن فقط بقدر مايمثل خسارة لكل العرب والمسلمين هذا مارايته في حديثه وفي افكاره وفي طموحه وفي رؤيته للمستقبل سامحني لا استطيع الحديث اكثر من هذا مازالت الصدمة بتفاصيلها الاليمة تسيطر على كل مشاعري وستظل كذلك ما حييت” .

وانا بدوري اشكر الاستاذ محمد عودة وازكي كلامه بان ماحدث مثل اعظم فاجعة واكبر انتكاسة مازال الشعب يعاني تبعاتها حتى يومنا هذا .

  في الحلقة القادمة سنتطرق الى بعض التداعيات لتكتمل الصورة وتتجلى الحقيقة بكل تفاصيلها  ان شاء الله .